05-أكتوبر-2017

خليفة حفتر ومحمد بن زايد في أبوظبي (WAM)

نشر الموقع الفرنسي الاستقصائي "ميديابارت" بالاشتراك مع وسائل إعلام دولية، سلسلة من التقارير حول تجاوزات المدّعي العامّ السابق للمحكمة الجنائية الدولية، الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو، انطلاقًا من 40 ألف وثيقة مسرّبة تحصّل عليها الموقع الفرنسي.

ومن بين التقارير المنشورة ما يكشف عن تعاقد رجل الأعمال الليبي حسن طاطاناكي، الموالي لخليفة حفتر والقريب من الأجهزة الاستخبارية المصرية والإماراتية، مع المدّعي السابق الأرجنتيني بصفته مستشارًا قانونيًا، وذلك من أجل إيجاد استراتيجية وخطة لهروب حفتر وحلفائه من ملاحقة المحكمة الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.

تعاقد رجل أعمال ليبي موالي لحفتر مع المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية لوضع خطة تأمين لحفتر من ملاحقة محكمة الجنايات

مستشار قانوني من أجل الإفلات من العقاب؟

لويس أوكامبو الذي يعمل اليوم لتحصين مجرمي الحرب، هو نفسه الذي أصدر حين كان مدعيًا عامًا للمحكمة الجنائية سنة 2011، ثلاثة أوامر اعتقال لكلّ من زعيم نظام الليبي السابق معمر القذافي وابنه سيف الإسلام ورئيس جهاز المخابرات الحربية عبد الله السنوسي. وحينما غادر المدّعي الأرجنتيني لويس أوكامبو منصبه منتصف 2012، لم تستطع المحكمة الجنائية محاكمة أي منهم، فالقذافي الأب قتل، والابن ظلّ بيد المجموعات المسلّحة، أما الثالث وبعد تسليم موريتانيا له تجري محاكمته لدى القضاء الليبي المحلّي.

اقرأ/ي أيضًا: تورط أبوظبي في الإفراج عن سيف الإسلام القذافي.. دلائل ومؤشرات

بعد سنوات قليلة من مغادرته لكرسي الادعاء العامّ وتحديدًا في نيسان/أبريل 2015، أصبح لويس أوكامبو مستشارًا قانونيًا لمؤسسة "جاستس فيرست"، التي تزعم استهدافها نشر قيم السلام والمصالحة والعدالة، لكنها مرتبطة بجمعية "ليبيا الحرّة الخيرية" التي يملكها رجل الأعمال حسن طاطناكي وهو من أكبر الداعمين الماليين والاعلاميين لمعسكر حفتر.

ينشط حسن طاطناكي وهو رجل الأعمال المعروف في مجالات النفط والمقاولات، وكان شريكًا لسيف الإسلام قبل اندلاع الثورة، وانخرط بعد الثورة في عداء هستيري للإسلاميين حتى تمنى أن يراهم محظورين من العمل كما هو حالهم في مصر، وأنشأ قناة "ليبيا أولًا" التي تقود إلى جانب وسائل أخرى الكتيبة الإعلامية لحفتر. وتكشف الوثائق المسرّية أن أوكامبو عمل لصالح حسن طاطاناكي بموجب عقد مدته ثلاث سنوات، براتب مليون دولار سنويًّا، إضافة إلى راتب يومي قيمته خمسة آلاف دولار، وذلك لمساعدته في الترويج لمبادرته "العدالة أولًا" التي تزعم أيضًا أن هدفها "إحلال السلام في ليبيا"، وعلى أرض الواقع هي "إفلات مجرمي الحرب في ليبيا من العقاب".

وجاء في الوثائق المسرّبة التي عمل عليها موقع ميديا بارت، أن لويس أوكامبو عمد إلى حماية موكله وأصدقائه ضد محاكمتهم أمام الجنائية الدولية. وتكشف إحدى الوثائق عن تصريحات لأحد قيادات القوات الجوية الليبية على قناة تلفزيونية يملكها حسن طاطاناكي، في آيار/مايو 2015، تعهد فيها "بقتل أي شخص يرفض الانضمام لحملته العسكرية"، مضيفًا: "هؤلاء خونة، يجب ذبحهم، واغتصاب نسائهم أمام أعينهم". وذكرت الوثيقة أن لويس أوكامبو بعد اطلاعه على هذا التصريح، أرسل بريدًا إلكترونيًا إلى أحد مساعدي حسن طاطاناكي دعا فيها إلى اعتماد استراتيجية تعزل رجل الأعمال الليبي عن مثل هذه الأقوال.

وفعلًا بعد أيام، قُدّمت خطة عمل من أجل "تأمين ألا يكون حسن طاطاناكي والقوات التي يدعمها في مرمى اتهام المحكمة الجنائية الدولية"، هكذا كتب لويس أوكامبو بنفسه.

رسالة توضح خطة عمل أوكامبو لتأميل طاطاناكي من المساءلة أمام محكمة الجنايات الدولية
رسالة توضح خطة عمل أوكامبو لتأمين حسن طاطاناكي من المساءلة أمام محكمة الجنايات الدولية

لا يقتصر الأمر على حماية حريف بل لحماية قوات مشتبه في قيامها بجرائم حرب. وفي إطار هذه الخدمات، توسّط المدعي السابق لعقد لقاء بين حريفه حسن طاطناكي وجنيفر شينس، وهي مسؤولة التعاون في مكتب المدّعي العام للمحكمة الجنائية في لاهاي، وذلك يوم 13 حزيران/يونيو 2015، إلا أن الأنكى هو إعلام مسؤولة التعاون في المحكمة لمساعدة لويس أوكامبو لاحقًا، بأن مكتب المدعي العام في طرابلس، أعد قائمة سريّة حول المتهمين المحتملين يظهر ضمنها اسم خليفة حفتر، بل وبعد أيام تمّ إعلام لويس أوكامبو أنه يوجد مقطع فيديو يوثّق انتهاكات جرائم الحرب. وهي معلومات غاية في السريّة تطرح السؤال حول مدى اختراق محكمة الجنايات الدولية وتقاعسها في تتبع مجرمي الحرب في ليبيا.

التمييز بين مجرمي الحرب المحتملين

وتؤكد الوثائق المسرّبة التمييز بين تتبّع مجرمي الحرب، وإلا كيف ينخرط مدّع عامّ وإن كان سابقًا، في جهود لمساعدة مجرم حرب محتمل من الإفلات من العقاب مقابل قيامه بجهود لإثبات وجود انتهاكات في حق آخرين هم خصوم حريفه؟ إذ لا يقف الأمر بالنسبة للمدعي الأرجنتيني لويس أوكامبو عند مساعدة حسن طاطاناكي والقادة العسكريين في شرق ليبيا للهرب من التتبعات الدولية، لكنه عمل أيضًا على إعداد ملفات لحساب المعسكر الليبي الشرقي لاتهام خصومهم في المنطقة الغربية بالتورط في جرائم حرب، يعني قلب الاتهام ببساطة.

لم تقتصر جهود أوكامبو على تأمين طاطاناكي وحفتر من المساءلة القانونية وإنما أيضًا إعداد ملفات لاتهام خصومهما بالتورط في جرائم حرب

وأعد فريق لويس أوكامبو قائمة بأسماء "الأعداء"، والعدو في معسكر حسن طاطانكي هو كل إسلامي وبالنسبة إليه كل إسلامي هو إرهابي بالضرورة، أو هكذا يُروّج. وبدأت التحقيقات الخاصة لهذا الفريق حول علاقات محتملة بين السلطات المسيطرة في طربلس والمجموعات المقاتلة في بنغازي، بل وعقد الفريق المحقق اتفاقًا مع وزارة العدل في الحكومة المؤقتة المتمركزة في الشرق لتتبع من أسموهم بـ"مجرمي الحرب". وطبعًا الحديث هنا عن الخصوم السياسيين أكثر من كونه عن أشخاص يُحتمل تورطهم في جرائم حرب، وإلا كان حفتر على رأسهم.

اقرأ/ي أيضًا: رجل المخابرات الأمريكية الذي يسبب صداعًا لأمريكا

وبمواجهته بمثل هذه الحقائق يوم 25 أيلول/سبتمبر الماضي، نفى لويس أوكامبو للموقع الاستقصائي الفرنسي وجود أي علاقة مع مسؤول بالمحكمة الجنائية، كما نفى علاقته بمؤسسة "جاستس فيرست"، معتبرًا رجل الاعمال الليبي حسن طاطاناكي أحد حرفائه. وحين سؤاله حول حصوله على أموال مقابل دفع اتهامات لمجرمي حرب محتملين، نفى المدعي العام السابق ذلك مشيرًا إلى أنه نصح حريفه بإيقاف تعاونه مع المشير خليفة حفتر!

ولكن هل اقتصر دور المدعي العام السابق على هذه المهام؟ يبدو أن الوثائق المسرّبة تكشف ما هو أكثر خطورة، بما يطرح السؤال اليوم حول مصداقية الشخصيات التي تتولى قيادة المؤسسات الدولية وتحديدًا القضائية منها، ومدى ارتهانهم السرّي لأجندات ضيقة تغلب فيها المصالح المالية الشخصية على أي مصلحة أخرى.

وبالعودة للوثائق، ينكشف انخراط لويس أوكامبو في جهود تأثير سياسي بهدف إدراج خصوم حسن طاطناكي على قائمات العقوبات الأممية، حيث قام المدعي العام السابق بلقاءات مع شخصيات رفيعة في نيويورك لتحقيق غرضه. ويبدو أن الناطق الرسمي الحالي للمحكمة الجنائية الدولية فلورنس ألورا، وهو مقرّب من أوكامبو، قام بتحرير رسائل موجّهة للشبكات الاجتماعية وذلك لحساب مؤسسة "جاستيس فيرست" وفق ما كشفته الوثائق المسرّبة.

أوكامبو متورط في جهود تأثير سياسية بهدف إدراج خصوم طاطاناكي وحفتر على قوائم العقوبات الدولية (ماريو تاما/ Getty)
لويس أوكامبو متورط في جهود تأثير سياسية بهدف إدراج خصوم وحفتر على قوائم العقوبات الدولية (ماريو تاما/ Getty)

تأثير لوبيات المال داخل ليبيا.. من الإمارات لحسن طاطاناكي

تكشف الوثائق المسرّبة للويس مورينو أوكامبو، الذي شغل كرسي الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية لمدة تسع سنوات، عن مدى الاختراق الذي حقّقته لوبيات المال والأعمال، حتى بات المدعي الأرجنتيني يقدّم خدمات تخالف منصبه الاعتباري وموقعه على الساحة الدولية مقابل أموال وامتيازات ضخمة. كما تؤكد دور رجال الأعمال النافذين الداعمين لحفتر من أجل ضمان عدم محاسبته.

وتذكّر هذه التسريبات بما أثبتته تسريبات سابقة للإيميلات السّرية من المبعوث الأممي الأسبق في ليبيا برناردينو ليون، عن جهود للإمارات بهدف استمالته لطرف دون آخر في الساحة الليبية، وذلك في شكل رشوى مقنّعة عبر توظيفه لاحقًا كمدير لمؤسسة الأكاديمية الدبلوماسية في أبوظبي، براتب 30 ألف يورو، وأجاب حينها ليون ردًا على ذلك: "أريد أن أضمن مستقبلي".

ويبدو أنه نفس التبرير الذي يقدمه الآن لويس أوكامبو بحجة أن راتبه لا يكفي، وهو الذي كشفت ذات التسريبات الأخيرة أنه أنشأ حسابات بنكية خاصة، بينما لا يزال يشغل منصب المدعي العام، وأقام شركات في جزر الجنان الضريبية.

قصة أوكامبو شبيهة بقصة ليون المبعوث الأممي السابق في ليبيا، الذي رشته الإمارات بوظيفة في أبوظبي نظير ألف يورو يوميًا

ويظل السّؤال اليوم حول مدى حياد ونزاهة الشخصيات التي تتولّى اليوم قيادة المؤسسات الدولية وإدارة الملفات الحارقة ومنها الملفّ الليبي الذي يبدو أن القوى المحليّة والإقليمية وعلى رأسها الإمارات تقود جبهة خفيّة قوامها المال السخيّ من أجل فرض أجنداتها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دولة الانتهاكات.. تقرير أممي يفضح تورط الإمارات في أنشطة عسكرية غير مشروعة

هل تنجح خارطة طريق غسان سلامة في حلّ الأزمة الليبية؟