26-فبراير-2020

ألبرت سيرفيس/ بلجيكا

غدًا يمضي الشتاء تاركًا خلفه حنينًا ومنبئًا بقيظ حارق، ولكن إلى أين أيها الشتاء؟ إلى أين يذهب الشتاء في كل وقت من هذا العام؟ هل يختبئ في مكان ما أم أنه كائن أسطوري لا تحتمل خفته يذهب ميتًا ثم يبعث حيًا؟

في الشتاء، يُغطى كل شيء بشغاف من القداسة والخصوصية، يظهر هذا جليًا في الصور التي تغيب عنها الشمس تحضر الملابس الثقيلة، يضفي هذا على الذكريات مزيدًا من الجمال القديم، رأى أحدهم فتاة تتصبب عرقًا من حر الصيف فمرّ بها ولم يبال، وحينما رآها تجري تحت المطر أحيت موات قلبه.

في كانون الثاني/يناير، يصحو الحنين من مرقده، بمزيج من الحزن والغضب، تذكر امرأة قدرت على إسعادها وعجزت عن حمايتها، وكانت القيامة، إلا أن الحلم ما زال باقيًا، في حب روى ظمأ القلب بعدما أوشك على الموت عطشًا، كل قلب يحب محياه، ويكره ذكراه.

في شباط/فبراير، كل شيء أشد اختلافًا، المطر والقهوة والشوارع والكلمات والسفر وصوت فيروز، يمنحنا الشتاء فرصة للسفر بحثًا عن الدفء، إيجاد الدفء ليس بالأمر الهين، ربما نسافر ألف ميل بحثًا عنه بينما يقبع على بعد خطوات ولا نراه.

الأمر أشبه بعلاقات الحب طويلة المسافات، تحبّ شخصًا من مدينة أخرى، فيجعلك تحب مدينته وكأنها جزء منه، يوجد الدفء حيث يوجد الحب، كوب من القهوة في إحدى الليالي الباردة قد يمنح المحب دفء العالم، فقط لأنه قد احتساه في أحد مقاهي مدينة من يحب.

لم يفتش أحد عن غذاء الحب رغم طول إقامته على الأرض، للحب حضور ورونق لا يخفى على من ذاقه، يحضر الحب دائمًا لكنه يأتي أكثر أناقة وبهاء في الشتاء، يعلن عن حضوره وكذلك عن آلامه، ليُبشر الجميع، أنت ستصعد طريق الآلام بينما أنت ستلقى على الأرض السلام.

وفي آذار/مارس، يلملم الشتاء أوراقه، يمطر بعض المرات مطرًا محيرًا، لا يُعلم إذا ما كان مطرًا أم دموع، ما زال كل شيء محتفظًا بقداسته، فقط يكفي الضباب الذي يغيم على كل شيء، ليعلن حضور الشتاء وإن اقترب رحيله.

للشتاء وجوه أخرى، جميعها قاسية، يكشف عن أقبحها في مخيمات اللاجئين وعلى قوارب المهاجرين قسرًا، ويكشف عن أخرى للاجئين داخل أوطانهم، إما في سجونها وإما في شوارعها، البرد القارص مجرم مجهول الهوية، يفتك بأضعف الضحايا دون رحمة أو هوادة، بينما يقف عاجزًا أمام الأقوياء، على غرار الحب.

تودع مآذن المساجد ومنارات المساجد الشتاء بأنين غير مسموع، تحزن الشتاء لأن ابنها الذي زينها بالسحب سيرحل عنها، تبكي الشوارع حزنًا على المطر بينما تظل القهوة بنفس كبريائها المعتاد، ولكن أقل جمالًا وكأنها عجوز ترك الزمن أثره على ملامحها لكنه لم ينجح أن يمحو ما بها من جمال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ألم أصغر من أن أقوله

نبيعُ أحلامنا بأثمانٍ زهيدة