30-نوفمبر-2018

متظاهر ضد زيارة ابن سلمان في لندن (دافيد كليف/Getty)

بعد رفض شعبي واسع لاستقباله في تونس، يبدو أن الأيام القادمة لن تكون أقل إحراجًا لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي يطير إلى الأرجنتين لحضور قمة الدول العشرين، مع زعماء العالم الذين "قد لا يرغب جلهم في الخروج في صورة واحدة معه"، على حد وصف سارة  ليا واتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومان رايتس ووتش، لما بات يتحمله من مسؤولية أخلاقية ثقيلة في حرب اليمن، وكذلك لعلاقته بمقتل خاشقجي.

طلبت هيومن رايتس ووتش من الأرجنتين استخدام بند من جرائم الحرب في دستورها للتحقيق في دور  ابن سلمان في الجرائم المحتملة ضد الإنسانية في اليمن

ابن سلمان.. مطلوب لدى العدالة العالمية

في هذا السياق، أوردت هيومن رايتس ووتش في بيان، أنها طلبت من الأرجنتين استخدام بند من جرائم الحرب في دستورها للتحقيق في دور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الجرائم المحتملة ضد الإنسانية في اليمن وقتل الصحفي جمال خاشقجي. حيث إن دستور الأرجنتين يعترف بالولاية القضائية العالمية على جرائم الحرب والتعذيب وفق نظام روما الأساسي واتفاقيات جنيف الـ4، وهذا يعني أن السلطات القضائية يمكنها التحقيق في هذه الجرائم، وتحريك مذكرات عدلية إن اقتضت الحاجة، بغض النظر عن مكان ارتكابها.

اقرأ/ي أيضًا: كيف ورط خاشقجي السعودية باختفائه أكثر من مقالاته؟

بينما كان محتجون غاضبون، قد استقبلوا ابن سلمان في بوينس آيرس، حسبما أوردت صحيفة ذي إندبندنت البريطانية، التي نقلت تغريدة لسارة ليا واتسن تقول فيها "إن المدعي العام وافق على تناول القضية، وطلب من أحد القضاة أن يطلب معلومات من السلطات اليمنية والسعودية بشأن جرائم حرب مزعومة، كما طلب توضيحًا من وزارة الخارجية الأرجنتينية إذا كان وضع ولي العهد الدبلوماسي قد يسمح بإجراء قانوني للمضي قدمًا". وأضافت واتسون : "إن كبير ممثلي الادعاء في البلاد راجع شكوى هيومن رايتس ووتش وقرر تسليمها إلى مدع عام آخر تم تعيينه عن طريق القرعة. ويقوم المدعي العام الآن بإحالة القضية إلى قاضٍ لإجراء تحقيق يتضمن جمع معلومات عن سير الحرب السعودية في اليمن، والتي امتدت لمدة أربع سنوات تقريبًا".

هل ستتم محاكمة محمد بن سلمان حقًا؟

من غير المتوقع بطبيعة الحال أن تتم محاكمة ابن سلمان بشكل فعلي، لكن وعلى أقل تقدير، فإن القضية المرفوعة ضده تضر بمحاولة الأمير الثلاثيني إصلاح صورته في أعقاب الضجة العالمية بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول الشهر الماضي، وهي جريمة يزعم أنها مرتبطة بأفراد الأمن في دائرته الداخلية، دون علمه.

في حين أوضحت واتسون: "ستخيم عليه سحابة من الريبة وهو يحاول إعادة بناء سمعته المحطمة في مجموعة العشرين، وسيفكر زعماء العالم جيدًا مرتين قبل أن يتقدموا لأخذ صورة بجوار شخص قد يخضع للتحقيق في جرائم حرب وتعذيب".

أما بيان هيومان رايتس ووتش  فقد تحدث عن أن وزارة الخارجية الأرجنتينية  ذكرت أن محمد بن سلمان لديه حصانة لحضور قمة مجموعة العشرين، لأنه مبعوث دبلوماسي رسمي، بموجب اتفاقية 1969 المتعلقة بالبعثات الخاصة، التي تُعدّ الأرجنتين طرفًا فيها، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام. وبمقتضى الاتفاقية، "يجوز للدولة المستقبلة، في جميع الأوقات ومن دون أن يكون عليها بيان أسـباب قرارها، أن تخطر الدولة الموفدة بأن أي ممثل للدولة الموفدة في البعثة الخاصة... شخص غير مرغوب فيه". في هذه الحالة، على الدولة أن تقوم إما "باسـتدعاء الشخص المعني أو بإنهاء وظائفه في البعثة"، وفي هذه الحالة، يخسر حصانته.

برزت حملة احتجاجية ملموسة ضد زيارة ابن سلمان إلى بوينس آيرس، بسبب جرائمه في اليمن واغتيال خاشقجي

أما شلبي تلحمي، الأستاذ المتخصص بشؤون الشرق الأوسط، فقد كان أكثر واقعية من واتسون، حيث قال في تصريح نقلته ذي إندبندنت أيضًا: "على الأقل سيكون ذلك بمثابة إحراج له في الوقت الذي يحاول فيه أن يعيد الحياة إلى طبيعتها".

أما الغارديان التي تناولت الأمور الإجرائية الخاصة بتلك المحاكمة المفترضة، فقد أوردت عن مصادر قضائية أرجنتينية أن "احتمال محاكمته صعب للغاية"، مضيفة أن جريمة خاشقجي قد لا تعتبر "جريمة ضد حقوق الإنسان". ومع ذلك، فإن بيان هيومان رايتس ووتش يستند إلى نمط أوسع من التعذيب وكذلك العمليات العسكرية في اليمن. الجدير بالذكر أن متحدثًا باسم وزارة الخارجية الأرجنتينية، هو جورج فوري، وصف محاولة محاكمة بن سلمان بأنها "لن تنجح على الأرجح".

وفصل ذلك بقوله: "لا نعتقد أن عرض المحكمة الذي قدمته هيومن رايتس ووتش سينجح. ستتم حماية محمد بن سلمان بحصانة دبلوماسية وهو يسافر بصفته الرسمية كممثل لرئيس أجنبي". وأضاف أنه "علاوة على ذلك، لا يمكن الحكم على القضايا التي تنطوي على حصانة دبلوماسية إلا من قبل المحكمة العليا، وستكون زيارته قصيرة جدًا بحيث لا يمكن الوصول إلى المحكمة. لذلك في الوقت الحاضر سيمضي حضوره في الموعد المحدد".

اقرأ/ي أيضًا: مقاطعة "مبادرة مستقبل الاستثمار".. ضريبة طيش ابن سلمان

مع ذلك فقد قالت هيومن رايتس ووتش إنه على القضاء الأرجنتيني الاستمرار في التحقيق في القضية، رغمًا عن الحصانات السارية. وإذا فُتح تحقيق في مزاعم جرائم الحرب أو التعذيب، فقد تثير أسئلة قانونية مهمة تتعلق بمدى الحصانة بخصوص الجرائم الدولية الخطيرة، ما سيجعل من الممكن تلمس الأثر العدلي لهذه التحقيقات في زيارات مستقبلية قد يعقدها ابن سلمان تجاه الأراضي الأرجنتينية.

أما كينيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة هيومان رايتس ووتش فقال "يجب على سلطات الادعاء في الأرجنتين أن تدرس دور محمد بن سلمان في جرائم الحرب المحتملة التي ارتكبها التحالف الذي تقوده السعودية منذ عام 2015 في اليمن". واستطرد بقوله "إن حضور ولي العهد في قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس قد يجعل المحاكم الأرجنتينية وسيلة لإنصاف ضحايا الانتهاكات غير القادرين على التماس العدالة في اليمن أو المملكة العربية السعودية".

يُذكر أن المحاكامات والتصريحات المنطلقة من منظمات حقوق الإنسان العالمية، لم تمنع الأمير من أن يكون على قائمة المدعوين للقمة التي تستمر يومين والتي تبدأ يوم الجمعة، ولم يشكل طلبه للعدالة أي فارق لدى حليفه الأثير دونالد ترامب، الذي عبر عن استعداده لاستقبال الأمير الثلاثيني على الرغم من تزايد المعارضة في الكونغرس لدعم الولايات المتحدة العسكري للسعودية، وحملة النظام السعودي وقصفه لليمن وخنقه الاقتصاد اليمني، والتسبب بمجاعة وشيكة وشاملة، ناهيك عن مسطرته الحقوقية الداخلية رديئة السمعة والملطخة بسجل ضخم من انتهاكات حقوق الإنسان والحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد "الأحد الأسود".. كيف ستتعامل السعودية مع ملف خاشقجي؟

السعودية أمام سؤال خاشقجي.. تناقضات وخطوات إلى الخلف