وثائق الأرشيف الفرنسي تفتح الطريق أمام اتفاق حدودي بين لبنان وسوريا
12 مايو 2025
قدّمت فرنسا مساهمة مهمّة لكل من سوريا ولبنان، من خلال تسليم البلدين وثائق وخرائط من الأرشيف الفرنسي، حول الحدود اللبنانية السورية.
جاءت هذه الخطوة المهمة استجابة لطلب الرئيس اللبناني جوزاف عون من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته لقصر الإليزيه، في 15 أذار/مارس الماضي. وفي المكان نفسه، وعلى مسمع الرئيس السوري أحمد الشرع، اختار الرئيس الفرنسي فتح الأرشيف والإعلان عن استعداده لقيادة مفاوضات بين دمشق وبيروت من أجل ترسيم الحدود للمرة الأولى منذ استقلال البلدين.
بين الإنتداب والاستقلال
تكتسب هذه الوثائق الفرنسية أهمية بالغة، لا سيما من الناحية التقنية. فهي تعود إلى عهد الإنتداب الفرنسي على سوريا ولبنان بين عامي 1918 و1943، والإنتقال من سلطة السلطنة العثمانية إلى حقبة الاستقلال في كلا البلدين.
فباريس تُعتبَر الوصيّة على هذه الحدود، والعرّاب الأول لها، مع إعلان قيام دولة لبنان الكبير في أيلول/سبتمبر 1920، بعد ضمّ الأقضية الأربعة إليه وجعل سلسلة جبال لبنان الشرقية حدودًا له مع بلاد الشام.
تكتسب هذه الوثائق الفرنسية أهمية بالغة، لا سيما من الناحية التقنية. فهي تعود إلى عهد الإنتداب الفرنسي على سوريا ولبنان بين عامي 1918 و1943، والإنتقال من سلطة السلطنة العثمانية إلى حقبة الاستقلال في كلا البلدين
حضانة دولية
وأما الأهم في المبادرة الفرنسية، انها تأتي استكمالًا للاحتضان العربي والدولي للبنان، ومواكبة للمرحلة الجديدة التي بدأت مطلع العام 2025 مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، والتعهّد بتنفيذ كل الإصلاحات الاقتصادية كما بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها.
ويشكّل الاعلان الفرنسي امتدادًا للقاء الذي جمع وزيري دفاع لبنان وسوريا في جدة، والتي تبعها زيارة رئيس الحكومة نواف سلام إلى دمشق، والاعلان بعد لقاء الشرع عن تشكيل لجنة متخصصة مهمتها متابعة مسألة ترسيم الحدود.
وتؤكد معلومات لـ"الترا صوت" أن هذه اللجنة ستباشر العمل في وقت قريب جدًا، مستفيدة من الأجواء الدولية الحاضنة، كما المستندات الفرنسية، للإنتقال إلى مرحلة عملية جدية وإطلاق محادثات رسمية تسفر في نهاية المطاف عن اتفاق تاريخي مرتقب بين البلدين.
دفع غير مسبوق
علّق الكاتب المتخصّص بالشؤون الأمنية والقضائية يوسف دياب على هذه المستجدات بالقول: "إنها المرة الأولى التي يكون فيها البحث بموضوع ترسيم الحدود اللبنانية السورية بهذه الجدية. ففي عهد نظام الأسد كان ممنوع بحث هذا الملف، ولبنان كان بنظره محافظة سورية وغير قابل للانسلاخ عن سوريا حتى ولو كان التعاطي معه يحصل بالشكل كدولة مستقلة"، مستطرداً "الدليل أن سوريا لم تعطِ أي مستند يؤكد لبنانية مزارع شبعا من عدمها".
وقال دياب، في حديث لـ"الترا صوت": "مع الدولة السورية الجديدة، ومحاولة تصفير مشاكلها مع دول الجوار ومن بينها لبنان، أصبح الموضوع جدي أكثر من أي وقت مضى. ودخول فرنسا على الخط عبر الرئيس ماكرون، عامل ايجابي جدًا بالنسبة لموضوع ترسيم الحدود، لأنه لا يمكن إنهاء المشاكل مع دولة مجاورة وترك الحدود متفلّتة ومن دون رقابة".
وأشار إلى أن "الدور الفرنسي أعطى دفعًا غير مسبوق لموضوع ترسيم الحدود، البرية والبحرية، لأن للبنان مصالح اقتصادية في الحدود البحرية مع سوريا، ويجب بحث هذه المسألة بطريقة نهائية وحاسمة".
وأضاف "لذلك أعتقد أن اليوم هناك دفع دولي لالتقاء الرؤية اللبنانية السورية على موضوع ترسيم الحدود وتقاطع المصالح بين البلدين وضبط الحدود ومنع التفلّت والتهريب ودخول الأشخاص بطريقة مشبوهة. وسوريا اليوم تتشدد بالدخول الى أراضيها اكثر من تشدّد لبنان بدخول السوريين".
وكشف دياب أن "الترسيم سيحصل بمواكبة دولية وخصوصًا من فرنسا التي سلّمت خرائط ومستندات حدودية، ما يخفف الكثير من المشاكل بين البلدين عندما تبدأ بالفعل عملية البحث بالترسيم بشكل جدي وسريع".
مفاوضات معقّدة
لن تكون المهمة سهلة، فالمفاوضات معقّدة لأكثر من سبب. ويمكن الحديث عن ثلاثة مستويات من المباحثات الحدودية.
يتعلق المستوى الأول بمزارع شبعا، التي طالب لبنان على مدى عقود بأن تعترف سوريا بلبنانيتها، غير أن أي تأكيد رسمي من الجانب السوري لم يصدر، فبقيت هوية المزارع معلّقة. ولا يبدو الانسحاب الإسرائيلي منها واردًا، بعدما حوّلتها إسرائيل إلى وجهة سياحية واستثمارية، مستفيدة بالدرجة الأولى من ثرواتها الطبيعية، وعلى رأسها المياه.
ويتناول المستوى الثاني الحدود البحرية بين لبنان وسوريا، حيث يزداد الأمر تعقيدًا بفعل تداخل العامل التركي واليوناني والقبرصي، فضلًا عن الأزمات التاريخية بين هذه الأطراف، والتي من المرجّح أن تُلقي بثقلها على مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الشمالية للبنان.
أما المستوى الثالث، والذي سيكون موضع بحث سريع وطارئ، فيشمل النقاط الواقعة على الحدود الشرقية والشمالية، في منطقتي البقاع وعكار، وهي حدود تشهد تفلّتًا أمنيًا، وعمليات تهريب ودخول غير شرعي، إضافة إلى توتر أمني متكرر في الأشهر الماضية.
ضبط ورقابة
ستركّز المباحثات على نقاط أساسية بالتزامن مع ترسيم الحدود، لا سيما حصر المعابر ومنع كل عمليات الانتقال غير الشرعية عبر طرفي الحدود، ومنع كل عمليات التهريب من بضائع وسلع وطبعاً المخدرات والسلاح.
ويشار الى التداول بطروحات كثيرة منها زيادة عدد أبراج المراقبة على طول الحدود، أو مساعدة قوات دولية في عملية الترسيم.
المؤكد أن لبنان وسوريا يخطيان بجدية هذه المرة، وربما يكون هكذا اتفاق بين البلدين بات قاب قوسين أو أدنى.