21-أغسطس-2018

لا يجرؤ كثيرون على التحذير من مخاطر الكثافة السكانية في إسرائيل (Getty)

بمقدمة طويلة عن ضرورة كسر التابوهات والمحظورات في مجتمع "منفتح" مثل المجتمع الإسرائيلي، وبرجاء ألا يتلقى اتهامات على غرار الخيانة أو الفاشية أو معاداة السامية، وبتأكيدات متكررة على أنه "صهيوني ملتزم"، يقدم البروفسور الإسرائيلي ألون تال لكتابه بعنوان "الأرض مليئة" (The Land is Full).

منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، في عام 1967، بدأ الخوف من التهديد الديموغرافي العربي، يصبح موضوعًا أساسيًا في نقاشات الرأي العام الإسرائيلي

بمجرد أن تفتح هذه القضية، "كن مستعدًا أن تتهم من اليمين بأنك ضد الصهيونية، ومن اليسار بأنك فاشي". هكذا يحذر الديموغرافي الإسرائيلي المعروف أرنون سوفير مؤلف الكتاب وغيره ممن يكتبون في هذا الشأن. لكن مهلًا، ما هي هذه القضية "التابو" المخيفة إلى هذه الدرجة في إسرائيل؟

لا تمهد هذه المقدمة عن "المحظورات" وضرورة الانفتاح وتقبل النقد، أمام كتاب في نقد الصهيونية، ولا في إعادة التأريخ لها، وليس الكتاب المذكور كتابًا في إنصاف الفلسطينيين أو روايتهم. إنه مجرد كتاب، وللمفارقة، عن الكثافة السكانية في إسرائيل وخطرها على المستقبل البيئي للدولة. احتاج المحاضر في جامعة تل أبيب إلى كل ما سبق، من أجل أن يقول للإسرائيليين إن الإنجاب المتزايد يضر بالأوضاع البيئية في البلاد.

وقد عبر المؤلف حسب مقالة في صحيفة هآرتس عن تفاؤله بخصوص هذا الموضوع، وأوضح أن المجتمع الإسرائيلي تقبل خلال السنوات العشر الأخيرة تابوهات عديدة مثل قضية المثليين، ويمكنه مع الوقت تقبل مثل هذه القضية. لكن كيف أصبحت مسألة الكثافة السكانية من المحظورات ولماذا؟

منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، في عام 1967، بدأ الخوف من التهديد الديموغرافي العربي، يصبح موضوعًا أساسيًا في نقاشات الرأي العام الإسرائيلي. وبمجرد انتهاء حرب حزيران/يونيو، بدأت تتصاعد المخاوف الإسرائيلية بسبب الموازين الديموغرافية الجديدة في كامل الأرض الفلسطينية.

اقرأ/ي أيضًا: إيلان بابيه يفضح "فكرة إسرائيل"

أدى ذلك، كما يوضح المؤرخ الفلسطيني نور مصالحة في كتابه "إسرائيل الكبرى والفلسطينيون" إلى اقتراح بعض الإسرائيليين مقاربات تمييزية صارخة وبشكل علني للتعامل مع الخصوبة الفلسطينية. ففي افتتاحية لـ"معاريف"، الصحيفة الإسرائيلية المعروفة، اقترح صموئيل شنيتزر، وهو صحفي بارز ومؤيد لفكرة "إسرائيل الكبرى"، في الـ29 من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1967، تشجيع تأسيس أسر يهودية كبيرة، بموازاة ابتكار إجراءات لفرض تحديد النسل للفلسطينيين في إسرائيل والأراضي المحتلة، بالإضافة إلى تبني سياسة لتشجيع الفلسطينيين على الهجرة إلى الخارج.

ومنذ حرب حزيران، اعتبر الزعماء الإسرائيليون أن الزيادة الطبيعية للأقلية العربية في إسرائيل، تشكل عائقًا أمام الهجرة اليهودية، وتهديدًا للطابع اليهودي للدولة. في حين عزز انخفاض معدل المواليد اليهود هذا الخوف التقليدي من النمو الطبيعي المرتفع نسبيًا في الأوساط العربية.

صارت هذه المخاوف عائقًا أمام ضم المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في الضفة الغربية وغزة، باعتبار أن هذا الضم سيكون نهاية حلم الدولة اليهودية. ومع ذلك، وحسب مصالحة، فإن ذرائع "التهديد الديموغرافي" التي وضعها حزب العمل الإسرائيلي، عززت من الفكرة القائلة بأن الخيار الأفضل بالنسبة للحركة الصهيونية، كان دائمًا دولة يهودية مع القليل من السكان العرب.

ومع الهوس بالمخاوف الوجودية من تحول الفلسطينيين إلى أغلبية داخل مجمل الأراضي الفلسطينية، اتبعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بالفعل، سياسات عدة من أجل الحد من هذا الاحتمال. كان أهمها دعم تأسيس عائلات كبيرة، وتقديم مكافآت للعائلات التي تنجب أعدادًا أكثر من الأطفال، وكذلك دعم تفرغ قطاعات المتدينين أو الحرديم، الذين يعتبرون الركيزة الأساسية للخصوبة الإسرائيلية، وتعزيز انفصالهم عن المجتمع، الذي يتجسد في عدم الاختلاط وعدم العمل، والتفرغ للعبادة والتعليم، وربما الإنجاب أيضًا.

وفي دولة يعتبرها الإسرائيليون جزءًا من الدول المتطورة في العالم، فإن الخصوبة اليهودية تستمر في الارتفاع بسبب هذه السياسات، حتى تساوت تقريبًا مع الخصوبة الفلسطينية، التي تتناقص، حسب مركز الإحصاء الإسرائيلي.

اقرأ/ي أيضًا: أكثر من مجرد عد.. كيف يصمم الإحصاء المجتمعات البشرية؟

مع ذلك، تثير سياسات الحكومات الإسرائيلية مخاوف حقيقية عند شريحة من علماء الديموغرافيا والبيئة الإسرائيليين، لعدة أسباب. أولًا لأن سياسات التشجيع هذه تنطوي بشكل أساسي على زيادة كبيرة في نسبة المتدينين، الذين يتأثرون أكثر بهذا التشجيع، داخل المجتمع الإسرائيلي. وهي المخاوف التي جعلت أرنون سوفير يعتبر في كتابه بعنوان "إسرائيل ديمغرافيا 2010-2030"، أن إسرائيل تسير "في الطريق نحو دولة دينية".

منذ حرب حزيران، اعتبر الزعماء الإسرائيليون أن الزيادة الطبيعية للأقلية العربية في إسرائيل، تشكل عائقًا أمام الهجرة اليهودية، وتهديدًا للطابع اليهودي للدولة

وهناك مخاوف أيضًا من أن الحكومة خاصة في فترة نتنياهو، تجاهلت ضرورة دمج الحرديم داخل المجتمع الإسرائيلي وسوق العمل، لأنها تعرف أن هذا الدمج وعمل المرأة تحديدًا، سيؤثران بشكل كبير على الخصوبة الكبيرة لهذه المجموعات.

لا يتعلق القلق بسبب هذه السياسات من تحول إسرائيل إلى دولة دينية فقط، ولكن من الكثافة السكانية، التي قد تهدد فكرة إسرائيل كدولة رفاه، وربما كدولة متقدمة على المدى البعيد، كما يوضح ألون تال.

أمام هذه الحجج البيئية والاجتماعية، التي تتعارض مع الهوس بـ"الصراع الديموغرافي" وبضرورة أن يبقى اليهود أغلبية، فإنه يتم قمع أي حديث عن الكثافة السكانية، أو المخاطر البيئية لسياسة تشجيع الإنجاب. فيما تصبح قضية رائجة في الأوساط العلمية في العالم، مثل الكثافة السكانية ومستقبل الموارد الغذائية، واحدة من المحرمات، وقد يُتهم من يتطرق لها بالخيانة، وبمعاداة السامية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إسرائيل كدولة لناس كثيرين ليسوا مواطنيها

علماء آثار يتساءلون عن حقيقة علمانية إسرائيل