17-مارس-2018

ثبت أن انتشار الأخبار الكاذبة أسرع ب15 مرة من الحقائق عبر تويتر (The Sociable)

قدمت مجلة أتلانتيك الأمريكية عبر صفحاتها سردًا مفصلُا لأحدث وأكبر دراسة تتناول قضية الأخبار الكاذبة وانتشارها عبر منصات التواصل الاجتماعي الكبرى، مستمزجًة رأي وتعقيب كوكبة من الخبراء والباحثين أصحاب الاختصاص لتوضيح مقاصد الدراسة  الصادرة عن معهد ماساتشوستس وترجمة نتائجها التطبيقية وتقريبها لمجريات الواقع. يقدم الترا صوت تاليًا تقديم أتلاتنيك مرفقًا بلمحات وأبرز ما خلصت إليه أكبر دراسة، والأولى من نوعها، مما عرفه التاريخ في هذا الشأن. 


 غالبًا ما تتفوق الأكاذيب على الحقيقة في موقع تويتر، وتتوغل أكثر وأسرع وأعمق في شبكة التواصل الاجتماعي من المعلومات الدقيقة. بينما كتب الأديب والسياسي الإيرلندي، جوناثان سويفت ذات مرة يقول "إن الأكاذيب تطير، وتأتي الحقيقة بعدها تعرج". لربما كانت تلك الكلمات مبالغ فيها مُنذ ثلاثة قرون. لكنها وصف واقعي لوسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الراهن، وفقًا لدراسة طموحة وفريدة من نوعها عملت عليها مطولًا مجلة ساينس.

بحسب جميع المقاييس المشتركة، تتفوق الأكاذيب باستمرار على الحقيقة عبر تويتر

تُحلل الدراسة الجديدة الضخمة جميع القصص الإخبارية الرئيسية المطعون في صحتها باللغة الإنجليزية مُنذ إنشاء موقع تويتر، والتي قد يصل عددها إلى حوالي 126 ألف قصة، تم تغريدها على تويتر بواسطة 3 ملايين مستخدم، على مدى أكثر من 10 سنوات. وتُبين أن الحقيقة ببساطة لا يُمكن أن تتنافس مع الخدعة والشائعات. بحسب جميع المقاييس المشتركة، تتفوق الأكاذيب باستمرار على الحقيقة على تويتر، وقد توصلت الدراسة إلى أن: الأخبار الزائفة والشائعات الكاذبة تصل إلى عدد أكبر من الناس، وتخترق أعمق في شبكة التواصل الاجتماعي، وتنتشر بسرعة أكبر من القصص الصحيحة والدقيقة.

اقرأ/ي أيضًا: "ويكيبيديا" تهاجم "ديلي ميل".. صحيفة صفراء

قال عالم البيانات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سوروش فوسوغي، وهو الذي قام بدراسة الأخبار الزائفة منذ عام 2013 وهو أيضًَا من قاد هذه الدراسة "يبدو من الواضح تمامًا "من دراستنا" أن أداء المعلومات الزائفة يفوق المعلومات الحقيقية. وقد لا يُعزى ذلك فحسب إلى الروبوتات. بل قد يكون له علاقة بالطبيعة البشرية".

وقد دقت الدراسة بالفعل ناقوس الخطر بين علماء الاجتماع. إذ كتبت مجموعة من 16 عالمًا سياسيًا، وعلماء قانونيين في مقال نُشر أيضًا في مجلة ساينس، "ينبغي علينا إعادة تصميم نظامنا الإيكولوجي المعلوماتي في القرن الواحد والعشرين"، بالإضافة إلى أنهم يدعون إلى حملة جديدة من الأبحاث المُتعددة التخصصات "للحد من انتشار الأخبار الزائفة ومعالجة الأمراض الكامنة التي كشفت عنها". وتساءلوا قائلين "كيف يُمكننا خلق نظام إيكولوجي للأخبار، قادر على أن يُقيّم ويعزز الحقيقة؟".

تُشير الدراسة الجديدة إلى أن ذلك لن يكون سهلًا. على الرغم من أن فوسوغي وزملاؤه يركزون فقط على موقع تويتر- فقد أُجريت الدراسة باستخدام بيانات حصرية قدمتها الشركة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا -، فإن لعملهم آثار على موقعي فيسبوك ويوتيوب وجميع الشبكات الاجتماعية الرئيسية الأخرى. وتتمثل تلك الآثار في أن أي منصة تقوم بتضخيم المحتوى التفاعلي أو الاستفزازي بانتظام، تنطوي على خطر تضخيم الأخبار الكاذبة معه.

أي منصة تقوم بتضخيم المحتوى التفاعلي أو الاستفزازي بانتظام، تنطوي على خطر تضخيم الأخبار الكاذبة معه

ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من أن الدراسة مكتوبة باللغة التطبيقية للإحصائيات، فإنها تُقدم إدانة منهجية لدقة المعلومات التي تنتشر على هذه المنصات. فقد وجد الباحثون أن القصة الزائفة من المرجح أن تصبح أكثر انتشارًا من القصة الحقيقية. وأن القصة الزائفة تصل إلى 1,500 شخص، بمعدل ستة أضعاف أسرع، في المتوسط من القصة الحقيقية. وفي حين أن أداء القصص الزائفة يفوق القصص الحقيقة فيما يتعلَّق بشتى الموضوعات، بما في ذلك الأعمال التجارية، والإرهاب، والحرب، والعلوم والتكنولوجيا، والترفيه، فإن الأخبار الزائفة عن السياسة هي الأفضل على الدوام.

يبدو أن مستخدمي تويتر يفضلون مشاركة الأكاذيب. وحتى عندما قام الباحثون بالسيطرة على كل اختلاف بين حسابات المستخدمين التي نشأت منها تلك الشائعات -مثل ما إذا كان ذلك الشخص لديه متابعين أكثر أو تم التحقق من حسابه- فإن الأكاذيب كانت أكثر احتمالًا بنسبة 70 % ليعاد تغريدها من الأخبار الدقيقة.

ولا يمكن إلقاء اللوم في هذه المشكلة على أشقائنا الروبوتات. إذ وجدت الدراسة أن روبوتات تويتر، منذ عام 2006 إلى عام 2016، قامت بتضخيم القصص الحقيقية بقدر ما فعلت مع القصص الخاطئة. ويعزو المؤلفون انتشار الأخبار الزائفة بصورة أكبر إلى "البشر وليس الروبوتات، لأنهم على الأرجح هم من يقومون بنشرها".

اقرأ/ي أيضًا: اكذب ثم اكذب.. هكذا تشن حملة ضد قطر

أشاد علماء السياسة والباحثون في وسائل التواصل الاجتماعي إلى حد كبير بالدراسة، قائلين إنها أعطت نظرة أوسع وأكثر قوةً حتى الآن في نطاق مشكلة الأخبار الزائفة على الشبكات الاجتماعية، رغم أن البعض اعترض على ما توصلت إليه من نتائج حول الروبوتات، وشككوا في تعريفها للأخبار.

تصل القصة الزائفة  إلى 1,500 شخص، بمعدل ستة أضعاف أسرع، في المتوسط من القصة الحقيقية

قال أستاذ في التواصل السياسي من جامعة أكسفورد، راسموس كليس نيلسن، عبر رسالة بريد إلكتروني، " تُعد تلك الدراسة مُثيرة للاهتمام حقًا ومُثيرة للإعجاب، كما أن النتائج التي توصلت إليها الدراسة بشكلٍ واضحٍ داخل العينة، حول مدى انتشار المزاعم غير الصحيحة، بطريقة أسرع وعلى نطاق أوسع من تلك الحقيقية التي يُمكن إثباتها، تبدو قوية للغاية ومتسقة ومدعومة بشكلٍ جيدٍ".  في حين قال أستاذ الشؤون الحكومية من كلية دارتموث برندان نيهان،  "أعتقد أنه عمل دقيق ومهم للغاية. إنه بحث ممتاز من ذلك النوع الذي نحتاج إلى المزيد منه". بينما قالت أستاذة العلوم السياسية من جامعة ليدن في هولندا، ربيكا ترومبل، عبر رسالة بريد إلكتروني، "باختصار، لا أعتقد أن هناك أي سبب يدعو إلى الشك في نتائج الدراسة".

إذًا، ما الذي يجعل هذه الدراسة مختلفة؟ في الماضي، نظر الباحثون في مشكلة انتشار الأكاذيب عبر الإنترنت. وغالبًا ما ركزوا على الشائعات حول الأحداث الفردية، مثل التكهنات التي سبقت اكتشاف بوزون هيغز في عام 2012، أو تلك الشائعات التي أعقبت زلزال هايتي في عام 2010.

يتناول هذا البحث الجديد المشكلة بمقياس أوسع نطاقًا، ويبحث طوال الفترة منذ إنشاء موقع تويتر بأكملها تقريبًا: كل قطعة من الأخبار المُثيرة للجدل التي نُشرت على الموقع منذ أيلول/سبتمبر عام 2006 إلى كانون الأول/ ديسمبر عام 2016. ولكن للقيام بذلك، كان على فوسوغي وزملاؤه الإجابة على المزيد من الأسئلة التمهيدية أولًا: ما هي الحقيقة؟ وكيف يتسنى لنا معرفتها؟

يُمكن أن يكون لهذا السؤال عواقب حياة أو موت. إذ قال الباحث في وسائط الإعلام من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وأحد مؤلفين تلك الدراسة الجديدة ديب روي، "لقد أصبحت "الأخبار المزيفة" موضوعًا سياسيًا ساخنًا للغاية وحقيقيًا، ولكن الأمر الذي دفعنا لإجراء هذه الدراسة، هو الأحداث الشخصية التي حدثت في بوسطن قبل خمس سنوات".

في 15 نيسان/أبريل 2013، انفجرت قنبلتان قرب طريق سباق ماراثون بوسطن، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة مئات آخرين. وعلى الفور تقريبًا، استحوذت نظريات المؤامرة الجامحة حول التفجيرات على موقع تويتر وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي. وتفاقمت فوضى المعلومات في 19 نيسان/أبريل، عندما طلب حاكم ولاية ماساتشوستس من ملايين الأشخاص بالبقاء في منازلهم، بينما أجرت الشرطة عملية مطاردة ضخمة.

قال روي "كنت مثل السجين مع زوجتي وأطفالي في منزلنا في بلمونت لمدة يومين، وكان سوروش محبوسًا في كامبريدج". وبينما كانوا عالقين في الداخل، أصبح موقع تويتر بمثابة شريان الحياة الذي يصلهم بالعالم الخارجي. وأضاف "لقد سمعنا الكثير من الأشياء التي لم تكن صحيحة، وسمعنا الكثير من الأشياء التي تبين أنها حقيقية" عن طريق الموقع.

اقرأ/ي أيضًا: سفير ترامب في هولندا.. تصنيع الكذب لتغطية صناعة الأخبار الكاذبة

وسرعان ما انتهت تلك المحنة. لكن عندما التقى الرجلان مرةً أخرى في الحرم الجامعي، اتفقا على أنه يبدو سخيفًا بالنسبة لفوسوغي، الذي كان طالبًا للدكتوراه آنذاك، يركز في بحثه على وسائل التواصل الاجتماعي، أن يبحث عن أي شيء بخلاف ما عايشاه للتو. وبارك مستشاره روي هذا المشروع.

لقد صنع آلة الحقيقة: وهي خوارزمية يُمكن أن تدقق وتصنف سيول التغريدات، وتستنبط الحقائق التي من المحتمل أن تكون أكثر دقة من بينها. وقد ركزت الدراسة على ثلاثة سمات لكل تغريدة معينة، وهي: خصائص مؤلفها هل تم التحقق منه؟، نوع اللغة التي استخدمتها هل كانت راقية؟، وكيف انتشرت تغريدة معينة عبر الشبكة.

تهيمن الأخبار الزائفة على المنابر التواصل الاجتماعي. إذ إنها تصل باستمرار إلى شريحة أكبر من الجمهور، وتتخلل بعمق في الشبكات الاجتماعية أكثر من الأخبار الحقيقية

قال روي، الذي حصل على درجة الدكتوراه عام 2015، "النموذج الذي طوره سوروش كان قادرًا على التنبؤ بالدقة مع أداء أعلى بكثير من مجرد الصدفة". بعد ذلك، تحول الرجلان، بمساعدة سينان آرال، أستاذ الإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إلى دراسة الكيفية التي تنتقل بها الأكاذيب عبر موقع تويتر بصفةٍ عامةٍ. لكنهم لم يعودوا فقط إلى سؤال "ما هي الحقيقة؟"، بل إلى السؤال الأكثر ارتباطًا بالموضوع: ألا وهو، كيف يتسنى للكمبيوتر معرفة ما هي الحقيقة؟.

فضلوا أن يلجؤوا إلى الحَكَم النهائي للحقيقة على الإنترنت: وهي مواقع الطرف الثالث، التي تعمل على التدقيق والتقصي عن الحقيقة. من خلال جمع وتحليل ستة مواقع مختلفة لتدقيق الحقائق - بما في ذلك موقع Snopes، وموقع Politifact، وموقع FactCheck.org - وأنشأوا قائمة تحتوي على عشرات الآلاف من الشائعات عبر الإنترنت التي انتشرت بين عامي 2006 و2016 على تويتر. ثم قاموا بالبحث على تويتر عن هذه الشائعات، باستخدام محرك بحث خاص تملكه الشبكة الاجتماعية التي يطلق عليها Gnip.

في نهاية المطاف، وجدوا حوالي 126 ألف تغريدة، والتي أعيد تغريدها مجتمعة لأكثر من 4.5 مليون مرة. بعضها مرتبط بقصص "مزيفة" مُتاحة على مواقع إلكترونية أخرى على شبكة الإنترنت. وقد بدأ بعضها تلك الشائعات بنفسها، إما في نص على شكل تغريدة أو من خلال صورة مرفقة. (استخدم الفريق برنامجًا خاصًا يُمكنه البحث عن الكلمات المتضمنة في الصور الثابتة على موقع تويتر). ويحتوي بعضها على معلومات صحيحة أو مرتبطة بها في مكان آخر. ثم أجروا سلسلة من التحليلات، قارنوا من خلالها بين مدى شعبية الشائعات المزيفة وشعبية الأخبار الحقيقية. ما وجدوه أذهلهم بحق.

اقرأ/ي أيضًا: حسام بهجت.. العسكر في مواجهة صحافة التحقيقات

قدم فوسوغي مثالًا على ذلك، أثناء المقالة التي نشرها في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا هذا الأسبوع، وقال: هناك الكثير من الطرق التي من خلالها يُمكن لتغريدة واحدة أن يُعاد تغريدها 10 آلاف مرة. إذا أرسل أحد المشاهير تغريدة ولنقل إنها “التغريدة (أ)"، وكان لديه بضعة ملايين من المتابعين، فربما سيشاهد 10 آلاف شخص التغريدة (أ) في الخطّ الزمنيّ للصفحة الرئيسيّة الخاصة بهم، ومن ثم يقررون إعادة تغريدها. الآن نُشرت التغريدة (أ)، مما خلق نمطًا كبيرًا ولكنه لا يزال ضحلًا.

في هذه الأثناء، يرسل شخص آخر، ليس لديه الكثير من المتابعين التغريدة (ب). وتصل إلى متابعيه العشرين - ولكن أحد هؤلاء الأشخاص يراها، ويعيد تغريدها، ثم يراها أحد المتابعين الأخرين، ثم يعيد تغريدها أيضًا، واحد بعد الآخر حتى يرى عشرات الآلاف من الناس التغريدة (ب)، ويعيدوا تغريدها.

تتمتع كل من التغريدة (أ)، والتغريدة (ب) بنفس حجم الجمهور، لكن التغريدة (ب) تمتاز "بعمق أكبر"، حسب المصطلح الذي استخدمه فوسوغي. إذ قامت بتكوين سلسلة من إعادة التغريدات، بطريقة لم تستطع التغريدة (أ) على فعلها. وأضاف "يُمكن أن يعاد تغريدها أكثر من ألف مرة، ولكن شكلها مختلف للغاية".

وهنا يكمن تفسير تلك الظاهرة: تهيمن الأخبار الزائفة وفقًا لكلا المقياسين. إذ إنها تصل باستمرار إلى شريحة أكبر من الجمهور، وتتخلل بعمق في الشبكات الاجتماعية أكثر من الأخبار الحقيقية. وقد وجد المؤلفون أن الأخبار الدقيقة لم تكن قادرة على تكوين سلسلة من إعادة التغريد أكثر من 10 مرات. في حين يُمكن للأخبار المزيفة أن تجمع سلسلة من إعادة التغريد قد يصل طولها إلى 19 رابطًا - كما يُمكنها أن تفعل ذلك أسرع بعشر مرات من قدرة الأخبار الدقيقة على تجميع 10 إعادة تغريدات تافهة.

أثبتت هذه النتائج أنها قوية حتى عندما قام البشر بالتحقق منها، وليس الروبوتات. ففي تجربة منفصلة عن الاستقصاء الرئيسي، قامت مجموعة من طلاب المرحلة الجامعية بالتحقيق والتدقيق في مجموعة عشوائية، تتكون من حوالي 13 ألف تغريدة باللغة الإنجليزية خلال الفترة نفسها. ووجدوا أن المعلومات الزائفة تفوقت على المعلومات الحقيقية بطرق "متطابقة تقريبًا" مع مجموعة البيانات الرئيسية، وفقًا للدراسة.

كيف يبدو ذلك في الحياة الواقعية؟ نأخذ مثالين من الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ففي شهر آب/ أغسطس عام 2015، انتشرت شائعة على وسائل التواصل الاجتماعي بأن دونالد ترامب قد سمح لطفل مريض باستخدام طائرته للحصول على رعاية طبية عاجلة. وقد أكد موقع سنوبس. كوم تقريبًا أن تلك القصة صحيحة. ولكن وفقًا لتقديرات الفريق، لم يشارك أو يعيد تغريد القصة سوى 1,300 شخصًا.

يُمكن للأخبار المزيفة أن تجمع سلسلة من إعادة التغريد قد يصل طولها إلى 19 رابطًا - كما يُمكنها أن تفعل ذلك أسرع بعشر مرات من قدرة الأخبار الدقيقة على تجميع 10 إعادة تغريدات تافهة

وفي شهر شباط /فبراير عام 2016، ظهرت شائعة بأن ابن عم ترامب قد توفي مؤخرًا وأنه عارض ترشح ترامب للرئاسة في نعيه. وقال "بصفتي أحمل بكل فخر اسم عائلة ترامب، فأنا أناشدكم جميعًا، رجاءً لا تدعوا ذلك الأحمق يصبح رئيسًا". لكن لم يستطع موقع سنوبس. كوم العثور على دليل على أن ذلك الشخص هو ابن عمه بالفعل، أو أي دليل على نعيه، ورفض القصة باعتبارها زائفة.

ومع ذلك، تداول ما يقرب من 38 ألفًا من مستخدمي موقع تويتر القصة. وكونت سلسلة من إعادة التغريد أكبر بثلاث مرات مما فعلت قصة الطفل المريض. وزعمت قصة زائفة أخرى، أن الملاكم فلويد مايويذر قد ارتدى وشاحًا خاص بالمسلمين على رأسه في مسيرة لترامب، وقد وصلت تلك القصة إلى جمهور أكثر 10 أضعاف من قصة الطفل المريض. لماذا تنتشر الأكاذيب بهذا الشكل الجيد؟ للإجابة على هذا السؤال، استقر فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على فرضيتين.

الفرضية الأولى، هي أن الأخبار الزائفة تبدو "مُبتكرة" أكثر من الأخبار الحقيقية. فقد وجد الفريق أن الأكاذيب غالبًا ما تكون مختلفة عن جميع التغريدات التي ظهرت في الخطّ الزمنيّ للمستخدم قبل 60 يومًا من إعادة تغريدها.

الفرضية الثانية، هي أن الأخبار المزيفة تُثير العواطف أكثر بكثير من التغريدة المتوسطة. قام الباحثون بإنشاء قاعدة بيانات للكلمات التي استخدمها مستخدمو تويتر للرد على التغريدات المطعون فيها، والتي بلغ عددها 126 ألف تغريدة، ثم تحليلها باستخدام أحدث أداة لتحليل المشاعر. ووجدوا أن التغريدات الزائفة تميل عادةً إلى استنباط كلمات مُرتبطة بالمفاجأة والاشمئزاز، في حين استدعت التغريدات الدقيقة الكلمات المرتبطة بالحزن والثقة.

ورغب الفريق في الإجابة عن سؤال آخر: هل ساعدت روبوتات تويتر على نشر المعلومات المضللة؟ بعد استخدام اثنين من الخوارزميات المختلفة لاكتشاف الروبوتات في عينة الدراسة التي تألفت من 3 ملايين مستخدم من مستخدمي تويتر، توصلوا إلى أن الروبوتات الآلية تنشر الأخبار الزائفة،  لكنهم أعادوا تغريدها بنفس معدل إعادة تغريد المعلومات الدقيقة.

لا يمكن حصر تفسير الفروق الهائلة في كيفية انتشار الأخبار الصحيحة والزائفة على تويتر بوجود الروبوتات

ولكن حذر بعض العلماء السياسيين من أن هذا الأمر لا ينبغي استخدامه لنفي أو دحض دور الروبوتات الروسية في نشر المعلومات المضللة مؤخرًا. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن "جيشًا" من الروبوتات المرتبطة بروسيا ساعد على تضخيم الخطاب الداعي إلى الانقسام، عقب حادث إطلاق النار في إحدى مدارس مدينة باركلان بولاية فلوريدا.

وقال ديف كاربف، العالم السياسي بجامعة جورج واشنطن، في رسالة عبر البريد الإلكتروني "يمكن تفسير الأمرين على النحو التالي (1) بالنسبة لمجموعة البيانات التي استمرت على مدار 10 سنوات كاملة، لم تفضل الروبوتات الدعاية الكاذبة (2) وبالنسبة لمجموعة حديثة من الحالات الفرعية، جرى نشر شبكات الروبوتات على نحو استراتيجي لتوسيع نطاق مزاعم الدعاية الزائفة".

وأضاف قائلاً "أعتقد أن البحث سيجري اختياره كدليل علمي على أن الروبوتات ليست مهمة بالفعل!" كما أن هذا البحث يوضح ذلك بالفعل، إذا نظرنا إلى المعدل العمري الكامل لتويتر. ولكن يفترض الجدل الحقيقي حول الروبوتات أن استخدامها قد تزايد في الآونة الأخيرة بسبب أن الجهات الاستراتيجية الفاعلة أضافت موارد إلى استخدامها. ولا تدحض هذه الورقة البحثية هذا الافتراض".

ويوافق فوسوغي على أن بحثه لا يحدد ما إذا كان استخدام شبكات الروبوتات (بوت نت) قد أثر على نتائج انتخابات عام 2016. وقال في رسالة عبر البريد الإلكتروني "لم ندرس التغيير المتعلق بدور الروبوتات بمرور الوقت. ويعد هذا من التساؤلات الهامة التي من المحتمل أن نتطرق إليها في الدراسات المستقبلية".

يبدو أن وسائل التواصل الاجتماعية تضخّم الأخبار المزيفة بشكلٍ منهجيٍ على حساب الحقيقة ولا أحد يعرف كيف يمكنه عكس هذا الاتجاه

كما تشكك بعض العلماء السياسيين أيضًا في تعريف الدراسة لمفهوم "الأخبار". فمن خلال الانتقال إلى مواقع تدقيق الحقائق، تطمس الدراسة مجموعة واسعة من المعلومات الزائفة مجتمعةً، والتي تنطوي على الأكاذيب الصريحة، والخدع، والمحاكاة الساخرة، والمغالطات، و"الأخبار الزائفة". فهي لا تنظر فقط إلى الأخبار الزائفة في حد ذاتها – المتمثلة في المقالات أو الفيديوهات التي تشبه محتوى الأخبار، والتي تبدو كأنها خضعت للعملية الصحفية، لكن إلى التي تشكلت بالفعل.

وفي بيان أصدره موقع تويتر، جاء فيه أن الموقع كان يأمل في توسيع نطاق عمله مع الخبراء الخارجيين. وقال جاك دورسي، الرئيس التنفيذي لموقع تويتر، في سلسلة من التغريدات في الأسبوع الماضي إن الشركة تأمل في "زيادة الصحة الجماعية، والانفتاح، وتحضُر النقاش العام، وأن نُحمل أنفسنا المسؤولية علنًا للعمل على هذا التقدم".

اقرأ/ي أيضًا: محفل بروباغندا ابن سلمان الغربي.. غراميات توماس فريدمان

بينما لم يستجب موقع الفيسبوك لطلب التعليق. لكن ربيكا ترومبل، أستاذة العلوم السياسية، قالت إن النتائج ستنطبق على الفيسبوك أيضًا على الأرجح. "فقد أعلن موقع الفيسبوك، في وقت سابق من هذا العام، أنه سيعيد هيكلة قسم "آخر الأخبار" لتعزيز التفاعل الهادف".

وأضافت "بيد أنه أصبح من الواضح أنهم سيقيسون" التفاعل الهادف " استنادًا إلى عدد التعليقات والردود على التعليقات التي تتلقاها إحدى المشاركات. لكن كما أوضحت هذه الدراسة، فإن ذلك التحفيز سيؤدي إلى خلق المنشورات المليئة بالمعلومات الخاطئة والمحتوى الآخر الذي يحتمل أن يحظى بردود أفعال عاطفية قوية".

ما ينطبق على تويتر بشأن الأخبار الكاذبة فهو بالضرورة ينطبق على فيسبوك أيضًا والذي يعاني من انتقادات يعجز عن علاجها في هذا الصدد

واتضح  أن المستخدمين الذين يشاركون معلومات دقيقة لديهم أعدادٌ أكبر من المتابعين، وينشرون مزيدًا من التغريدات، مقارنة بالذين يتبادلون الأخبار المزيفة. وتبين الدراسة أيضًا أن المستخدمين الذين يهتمون بالحقائق يقضون فترات أطول على تويتر، مما يتيح على الأرجح فرص أكبر للتحقق مما ينشرونه. باختصار، يحق للمستخدمين الأكثر مصداقية أن يتباهوا بكل ما تمنحه تويتر لأفضل مستخدميها من مزايا هيكلية واضحة، سواء بصفتها شركة أو منصةٍ للتواصل.

يمكن القول أن الحقيقة تمتاز بانطلاقة سريعة، لكن المغالطات، تظل مع ذلك تفوز بالسباق، بطريقة ما. يقول أصحاب الدراسة "ينتشر الزيف بشكل أكبر وأسرع من انتشار الحقيقة على الرغم من هذه الاختلافات "بين الروايات"، وليس بسببها".

باختصار، يبدو أن وسائل التواصل الاجتماعية تضخّم الأخبار المزيفة بشكلٍ منهجيٍ على حساب الحقيقة، ولا أحد، لا الخبراء ولا السياسيون ولا الشركات التقنية، يعرف كيف يمكنه عكس هذا الاتجاه، إنها لحظة خطيرة يواجهها كل نظام من نُظم الحكم، القائمة على واقعٍ عامٍ مشتركٍ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إيران وحماس على مائدة بروباغندا القرصنة السعودية -الإماراتية.. تصفيق لترامب!

صحيفة الحياة تكذب نفسها.. نفي خبر كاذب عن عزمي بشارة