10-يناير-2016

مظاهرة لحركات اليمين في كولونيا، تطالب بإيقاف الهجرة إلى ألمانيا على خلفية أحداث رأس السنة (Getty)

من المؤكد أن "عجيان" هوكيدا وبيغيدا، سينشطون نَشاطَ العفن في البيئة الرطبة والمظلمة، وسيوجهون سخافاتهم تجاه أنجيلا ميركل وحزبها الذي تبنى استقبال اللاجئين وتأمين مستوى لائق بهم، و"غزوة كولن" كما يسميها بعضهم، وكما أسميها أنا: "مجزرة كولن"، فيما لو أخذت ما هو مغاير عن غزوات السنين السابقة، والتي يحدث فيها ما يحدث من ميل طرف على طرف ولكن بالرضا والقبول، فإنّ عددًا كبيرًا، يجتمع في مكان مكشوف للرائي وللشرطة ويرتكب فعلًا مشابهًا لتلك الأفعال التي ترتكب في سوريا تحديدًا، أيام سلمية الثورة، وكانت تنقلها قناة "الدنيا"، الدَّنِيَا لو اشتققنا الدناءة من اسمها، فإنَّ مقولة: "مؤامرة" ستصبح جائزة على السوريين حتى في أماكن لجوئهم وملاذاتهم الـ "غصبًا عنهم". 

جمع عدد كبير من القادرين على الافتراس يعتبر أمرًا محيّرًا، بل يعطي مؤشرًا قويًا على يدٍ خفية خلف ما يحدث

الأمر ليس بحاجة للتوثيق إذا كانت الشرطة الألمانية، وبحسب أشخاص، تحذّر وبنفس لغة النظام السوري من "مندسين" بين اللاجئين لتشويه الصورة وإظهار اللاجئ السوري تحديدًا على أنه همجي وداعشي، على عكس ما يشيع عنه بوصفه ابن حضارة عريقة ومدني، وأن كلّ من سبق وصوله في أوقات سلفت وعاش بين الألمانيين قدمّ صورة مشرقة عن بلده وأهله حتى صار محط الأنظار، ويمكن التحاور معه في أمور تفوق التعايش والاندماج نحو لغة ثقافية جامعة تكسر احتكار الثقافات، وتفتح الباب لتواصل حضاري لا للتصادم سواء فلسفيًا أو مجتمعيًا. 

إن ما يحذر منه الألمان صحيح فيما لو عرفنا استثمار المزاج العنصري عند بعضهم وعملهم على ذلك، بل الأكثر إفساحًا للمجال للمرتبطين أخلاقيًا بالنظام السوري ويسوقون مقولته في المؤامرة وقدرته على الصمود بفعل التحالفات المهينة التي يستطيع القيام بها متناسيًا الأخلاق وعلاقته بشعبه فيما لو كان شعبه! 

وجود قانون ونظام يحتكم إليه كل من تحت سقف وطننا الجديد، يجعل الأمر بالدفع إلى التضييق على الجناة، وقد تبين من التحقيقات أن نسبة السوريين هي الأقل بينهم، لكن من الواضح المتبدي أن جمع عدد كبير من الشواذ والقادرين على الافتراس يعتبر أمرًا محيّرًا، بل ويعطي مؤشرًا قويًا على تتبع يدٍ خفية خلف ما يحدث، سواء من قوى خارج ألمانيا ولها مصلحة في محاربة من وصل إليها هاربًا، أو من داخلها لها متعتها ومصلحتها في التحالف مع الشر، وهو ماعنون به أحد الأصدقاء عنوان مقالته بـ"تحالف الأشرار"، المطالبة بالتضييق على الجناة في هذه الحال والتنكيل بهم، انطلاقًا من القهر الذي نحسه والخذلان يتطّلب استحضارًا لأمنية ليست بريئة لو تمّ الجهر بها، وهي أن يبتلى هؤلاء بـ"المخابرات السورية"، فذاك يشفي الغليل لما لهذه الوحوش الأخيرة من قدرة على انتهاك الإنسانية والنيل منها.

لا أريد أن أسأل كيف تم هذا؟!. فأنا أعرف أن الشرطة الألمانية تصل مكان الحدث بعد سبع دقائق كحد أقصى، بحيث لا يمكن لمن يريد أن يتبول أن يبول، فكيف لمن يريد أن يغتصب أو يفعل فعلًا منافيًا للحشمة بوصفنا نحن القادمين الجدد، وعاديًا بوصفهم لو تمّ بالرضا.

الشرطة الألمانية تصل مكان الحدث بعد 7 دقائق، بحيث لا يمكن لمن يريد أن يتبول أن يبول، فكيف لمن يريد أن يغتصب؟

الجاني أيًا كانت هويته هو مجرم في حال التمنع من المعتدى عليه أو المتحرّش به، وحصول الشكوى ضدّه، كيف لا ونحن، المسلمين والعرب، جعلنا المرأة هي محور الدين، بحيث تركنا كلَّ شيء وتمسكنا بمناطق عورة المرأة وجواز عملها وامتثالها لزوجها ومتى تهجر ومتى يطيب فراشها، حتى إن داعش رأت أن تكون طبقات خمار المرأة سبع طبقات.. الله أكبر، بينما هنا غزوة خارج "غض النظر" نحو المتبرجات الكافرات، لعمري إنها أمةٌ "منتصرة"، تنتصر بفحولة أبنائها على بياضِ بنات الغرب "العاهرات"!

البارحة وفي مكان الحدث، تحصلّت بعض الورود، قدمتها للشرطة وللقنوات الفضائية هناك، وكان بين الحضور صحافية قبل سنتين أجرت حوارًا معي، استطعت بين الألمانية والإنجليزية أن أوصل لها أننا لسنا ضباعًا تهجم على الغزلان، وأن في الأمر "إنَّ" وتوابعها، تفهمّت الصحافية الشابة الأمر تبعًا لحديث دار بيننا قبل سنتين. اليوم أيضًا في نفس المكان احتلَّ عددٌ كبير من الألمان مدرجات كاتدرائية كولن والساحة التي شهدت التمثيلية المؤلمة، لينددوا بما رأوه تصعيدًا من بيغيدا واستثمارًا للحدث الذي يبدو واضحًا أنه مشغول عليه وضخّم أكثر مما يجب، ليتناسب طردًا والصيحات العنصرية المطالبة بطرد اللاجئين أو الكف عن استقبال أعداد جديدة.

"عجيان" بيغيدا وهوكيدا و"عجيان" الشرّ من كل بقاعِ العالم تتحالف لتشويهِ السوريين، ليس غريبًا، لا تستغربوا هذا القول لأنه لا ينتمي إلى نظرية المؤامرة، خاصة إذا عرفتم أنّ أصدقاء سوريا هم أنفسهم أعداؤها. لقد أراد العالم أن يستبدل لفظة لاجئ بـ"سوري" فانتظروا في الأيام القادمةِ ماهو أسوأ: كلمة يقولها رجل متفائل!

اقرأ/ي أيضَا:

ندوب أحداث كولونيا

ألمانيا.. مسافة أمان مع المتحرشين