27-يناير-2017

الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك (خالد دسوقي/أ.ف.ب/Getty)

قبل أن يدخل دونالد ترامب البيت الأبيض بقليل، كشفت المخابرات الأمريكية "سي آي ايه" عن جانب من مذكراتها السرية، عبر الوثائق التي أفرجت عنها مؤخرًا وتحوي تفاصيل جديدة بشأن الشرق الأوسط، وعملياتها في العالم. 12 مليون وثيقة مسرَّبة تخص كل بقاع الأرض، أخذنا منها ما يخصنا، ففي مصر حصرت الوثائق معلومات ترتقي لدرجة سري جدًا فيما يخصّ الإخوان، والثورة والجيش، وهنا عرض سريع لما ضمته الوثائق الأمريكية عن ثورة الخامس والعشرين من يناير.

وفق تقارير المخابرات الأمريكية، فإن سياسة العصا والجزرة هي التي كان يتعامل بها مبارك مع معارضته، وتهدف إلى إحداث انقسام في صفوفهم

1. العصا والجزرة.. مبارك والمعارضة

وفق تقارير المخابرات الأمريكية، فإن ما يسمّى بسياسة العصا والجزرة هي التي كان يتعامل بها مبارك مع معارضته، وتهدف إلى إحداث انقسام في صفوف المعارضة، التي تبدي نجاحًا في مظاهرة أو احتجاج أو دعوى قضائية أو كسبت شريحة من الشعب، فكان يقابل قدرة الجماعات الدينية على زيادة أعدادها وتجنيد شباب جدد للعمل لحسابها بعناصر معارضة أكثر يسارية واعتدالًا لعَمل حالة من التوازن.  

اقرأ/ي أيضًا: هل تذهب تيران وصنافير إلى التحكيم الدولي؟

كان مبارك يتسامح دائمًا، وفقًا لما رصدته السفارة الأمريكية، مع عناصر المعارضة غير المحرّضة على العنف، لتحقيق وتعزيز الديمقراطية وفي الوقت نفسه الحفاظ على الدعاية ضد القوى الدينية، مثل الإخوان. وكان "اغتيال السادات" يمثل لمبارك رعبًا من الجماعات الدينية.

وتفسّر وثائق المخابرات موافقة مبارك على مشاركة الإخوان في انتخابات 2005 و2010، وحصولها على نسبة لا يستهان بها من المقاعد: "كان يرغب في انخراط رجال الدين في حوار مفتوح لمناقشة القضايا أملًا في أن يتم رفض رؤيتهم، أو النظر إليها من قبل المصريين على أنها مبالغ فيها، ومن هنا تبدأ رحلة سقوطهم بفقدان الغطاء الشعبي لهم". لكنه، رغم ذلك، وظّف جهازًا أمنيًا لتتبع أنشطة الجماعة كان أحد أسباب قيام ثورة يناير.

2. مبارك كان صيدًا لليسار والإسلاميين

ورغم أنّ مبارك صنع شريحة واسعة من المعارضة اليسارية في مصر، المحسوبة على صحف تابعة لأحزاب تاريخية، تناولت وثائق المخابرات الأمريكية التهديدات التي كانت تقابل النظام المصري، مؤكدّة أن "اليسار كان معارضة شرسة" أكثر من الإسلاميين. لماذا؟

فسّرت الوثائق ذلك بأنّ "الجماعات الإسلامية تتفاوض، ويمكن أن تشارك في صفقات، لكن اليسار لم يكن يفاوض، وكان يعمل دون ترتيب أو روابط بين أجنحته".

وذكرت التقارير الأمريكية أن "مبارك، وغيره من كبار القادة إلى جانب بعض من المسؤولين والمرافق الأمريكية والإسرائيلية، كانوا عرضة لأعمال العنف من قبل مجموعات صغيرة، منظمة، وممولة بشكل كبير، سواء تابعة لليمين الأصولي الإسلامي أو لليسار الراديكالي".

وتضع الوثيقة تقدير موقف يقول إن "اتباع مبارك لمنهج اللين والمرن، في تعامله مع المعارضة، أثبت نجاحًا معتدلاً، ولكن على الناحية الأخرى لم يتمكن من القضاء على المخاطر".

3. سب وقذف للبيت الأبيض

لم تتوقف ضغوط البيت الأبيض على مبارك يومًا واحدًا لتخفيف حدة النقد الموجّه للسياسة الأمريكية في صحف القاهرة، كما رصدت وثائق المخابرات الأمريكية. كان أغلب النقد الموجه لأمريكا من صحف اليسار، الأهالي والوفد وصوت الأمة، ولذلك حين ظهرت صحيفة نهضة مصر، التي رأس مجلس إدارتها عماد أديب، قيل إنها ذراع أمريكا الإعلامية في مصر، وصنع ذلك "توترًا" بين النظامين المصري والأمريكي.. صنع جانبًا من القسوة في العلاقة قبل وخلال "25 يناير".

وقالت الوثائق: "القيادات المصرية تظهر معيارًا مزدوجًا من خلال التشجيع الأمريكي على حرية الصحافة، وفي الوقت نفسه، الطلبات المتوالية بالسيطرة على مهاجمة سياسات أمريكا وإسرائيل في صحف القاهرة".

وبرّرت ما سمته بـ"صمت مصر على هجمات الصحافة المصرية" بأنّ "مبارك كان يرى أن أمريكا لا تبذل أي جهود لتخفيف الحملة العدائية ضد مصر في صحف إسرائيل أو صحف واشنطن".

وأشار تقرير المخابرات، المرفوع إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش، إلى أنّ بنية الصحافة المصرية في مجملها حكومية.. بدأت من بين يديْ جمال عبد الناصر، الذي منح الكتاب والصحفيين اليساريين أعلى المناصب، وموّل لهم عددًا ضخمًا من المؤسسات مثل وكالة أنباء الشرق الأوسط، والأهرام، وعلى رأسهم محمد حسنين هيكل، الذي كان أقرب مستشاريه، ومن يومها والصحافة المصرية خاضعة لليسار بشكل مباشر، ولا تستأنس السياسات الأمريكية رغم محاولات أنور السادات تغييرها.

اقرأ/ي أيضًا: 25 يناير..حماية الارتجال بعيدًا عن العاطفية

4. اجتماعات "الباز وصفوت" برؤساء التحرير

ذكر التقرير، المسرّب ضمن وثائق المخابرات الأمريكية، أن الرئيس الأسبق مبارك، وعائلته كانوا محرَّمين على الإعلام منذ توليه الحكم عام 1981 وحتى رحيله.

ووفقًأ لمصادر بالسفارة الأمريكية في القاهرة، فإن مبارك كان يصرخ بالصحفيين، ويحرّض عليهم رجاله، إلا أنهم، في كل الأحوال، كانوا مستمرين في الكتابة والهجوم، طالما أنها بعيدة عنه وعن زوجته ونجليه، وحالة الصمت ساهمت في الغضب، الذي أدّى إلى الثورة عام 2011.

وأشار التقرير إلى أنّ الحكومة المصرية تخلت عن بعض القيود لتصبح أكثر ديمقراطية، وتضمنت هامش حرية للصحافة، إلا أن الحزب الوطني الحاكم كان يدعم صحفًا مقابل عدم نشر ما يمسّ الرئيس الأسبق. ورصدت السفارة الأمريكية أنّ أسامة الباز، الذي كان مستشارًا سياسيًا لمبارك، وصفوت شريف، وزير الإعلام الأسبق، كانا يجتمعان أسبوعيًا بمجموعة من رؤساء تحرير الصحف سرًا.

يمنح المسؤولان البارزان في عهد مبارك لرؤساء تحرير الصحف فرصة أكبر لفهم الرئيس، وما يعمل عليه، وخطوط عريضة في تفكيره، وبعض الاجتماعات كانت تتضمّن نقدًا لاذعًا للحكومة المصرية من قبل المحررين، الذين وصفتهم التقارير بـ"من أجبروا على دعم النظام المصري تحت ضغط".

ولخَّصت التقارير الضغوط التاريخية على الصحفيين في المنع من الكتابة، وهو ما عانى منه الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، حيث منع كتابه خريف الغضب من النشر في عهد السادات، ومنع يوسف إدريس من الكتابة في الأهرام، وتمّت الإطاحة بعدد كبير من الصحفيين في عصر مبارك.

وفقًا لتقارير المخابرات الأمريكية، كانت هناك جملة تسري في دوائر حكم مبارك، وهي أن "الإصلاح الاقتصادي نوع من الانتحار السياسي"

5. الإصلاح الاقتصادي.. انتحار سياسي

"لا بد أن تفعل الحكومة المصرية شيئًا لحل المشكلات الاقتصادية"، هذه الكلمة رصدتها السفارة الأمريكية بالقاهرة على كل لسان، فتصدَّرت تقريرها بشأن الإصلاح الاقتصادي في مصر. وقالت: "ينفذ الصبر عندما لا تستطيع الحكومة وضع أي حلول سريعة وجذرية".

وكان، بالنسبة إلى الجميع، وقوع احتجاجات أمرًا محتملًا، والاحتقان الشعبي شيء حتمي، لكن نظام مبارك في كل الأحداث كان على وعي كبير بالمخاطر والمؤامرات التي تحاك ضده، لذلك فشل في خطوة إعادة توجيه الاقتصاد المصري لأن، وفقًا للتقرير، كانت هناك جملة تسري في دوائر الحكم بالقاهرة، وهي أن "الإصلاح الاقتصادي نوع من الانتحار السياسي".

وتؤكد المخابرات الأمريكية في وثائقها أن مكانة مبارك تحسنت بعد رحلته إلى الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وقدمت السفارة الأمريكية في القاهرة تقارير تدل على رد الفعل الإيجابي بين المصريين المطلعين بشكل عام داخل وخارج البلاد على حد سواء، الذين يرون الآن أن مبارك قام بتأسيس وترسيخ أوراق اعتماد إدارته للسياسة الخارجية وفَّرت "بحبوحة اقتصادية" قبل ثورة يناير مباشرة.

اقرأ/ي أيضًا: 

حتى إشعار آخر..تيران وصنافير مصريتان