31-أغسطس-2016

امرأة تونيسية ترتدي البوركينى بجانب أخرى ترتدى المايوه

كم مسلمة لبست البوركيني في الشواطئ الفرنسية، حتى يجعل نيكولا ساركوزي تعديل الدستور بما يسمح بمنع الظاهرة، ضمن أولوياته في حالة عودته إلى قصر الإليزيه بعد تسعة أشهر؟ قبلها قال غريمه اليساري فرانسوا هولاند إنه سيعمل على تغيير الدستور بما يسمح للحكومة بطرد كلّ مهاجر يهدّد الأمن العام. فهل بات الدستور الفرنسي، منديلًا يمسح به كل من اتسخت يداه؟

هناك حاضنة شعبية للتطرّف الإسلامي، تمتاز بالأمية والفقر والسخط على وضعها العام، فكانت الثمرة تقتيلَ الأجانب والمخالفين دينيًا، وحاضنة شعبية متعلّمة في الغرب، فخُفّفت الثمرة إلى رفض دخول مهاجرين جدد

صحيح أن تعديلاتٍ كثيرة مست الدستور الفرنسي، الذي ظهر بظهور الجمهورية الخامسة عام 1958، وأقرّ عبارة "حرية-مساواة-إخاء" شعارًا رسميًا للدولة، امتدادًا لإعلان 1789، لكن دواعي تلك التعديلات كانت تصبّ في خانة التكيّف لا في خانة التخلّص، بما يؤشر على تراجع حاد عن مبادئ الثورة الفرنسية، ورصيد البلاد في استيعاب "مواطنيها"، الذين فرضتهم علاقاتها التاريخية بمستعمراتها السابقة.

هنا يصبح هذا السؤال مبرّرًا: ما الفرق بين التطرّف المتقنّع بالدّين في الفضاء الإسلامي، والتطرّف المتقنّع بحماية الخصوصية الوطنية في الفضاء الغربي؟ مع مراعاة إمكانية سيطرة ثلاث واجهات رافضة للآخر، في ثلاث دول محورية بعد شهور قليلة جدًّا، نيكولا ساركوزي في فرنسا وحزب "البديل"، الذي أصبح القوة السياسية الثالثة في ألمانيا، ودونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية؟

أرى أنه من الفروق القليلة بينهما، أن هناك حاضنة شعبية للتطرّف الإسلامي، تمتاز بالأمية والفقر والسخط على وضعها العام، فكانت الثمرة تقتيلَ الأجانب والمخالفين دينيًا، وحاضنة شعبية متعلّمة في الغرب، فخُفّفت الثمرة إلى رفض دخول مهاجرين جدد، ومنع الذين دخلوا سابقًا من ممارسة حرياتهم الشخصية.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلام الفرنسي وموقفه من ارتداء البوركيني

وقد لعب هذا المعطى، دورًا حاسمًا في جعل بعض المهاجرين، سواء كانوا طارئين أو قدماء، يشعرون بالحصار والتعسف داخل الفضاء الغربي، الذي قصدوه أصلًا هروبًا من مفردات الحصار والتعسّف في بلدانهم الأصلية، مدفوعين ببريق قيمه الداعية إلى "الحرية والمساواة والإخاء"، مما برمجهم عفويًا على النكوص فكريًا، والانتماء إلى الجغرافيا الأصل، وتبنّي أفكار ما ينتشر فيها من تنظيمات تؤمن بالعنف في حق الأنظمة والأفراد، فلم يتوانوا في أن يكونوا سفراءَ لها داخل الجغرافيات المستقبلة.

إن الغفلة عن معطى التعسفات المسلّطة على المهاجرين في "أوروبا والدول المتطورة" بعبارة عادل إمام في فيلم "الإرهاب والكباب"، في معرض رصد أسباب تواجد خلايا داعشية فيها، والاكتفاء بتشديد الإجراءات الأمنية، منها الطرد بعد التجريد من الجنسية، مثلما دعا إليه مشروع التعديل الدستوري الفرنسي مطلع العام الجاري، ما هو إلا بنزين إضافي لنار أشعلها هشيم ما كان ليسمح بوجوده أصلًا.

ثم لماذا تحمّست الدول الغربية في إرسال طائراتها وجنودها إلى بقع التوتر في الفضاء العربي والإسلامي، بحجة حماية أمنها القومي، ولم تبدِ أيَّ حماس لمساندة المشاريع الحداثية والتنويرية، التي أطلقت في هذا الفضاء على مدار القرن العشرين؟ وقد باء معظمها بالفشل في صناعة وعي جديد، يؤمن بقيم التعدّد والديمقراطية والاختلاف، فكان من ثمار ذلك ظهور داعش وشقيقاتها؟ واقعة في تناقض صارخ، فهي تحارب قيم التطرف من جهة، وتتخاذل في رفد الخلايا الحداثية من جهة ثانية.

متى يعترف الغرب الحضاري، بأن رغبته في أن تبدو إسرائيل الحداثة والديمقراطية الوحيدتين في الشرق الأوسط، بما يعطيها شرعية لاحتلال الإنسان والمكان، كان الخلفية الأولى، التي حملته على خذلان مشاريع الحداثة العربية والإسلامية، هذا إذا لم يساهم، بطرق مباشرة، في إجهاضها وتسويد يوميات فاعليها، لصالح أنظمة قمعية ترى في تحديث وعي شعوبها خطرًا على مستقبلها؟

اقرأ/ي أيضًا:
فرنسا خائفة.. من "البوركيني"!
عن أحجبة الاستهلاك وطبائع الاستملاك