05-مايو-2017

بيان البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني أخيرًا في مصر يثر جدلًا واسعًا (الأناضول)

جاءت زيارة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان في أواخر شهر نيسان/ أبريل المنصرم بعد تفجيرات إرهابية طالت الكنائس المصرية في الشهور الأخيرة، كان آخرها تفجير الكنيسة المرقسية بالإسكندرية والذي على إثره طُبّق قانون الطوارئ من جديد، وكانت الزيارة بمثابة دعوة للسلام والمحبة حتى أن الإعلام تناول الأمر من زاوية عنوانها "بابا السلام في مصر السلام".

اتفاق بين البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني يمهد لإنهاء الخلاف بين الكنيستين حول طقوس المعمودية ويثير جدلًا في أوساط الأقباط

يمثل البابا فرنسيس الكنيسة الكاثوليكية وهي الطائفة التي تمثل أقلية مسيحية في مصر، وتوجد خلافات عقائدية بينها وبين طائفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي يتبعها غالبية مسيحيي مصر، ومن بين أبرز هذه الخلافات مسألة "سر المعمودية" حيث لا تعترف كل كنيسة بمعمودية الكنيسة الأخرى ولا يجوز انتقال مسيحي من طائفة إلى أخرى إلا أن يُعاد تعميده من جديد، وهذا الخلاف العقائدي بين الكنيستين يعود إلى القرن الخامس الميلادي ونتج عنه انشقاق في المفاهيم الإيمانية حول طبيعة السيد المسيح واعتماد كل كنيسة منهما معمودية تختلف عن الأخرى في طقوسها، كما لا يجوز الزواج بين الطوائف المختلفة.

اقرأ/ي أيضًا: الفولكلور القبطي.. اضطهاد الكنيسة وتجاهل الباحثين

محاولة لتوحيد الكنيستين وإنهاء الخلاف التاريخي

اعتمد البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية، بيانًا مشتركًا أثناء لقائه بالبابا فرنسيس، جاء فيه "نحن اليوم، البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني، لكي نسعد قلب ربنا يسوع، وكذلك قلوب أبنائنا وبناتنا في الإيمان، فإننا نعلن، وبشكل متبادل، أننا نسعى جاهدين، بضمير صالح، نحو عدم إعادة سر المعمودية الذي تمّ منحه في كل من كنيستينا لأي شخص يريد الانضمام للكنيسة الأخرى".

ويمهّد هذا الاتفاق لإنهاء الخلاف التاريخي بين الكنيستين حول طقوس المعمودية وعدم اعتراف الكنيسة القبطية بمعمودية الكنيسة الكاثوليكية، بالرغم من أن الكاثوليك أصبحوا يعترفون بمعمودية الطوائف الأخرى، ليفتح هذا الاتفاق بابًا أمام من يرغب في التحول من كنيسة إلى أخرى دون أن يُعاد تعميده، وطقوس التعميد في الكنيسة الأرثوذكسية يقوم خلالها الآباء بتغطيس الشخص بشكل كامل داخل إناء مليء بالماء 3 مرات، مرددين الأب والابن والروح القدس، أما الكنيسة الكاثوليكية فتكتفي بسكب الماء على الرأس وهو ما لا تعترف به الكنيسة الأرثوذكسية.

انشقاق بين الأقباط بين الرفض والتأييد

يرفض جزء من الأقباط في مصر قرار البابا تواضروس خاصة أنه لم يفتح حوارًا لاهوتيًا مسبقًا بين الكنيستين حوله بل فاجأ به الجميع

حدث انشقاق في الرأي بين الأقباط ما بين مؤيد بحب ومعارض بعنف لما تضمنه البيان، فذهب البعض إلى دعم البابا تواضروس وقراره بوحدانية المعمودية واعتباره موقفًا تاريخيًا يُسجل له، وذهب الآخرون إلى معارضته واعتبار البيان ينص على تفريط واضح في المفاهيم الإيمانية ويجب الوقوف ضده، واستشهدوا بموقف البابا شنودة الثالث عندما قال "حيثما وُجد الإيمان الواحد، وجدت المعمودية الواحدة، فلذلك تتم إعادة المعمودية للذين يريدون الانضمام لكنيستنا القبطية"، واعترضوا كذلك على عدم إتاحة وقت كافِ لدراسة النقط الخلافية الجوهرية، فالأرثوذكس لديهم خلافات عقائدية قديمة مع الكاثوليك، كإيمانهم بعدم دخول النعيم إلا لطائفتهم وعدم خلاص غير المؤمنين بالمسيح، بينما يؤمن الكاثوليك بما يُسمى "المطهر" حيث يقضي الإنسان فترة من العذاب على قدر أخطائه قبل أن ينتقل إلى النعيم الأبدي، كما يؤمنون بخلاص غير المؤمنين بالمسيح إن كانوا صالحين.

وكان أبرز المعارضين لوحدانية المعمودية الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة بمحافظة المنيا، وأصدر بيانًا بعنوان "معموديات قانونية صحيحة، ومعموديات غير قانونية وغير صحيحة وباطلة" ذكر خلاله أسباب رفضه لوحدانية المعمودية وأن "هناك معموديات صحيحة تلك التي تمسكت بالإيمان الصحيح ولم تنشق عن الكنيسة الجامعة في القرن الخامس، بينما هناك معموديات باطلة التي تمت في كنائس منشقة عن الكنيسة الجامعة ومنها الكنيسة الكاثوليكية".

اقرأ/ي أيضًا: تاريخ الكنيسة والرئاسة المصرية: التاج والسلطان

البابا تواضروس وديكتاتورية القرار

اعترض بعض المسيحيين على ما يمكن وصفه "بديكتاتورية" البابا تواضروس التي خلقت جدالاً بين الأقباط. فلماذا لم يعرف الأقباط شيئًا عن هذا البيان من قبل ولماذا لم يُطرح لجلسات حوار لاهوتي بين الكنيستين بقيادة اللجان المختصة بالمجمع المقدس حتى يتم البت في إمكانية جواز البنود التي ينص عليها، فأحد بنود البيان ينص على تعبير "جسد المسيح السري" وهو تعبير مرفوض لدى الأرثوذكسية، وبسبب هذه الرؤية الضبابية ولدت مجموعة من التساؤلات غير واضحة الإجابة، وكان أبرزها ما يتعلق بمشاكل الزواج بين الكنيستين، فهل يمهد البيان الطريق نحو تسهيل الزواج بين الطائفتين دون أن يضطر أحدهم لتغيير ملته، أم أن أمر الزواج له شروط أخرى تفرضها الكنيسة الأرثوذكسية.

كما يوجد اختلاف في صيغة البيان المنشور، فالكنيسة الكاثوليكية استخدمت لفظ "قررنا" في نص البيان، بينما استبدلت الكنيسة الأرثوذكسية  اللفظ بـ "نسعى"، وهي نقطة محورية أخرى، فهل قررت الكنيسة المصرية بالفعل الاعتراف بمعمودية الكاثوليك، أم أنها مجرد محاولات ومساعِ، ولا يظل الأمر مسألة مطروحة للنقاش وجس النبض لدى الأقباط لمعرفة مدى قبول الفكرة لديهم، ويمكن التراجع عن القرار في أي لحظة.

اقرأ/ي أيضًا: 

من فجر الكنيسة البطرسية؟.. سؤال وثلاث إجابات

ضد الكنيسة.. مصر تسمح بطلاق الأقباط؟