05-مايو-2016

لاجئون سوريون في غزة (Getty)

التاريخ خائن. ربما لسان حال حلب يردّد تلك الجملة باستمرار بعد ما أصبحت تلك المدينة، التي شهدت الحضارة الآرامية والفارسية والرومانية والإسلامية على مدى ثلاثة آلاف عام، أثرًا بعد عين.

يدرك النظام أن ما وصل إليه من إعادة تأهيل لشرعيته في أعين المجتمع الدولي، ما هو إلا عن طريق شيطنة الثورة السورية

لن يحتوي هذا المقال على كلمات اللعن والعويل "الآني"، الذي سرعان ما يخبو ويتبدد بعد ليلة أو إجازة نهاية الإسبوع ، بل سيحوي وصفًا أدعي أنه يفسر بعض مما حصل ويحصل لحلب في هذا الوقت الدموي.

اقرأ/ي أيضًا: أين مفتاح الشارع؟

أبدأ أولًا بتذكير القارئ أن مدينة حلب وريفها تتبع من ناحية النفوذ إلى جهتين، الأولى هي فصائل المعارضة المسلحة وأبرزها جبهة النصرة وجيش الفتح، والثانية هي النظام السوري وأزلامه من حزب الله والحرس الثوري الإيراني، حيث تسيطر المعارضة على الجهة الشرقية من المدينة منذ قرابة أربع سنوات، بينما يقف النظام في الجهة الغربية المقابلة.

وكنتيجة طبيعية ومتوقعة إزاء تدخل الروس في الأزمة السورية وإنعاشها نظام الأسد، بدأ النظام معارك استرداد المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، والتي بدأت في ريف حمص واللاذقية وحماة وإدلب ودرعا، منتشيًا بسلاح الجو الروسي الذي قام بمهمة تدمير شاملة للمناطق الآنف ذكرها، إلا أن النظام، وبالرغم من ما حققه على الأرض من نتائج بدت إيجابية، ظل متخوفًا من الدخول في معركة حلب نظرًا لحساسية الموقف هناك وتعقيده، فلماذا دخل النظام السوري هذه المعركة الآن؟ وما هي حسابات الربح والخسارة التي يمتلكها هناك؟

يدرك النظام أهمية ما وصل إليه من إعادة تأهيل لشرعيته في أعين المجتمع الدولي، وذلك عن طريق شيطنة الثورة السورية وحالة الاستقطاب التي جعلت كل معارضيه إرهابيين، ناهيك عن تضخيم الخطر المتأتي من تنظيم الدولة الإسلامية على المنطقة العربية والأوروبية، والذي جعل الجميع يتجهون لتقديمه قربانًا بدلًا من رحيل نظام الأسد، ومن هذا المنطلق يتحرك النظام السوري باتجاهات مختلفة حتى يكسب القدر الممكن من الأرض لجعله قويًا في حال حدوث محادثات مع المعارضة، ذلك أن التدخل العسكري لإزالة النظام أصبح أثرًا بعد عين.

اقرأ/ي أيضًا: حلب-القاهرة.. امتيازات القتل

كثيرة هي فوائد رجوع حلب إلى عصمة النظام، ومنها إيصال رسائل هامة أن النظام استعاد أكبر مدن سوريا، وأحكم على مسار دخول وخروج "الإرهابيين"، وإيقاف دعم تركيا للمعارضة المسلحة، وحصار إدلب تمهيدًا للانقضاض عليها من جانبين، وقطع طرق الإمداد الداخلية بين الفصائل، هذه المنافع تجعل من نظام الأسد متحفزًا للذهاب إلى حلب وبدء عملية عسكرية هناك، وإن كانت جوية بالمجمل دون تدخل القوات البرية، لكن هذا ما يسعى إليه الأسد، فماذا عن الروس والأمريكيين وموقفهما من هذه الأحداث المستجدة؟

ما يحدث في حلب يهدف إلى كسر إرادة وشوكة الشعب السوري للقبول بالأسد ونظامه في المرحلة المقبلة

لم يعد يخفى على أحد أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا متفقتان تمامًا على ضرورة حل النزاع بالطرق السياسية، وهذا يعني بقاء نظام الأسد وإجراء مفاوضات مع المعارضة حول القبول بالتعايش معه، وهذا يعني إطلاق يد الأسد في بطش معارضيه برعاية أمريكية وروسية معًا، وهو ما تجلى في تصريحات الأمريكيين "المخزية" تجاه ما يحدث في حلب.

إدارة أوباما الراحلة قريبًا عن البيت الأبيض تبدو غير مكترثة بالدم والمنطقة، وتريد أن يفهم الخليج أن زمن الدعم لحكوماتهم قد ولى، وأن إيران حليفهم "الأفضل" في هذا الزمن.

آنيًا يحمل الهجوم على حلب دلالات على رسائل أمريكية لعدة أطراف، أولها المعارضة السورية التي انسحبت من جنيف، فقد بدا موقف الإدارة الأمريكية "الباهت" كعقاب للمعارضة على ما فعلت، الطرف الثاني هو السعودية التي بدأت بالتحرك عربيًا لجمع الأصوات حول صوتها، بعد ما وصلت العلاقات مع الإدارة الأمريكية إلى طريق مسدود، وكأنما يريد الأمريكيون -بغض النظر عن ما يحدث في حلب- أن يقولوا للسعوديين إن ما تفعلونه غير مجدٍ.

أما تركيا فلها نصيب الأسد مما تود الولايات المتحدة قوله، فبهذا الهجوم الذي لم يحرك أردوغان بشأنه ساكنًا، يكون قد فهم أن دوره في الجهة الشمالية قد انتهى، وأن الأزمة السورية باتت من اختصاص بوتين وأوباما فقط، وفي مقابل هذا التفهم يضمن أردوغان عدم إزعاج الأكراد ووصولهم إلى منبج وإعزاز حتى لو كان لفترة مؤقتة.

ما يحدث في حلب يهدف إلى كسر إرادة وشوكة الشعب السوري للقبول بالأسد ونظامه في المرحلة المقبلة، وهذا ما يقودنا إلى أن اللعن والدعاء لن يجديا نفعًا.

اقرأ/ي أيضًا:

الزيارة العار.. البكاء على صدر جزار دمشق الصغير

أراجيح الهاشتاغات