27-يناير-2023
gettyimages

القرار الأمريكي جاء في سياق إقناع ألمانيا بإرسال دبابات ليوبارد إلى كييف (Getty)

في خطاب متلفز، يوم الأربعاء، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن بلاده ستقدم لكييف 31 دبابة من طراز إم 1 أبرامز أمريكية الصنع، والتي تعتبر واحدةً من أقوى الأسلحة وأكثرها تطورًا في الجيش الأمريكي. جاء هذا القرار بعد أسابيع من المفاوضات المتوترة مع المستشار الألماني والقادة الأوروبيين الآخرين، الذين أصروا على أن الطريقة الوحيدة لزيادة تدفق الأسلحة الأوروبية الثقيلة هو إرسال الولايات المتحدة الأمريكية للدبابات الخاصة بها.

أعلن بايدن عن القرار تحديدًا، نتيجة عدم موافقة ألمانيا على إرسال دباباتها من طراز ليوبارد 2 إلى كييف، وفي محاولة لدفع برلين للموافقة على إرسال الدبابات إلى أوكرانيا

أعلن بايدن عن القرار تحديدًا، نتيجة عدم موافقة ألمانيا على إرسال دباباتها من طراز ليوبارد 2 إلى كييف، وفي محاولة لدفع برلين للموافقة على إرسال الدبابات إلى أوكرانيا، القرار الذي تصفه صحيفة نيويورك تايمز بـ"المتردد"، فتح الطريق أمام تسليم دبابات "Leopard 2" الألمانية  إلى أوكرانيا في غضون شهرين إلى ثلاثة أشهر، والتي وعدت العديد من الدول الأوروبية بتقديمها، في حين أنه من غير الواضح ما إذا كان ذلك سيحدث فرقًا حاسمًا في هجوم الربيع الذي يخطط له الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من أجل استعادة المناطق التي استولت عليها روسيا، إلا أنه يُعد الأحدث في سلسلة من التصعيد التدريجي بين الولايات المتحدة والحلفاء في الناتو، مع روسيا ويعتبر أقرب إلى الصراع المباشر.

في مقابلات، أجرتها الصحيفة الأمريكية، أقرت مصادر أوروبية وأمريكية مسؤولة أنه قبل ثلاثة أشهر، كان من غير المتصور أن الرئيس الأمريكي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتز وزعماء دول أوروبية أخرى، قد يساهمون بمثل هذه الأسلحة الثقيلة. لكنهم قالوا، بمرور الوقت تغيرت ساحة المعركة، واعتقد القادة أن التهديد الذي كان يلوح فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام سلاح نووي تكتيكي قد انخفض.

getty

علاوةً عن ذلك، قال المسؤولون إن قادة الولايات المتحدة وأوروبا أرادوا أن يُظهروا لبوتين أن رهانه على أن الوحدة الأوروبية ستنكسر خلال الشتاء قد فشل، وأن حلف "الناتو" ظل ملتزمًا بدعم أوكرانيا، حتى في مواجهة قطع الغاز والنفط والمخاوف من الهجمات الإلكترونية الروسية، وتعطيل البنية التحتية الأوروبية.

في الأسبوع الماضي، رفض وزير الدفاع الأمريكي فكرة إرسال دبابات "إم 1 أبرامز"، حيث قال مساعدوه إن المسألة معقدة للغاية بالنسبة للقوات الأوكرانية. وتحدث المسؤول الثالث في البنتاغون كولين إتش كال، الأسبوع الماضي أن "دبابة أبرامز هي معدة كثيرة التعقيد"، مضيفًا: "لا ينبغي أن نوفر أنظمةً للأوكرانيين وهم غير قادرين على إصلاحها"، متابعًا حديثه: "على المدى الطويل لن يستمروا، ولن يستطيعوا تحمل التكاليف، لأن الأمر ليس مفيدًا". ولكن ومع الوعد بإرسال دبابات "إم 1 أبرامز"، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون  كيربي، بأن الأمر سيستغرق "عدة أشهر".

كان بايدن قادرًا على منح  شولتز غطاءً سياسيًا لإرسال دبابات "ليوبارد 2" في وقت مبكر، وفتح القرار الألماني الطريق أمام إسبانيا وبولندا وفنلندا للقيام بالمثل، ومن المرجح أن تعلن النرويج بعد ذلك عن مساهمة مماثلة.

وتشير الصحيفة الأمريكية، إلى أن بايدن كان حساسًا للإيحاء بأنه قد أجبر على اتخاذ القرار من قبل أحد أقرب حلفائه، ووصف القضية على أنها قضية الحفاظ على الوحدة، قائلًا: "أردنا التأكد من أننا جميعًا معًا". وتعتبر "ليوبارد2"، أخف وزنًا وأكثر رشاقة من دبابات "إم 1 أبرامز"، وأكثر ملاءمةً للهجوم المضاد القادم، حيث سيتطلب من القوات الأوكرانية اختراق الخطوط الأمامية للخنادق التي حفرتها القوات الروسية، وهو وضع أقرب إلى ساحات القتال خلال الحرب العالمية الأولى في أوروبا، والتي تم اختراع الدبابة من أجلها.

getty

طوال الوقت، كان بايدن يشدد على أن هدف خلال الحرب "تحرير أوكرانيا، وتجنب الصراع المباشر بين القوات الأمريكية والروسية". ولكن مع تصاعد التوتر، أصر بايدن على أن القوة النارية الجديدة تهدف إلى الدفاع عن الأراضي الأوكرانية، ولا شيء أكثر من ذلك، مضيفًا "لا يوجد تهديد هجومي على روسيا، إن عادت القوات الروسية إلى مواقعها، فستنتهي هذه الحرب اليوم"، بحسب ما جاء في نيويورك تايمز.

في المقابل، نظر الروس إلى الأمر بشكلٍ مختلف، ولم يكن هذا مفاجئًا لأحد، فقد أمضى السفير الروسي لدى الولايات المتحدة أناتولي أنتونوف، معظم وقته على وسائل التواصل الاجتماعي يقول إن الأمر يتعلق بمؤامرة أمريكية على نطاق واسع، مشيرًا إلى أن "الأمر كله يتعلق بحرب بالوكالة الأمريكية على بلدنا".

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن النقاشات حول إرسال الدبابات والقلق منها، ليست مرتبطةً فقط في إظهار أن ما يحصل "حرب بالوكالة"، فالرئيس الأمريكي، يعود قلقه للخوف من زيادة التصعيد في الحرب. أما المستشار الألماني شولتز، فهو يشير إلى أن الدول الأوروبية لن تشعر بالارتياح لرؤية الدبابات الألمانية تدخل المعركة، حتى في قضية تحرير الأراضي الأوكرانية، وتحديدًا في شرق أوروبا، مما يذكر بالحرب العالمية الثانية وألمانيا النازية.

getty

أمّا بداية تراجع بايدن عن موقفه، فقد جاء خلال اتصال هاتفي مع المستشار الألماني شولتز، أشار فيه إلى أنه أبلغ البنتاغون بأن يضع جانبًا اعتراضاته العديدة على أن دبابة "إم 1 أبرامز" لم تكن مناسبةً لاحتياجات أوكرانيا، ومن الصعب للغاية تشغيلها وصيانتها لقواتها المجهدة أصلًا من الحرب. وتقول "نيويورك تايمز"، كان الأمر انتصارًا للحسابات السياسية على المخاوف اللوجستية، خاصةً أن الكثير من الدول الأوروبية كانت تنتظر موافقة ألمانيا لإرسال دباباتها إلى كييف.

في اجتماعات إدارة بايدن، حدد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، موقف البنتاغون، وبحكم مناصبهم فيتوجب عليهما منح أفضل مشورة عسكرية للرئيس الأمريكي، وخلال ذلك هناك حديث عن ضرورة الحفاظ على الوحدة بين الحلفاء. وقال أحد المسؤولين الأمريكان: "ما لم يأخذه البنتاغون في الحسبان بشكلٍ كافٍ، المخاوف الشديدة بين الحكومات الأوروبية من فعل أيّ شيء لاستفزاز روسيا دون أن يكون لها غطاء من الولايات المتحدة"، أيّ أنه يتوجب على واشنطن المبادرة بإرسال الدبابات.

ويقول محلل الأمن القومي في النشرة الإخبارية "The Liberal Patriot" بيتر جول، "شئنا أم أبينا، فإن هذا يعني أن الولايات المتحدة تظل هي الرابط الذي يربط الناتو وأوروبا معًا".

وفي المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، الأسبوع الماضي، كان المستشار الألماني شولتز واضحًا، بأنه لن يوافق على إرسال دبابات "ليوبارد 2" حتى توافق الولايات المتحدة على إرسال دبابات "إم 1 أبرامز"، وسط قناعة أمريكية أن هناك طريقةً من أجل إقناع شولتز بتخلي عن موقفه، وهذا ما لم يحصل خلال اجتماع  الحلفاء في قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا.

وبعد فشل الاجتماع في الحصول على موافقة ألمانيا على نشر دباباتها، أشارت التقارير الإعلامية التي تلت ذلك إلى أن الانقسام هو "أكبر صدع في وحدة الناتو"، منذ بداية الحرب في أوكرانيا. حيث جادلت قيادات أوروبية مسؤولة أن الانقسام كان مبالغًا فيه، وأن الدبابات من غير المرجح أن تحدث فرقًا يغير قواعد اللعبة في الهجمات القادمة، خاصةً مع القناعة بأن الدفاعات الصاروخية والصواريخ الموجهة بدقة، مثل نظام "هيمارس" الذي أرسلته الولايات المتحدة إلى أوكرانيا أكثر فعالية.

getty

وتقول الصحيفة الأمريكية، بعد عام من استخدام "وحدة الناتو" كواحدة من نقاط الحديث الرئيسية لإدارة بايدن حول الإخفاقات الروسية في الحرب على أوكرانيا، أدرك كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية أن الوقت قد حان لأن تتغلب السياسة على اعتراضات البنتاغون.

وتتحدث إيفلين فاركاس، المسؤولة الكبيرة في البنتاغون لشؤون أوكرانيا في إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، عن أنه "يبدو بأن القضية كانت على الدوام سياسية وليست عسكرية"، وأضافت "كان ينبغي على قادتنا العسكريين إعطاء الضوء الأخضر لإرسال أبرامز منذ فترة طويلة لتقديم التعزيزات للألمان بأن الأمن الجماعي سيسود"، متابعةً حديثها: "المذهل في الأمر هو مدى خوف حلفاء أمريكا من مواجهة روسيا بدون الولايات المتحدة".

أقرت مصادر أوروبية وأمريكية مسؤولة أنه قبل ثلاثة أشهر، كان من غير المتصور أن الرئيس الأمريكي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتز وزعماء دول أوروبية أخرى، قد يساهمون بمثل هذه الأسلحة الثقيلة

وتوصل أوستن بنفسه إلى هذا الاستنتاج بعد انتهاء الاجتماع في ألمانيا، وقال مسؤول تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "بعض مسؤولي البنتاغون فوجئوا باعتراف المسؤولين الألمان علانية بربط إرسال دبابات ليوبارد مع أبرامز".