06-يناير-2023
والاس ستيفنز

الشاعر والاس ستيفنز

1

الاستلقاءُ الغَفِلُ في رداءِ النومِ الخفيف،

مع قهوةٍ متأخرةٍ وبرتقالٍ

على كرسيٍ في الشمسْ،

وببغاءٍ خضراءَ حرةٍ

فوقَ البساطْ،

يمتزجُ كل هذا معًا

ليبددَ سكوْنَ قربانٍ غابرْ.

تحلمُ قليلًا،

تشعرُ بتمددِ عتمةِ تلك الكارثةِ القديمة،

مثل السكونِ

يَقْتِمُ في الضوءِ المنعكسِ على المياهْ.

البرتقالُ الطَعِمُ

والأجنحةُ المُشرِقَةُ الخضراءَ

تبدو كأشياءَ تسيرُ في زِيَاحْ،

تتعرَّجُ في مياهٍ متسعةٍ

دونَ صوتْ.

النهارُ كالمياهِ المتسعةِ

دونَ صوتٍ

ساكنٌ

حينَ عَبَرَتْ قدمَيْها الحالمتينِ البحارَ

إلى فلسطينَ الصامتةْ،

ملكوتُ الدمِ والقبرِ المقدسْ.

 

2

ولِمَ عليها أن تُفْضِلَ على الميتِ بسَكينَتِها؟

ما هذا المقدسُ الذي لا يَحضرُ

إلا ظلالًا صامتةً وفي الرؤىْ؟

ألا يُمكِنُها أن تَنْعَمَ بالسَكينةِ في الشمس،

في طَعَامة الفاكهةِ

والأجنحةِ المشرقةِ الخضراءَ

أو في أيِ بَلْسَمٍ أو بَديعٍ في الأرضْ،

أشياء تُعَزُّ كما السماء؟

للمُقدسِ أن يَعيشَ داخلَ روحِها:

شغفًا بالمطر،

أمزجةً للثلجِ المتساقط؛

حزنًا في الوحدةِ الموحشةِ

أو زهوًا منتشيًا عندما تُزْهِرُ الغابة؛

أحاسيسٌ صاخبةٌ

على دروبٍ رطبةٍ

في ليالٍ خريفيةْ؛

كلُ الملذاتِ والمشقاتِ

في استذكارِ فروعِ الشجرِ في الصيفِ

وغصونِ الشتاءْ.

تلك هي أقدارُ روحِها.

 

3

جوبيتر ولدَ في السحابِ

بغيرِ مخاضِ البشرْ.

لم تُرْضِعْهُ أم،

ولا أرض خصبة

حَمَلَتْ نَبَضَ استِقاْمةٍ

إلى روحهِ الأسطوريةْ.

تَنَقّلَ بيننا كملك،

متذمرًا، مهتابًا

يطوفُ بينَ أتباعِهِ القدماء،

إلى أن امتزجَ الدمُ البكريُ

بالسماءِ

مُوقِدًا رغبةَ الثأر،

فتبيَّنَهُ اتباعُهُ هؤلاء في نجم.

هل لِدَمِنا أن يَفسدَ إذًا؟

أم تراهُ يصيرُ دمَ الفردوس؟

ألا تبدو لنا الأرضُ فردوسًا في ما نصنع؟

حيثُ السماءُ أكثرُ ألفةً مما هي هناك،

مخاض وألم،

ثم مجد للحبِ الباقيْ،

إنما ليس زرقةَ التفرقةِ واللامبالاةِ هذه.

 

4

تقولُ لنفسِها: "مُمْتنّةٌ أنا

لرؤيةِ الطيورِ المُستيقظةِ للتو،

في الحقولِ الضبابيةِ النَدِيَةِ

تَتَفحَصُ محيطها بلطفٍ

قبل الانطلاق؛

لكن بعد أن تغادرَ الطيورُ،

وتتبددُ ألفةُ الحقولِ،

ترى أينَ يصبحُ الفردوسُ عندئذٍ؟"

ليسَ هناكَ مكانٌ موعودٌ لتَحَقُقِ النبوءة

ولا خَيْمَرةُ القبورِ الغابرة،

ولا عالمٌ سفليٌ مُذَهَّب،

ولا جزيرةٌ غنّاء تأوي إليها الأرواح،

ولا جَنوبُ العجائبِ البعيدْ،

فنخلةُ الغيمِ المُرتفعةِ

إلى أعالي السماءِ

لم تصمدْ

كخضرةِ نيسانَ المتجددةْ،

ولن تَصْمِدَ

كذكرى تلك الطيورِ المستيقظة،

أو كما ترغبُ هيَ

بعودةِ حزيرانَ ومساءاتهِ

التي تُحرِّكُها أجنحةُ طائرِ السنونو.

 

5

ثمَ تقولُ لنفسها: "حتى في الامتنانِ هذا

ما زلتُ أشْعُرُ بحاجةٍ لسعادةٍ خالدة"

الموتُ هو أمُ الجمال؛  

منها وحدَها

تتحققُ أحلامُنا ورغباتُنا.

رغمَ أنها تنثرُ الأوراقَ

لطمسِ دروبنا،

دربُ الحزنِ التَعِب،

الدروب التي عزفَ عليها الظفرُ

ألحانَهُ النحاسيةْ،

أو هناك حيثُ همسَ الحبُ قليلًا برقة،

هي تجعلُ الصفصافَ يرتعشُ  

في شمسِ الشتاءِ

للعازباتِ اللواتي تعوَّدْنَ

التمتعَ بالعشبِ

منكفئًا تحتَ أقدامِهنْ.

وها هي تجعلُ الصِبيَةَ يملؤونَ الخوخَ والإجاصَ

في أطباقٍ منسيةْ.

تتذوقُها العازباتُ

وتَهِمْنَ بشغفٍ

فوق الأوراقِ المتساقطة.

 

6

ألا يتغيرُ الموتُ في الفردوس؟

ألا تتساقطُ الثمارُ الناضجةُ هناك؟

أم أن الأفرُعَ المتينةَ

تبقى دائمًا معلقةً في كمالِ السماء،

ثابتةً،

أَتكوْنُ مِثْلُ أرضِنا الفانية،

الأنهر هناكَ

مِثْلُ الأنهرِ عندنا تَبحَثُ عن بِحار،

ولكن لا تجدَها،

ولا تلتقي مع الشطآنِ المنحسرةِ

في تلاطمٍ هاذٍ؟

ولِمَ نضعُ الإجاصَ على ضفافِ الأنهر؟

أو نُنَكِهُ الشطآنَ بطعمِ الخوخْ؟

أسفي عليهم كبير،

فليلبسوا ألواننا

تلك التي تُطَرِّزُ أماسينا الحريريةْ،

ويعزفون الشِعْرَ على أعوادنا الغَثَّة!

الموتُ هو أمُ الجمالِ،

غريبٌ،

في حُضْنِهِ المُتَقِدِ

نصنعُ انتظارَ أمهات الأرضْ،

بأرقْ.

 

7

لينةٌ وهائجةٌ

فلتتحلَّق أجسادُ هؤلاء،

في صباحٍ صيفيٍ

ليقيموا الطقسَ باحتفالٍ ماجن،

ينشدون بصخبٍ، تفانيهم للشمسْ،

ليس كأنها إلهٌ،

بل كما يجدرُ أن يكونَ الإلهْ،

عارٍ بينهم،

كالأصلِ الجامحْ.

فلتكن ترنيمتُهم ترنيمة الفردوس،

تعودُ من دَمِهِم إلى السماء؛

ولتدخلَ ترنيمتُهم هذهِ

صوتا تلوَ الصوتِ

كالريحِ تَعصفُ في البحيرةِ

حيثُ يُوَزِعُ سيدُهم المُتع،

على الأشجارِ المائجةِ

كملائكةِ السارافيم

وصدى التلالِ،

كورسٌ حطَّ الرحالَ بينهم.

فليعرفوا جيدًا

مودةَ السماءِ الحقةِ

في فناءِ البشرِ

وصباحاتِ الصيفْ.

أنّى أتوا أو فنيوا

سيظهرُ الندى على أقدامهم.

 

8

فوق هذه المياهِ الهادئةِ،

تَسمعُ صوتا يصرخُ،

"هذا الضريحُ في فلسطين

ليس ملتقى الأرواحِ الهائمةْ،

إنه قبرُ المسيحِ حيث يستريحْ".

نعيشُ في فوضى الشمسِ القديمة،

أو في تتالي الليلِ والنهارْ،

أو في جزيرةٍ منعزلةٍ، حرةْ،

غير مرعيةٍ،

فوق هذهِ المياهِ المتسعةِ

التي تأسرُنا.

ترعى الغزلانُ حرةً في الجبالْ،

وطائرُ السِّمَنِ يشدو لحالنا بعفوية،

ويربى التوتُ الحلوُ في الأرضِ القَفْرِ وفي عزلةِ السماءْ،

وفي عتمةِ المساءِ

تَخُطُ أسرابُ حمامٍ عفويةٍ

تموجات غامضة وهي تنزلُ

إلى العَتمِ بجوانحَ منفتحة.