12-مارس-2025
محادثات جدة

المحادثات الأوكرانية الأميركية في جدة (رويترز)

يبدو أن الأوكرانيين والأميركيين يسعون إلى تجاوز الخلافات التي توترت بها علاقاتهما مؤخرًا. فبعد المباحثات التي جرت بين الوفدين الأميركي والأوكراني في مدينة جدة السعودية، أعلنت واشنطن استئناف تقديم المساعدات العسكرية وتبادل المعلومات الاستخبارية مع كييف، وذلك بالتزامن مع إعلان أوكرانيا قبولها مقترحًا أميركيًا يقضي بوقف إطلاق النار في الحرب مع روسيا لمدة 30 يومًا.

وقد حظي المقترح الأميركي بتأييد أوروبي واسع، حيث أعلنت المفوضية الأوروبية ترحيبها به، في وقتٍ أفادت فيه مصادر متعددة بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اجتمع مع رؤساء أركان 30 دولة، أبدت جميعها استعدادها للمساهمة في تقديم الضمانات الأمنية التي تطلبها أوكرانيا بمجرد وقف الحرب، بما في ذلك نشر قوات داخل الأراضي الأوكرانية.

الكرة في ملعب موسكو

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، عقب مباحثات جدة، إن الولايات المتحدة "ستنقل عرض وقف إطلاق النار إلى روسيا"، مؤكدًا أن "الكرة باتت الآن في ملعب موسكو". وأضاف: "بعد أكثر من ثماني ساعات من المحادثات في جدة، نأمل أن تُجيب موسكو بالموافقة على مقترحنا في أسرع وقت ممكن، لنتمكن من الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة، التي تشمل مفاوضات حقيقية"، على حدّ تعبيره. وشدّد روبيو على أن واشنطن "تسعى إلى التوصل لاتفاق شامل مع كلٍّ من روسيا وأوكرانيا في أسرع وقت ممكن".

مما يزيد الموقف تعقيدًا بالنسبة لروسيا، تعرّض العاصمة موسكو أمس والبارحة لسلسلة هجمات بالطائرات المسيرة الأوكرانية، أودت حتى اللحظة بحياة 14 روسيًا.

حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يصدر عن موسكو أي موقف رسمي يؤكد قبولها أو رفضها لمقترح وقف إطلاق النار الأميركي. ومع ذلك، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد صرّح سابقًا بأنه "منفتح على مناقشة اتفاق سلام"، لكنه رفض مرارًا مقترحات وقف إطلاق النار الجزئي والمحدود زمنيًا، مبررًا ذلك بالسعي إلى اتفاق يضمن "أمن روسيا على المدى الطويل"، دون تقديم أي تنازلات بشأن الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها القوات الروسية.

وتسيطر روسيا حاليًا على نحو خُمس الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014، كما تمكنت خلال الأيام القليلة الماضية من تحقيق تقدم في عدة جبهات، واستعادت بعض البلدات في منطقة كورسك مستفيدةً من تعليق الدعم الأميركي لكييف.

وفي تطور يزيد الموقف تعقيدًا، تعرضت العاصمة الروسية موسكو، أمس وأول أمس، لسلسلة هجمات أوكرانية بالطائرات المسيّرة، أسفرت حتى الآن عن مقتل 14 شخصًا.

موقف أوكرانيا من المقترح الأميركي

على الجانب الأوكراني، وصف الرئيس فولوديمير زيلينسكي المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار بأنه "إيجابي"، مشيرًا إلى أنه يشمل وقف الأعمال القتالية على جميع الجبهات. وأكد زيلينسكي أن المقترح سيدخل حيز التنفيذ فور موافقة روسيا عليه، مشيرًا إلى أن فترة وقف إطلاق النار ستمنح أوكرانيا فرصة للتشاور مع الشركاء الدوليين بشأن ضمانات السلام والأمن طويل الأمد.

تحركات أميركية مكثفة

من المتوقع أن يزور ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب، موسكو هذا الأسبوع، كما سيجري ترامب نفسه مكالمة هاتفية مع بوتين في الأيام المقبلة. ويأمل مراقبون أن تسفر هذه الجهود عن موافقة روسية على مقترح وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا.

جدير بالذكر أن إدارة ترامب كانت تلقي باللوم على زيلينسكي في استمرار الحرب، بينما تشيد بالموقف الروسي بشأن السّلام وإنهاء الصراع. ويبقى السؤال: هل سيكون التقارب الأميركي-الروسي كافيًا لإقناع الكرملين بالموافقة على وقف القتال؟

اتفاقية المعادن: مفتاح الدعم الأميركي

في البيان الختامي لمباحثات جدة، أعلنت كييف وواشنطن عن عزمهما إبرام اتفاقية شاملة في أقرب وقت ممكن لتطوير الموارد المعدنية الحيوية في أوكرانيا. وكانت هذه الاتفاقية قيد الإعداد قبل أن يتم تعليقها بسبب الخلاف الحاد بين زيلينسكي وترامب في البيت الأبيض الشهر الماضي، والذي أدى إلى تأجيل توقيع الاتفاق، إضافةً إلى تعليق المساعدات العسكرية والأمنية الأميركية لكييف.

ومن الواضح أن إدارة ترامب لن تعيد دعمها الكامل لأوكرانيا ما لم يتم إبرام هذه الاتفاقية، ما يجعلها عنصرًا أساسيًا في أي موقف أميركي مستقبلي تجاه الصراع المستمر بين كييف وموسكو.