05-فبراير-2017

طبيب جزائري يعطي لقاح لمريض (Getty)

أحدث تصريح وزير الصحة الجزائري محمد بوضياف جدلًا كبيرًا في الشارع الجزائري، وحتى في الأوساط الطبية، عندما أطلق معلومة مفادها أن "مستشفيات الجزائر أحسن من مستشفيات أمريكا". كثيرون استغربوا التصريح، والكثيرون ذهبوا في مسار الانتقاد الشديد واللاذع، لمسؤول في الحكومة الجزائرية، بأنها لم تقدم للصحة سوى المزيد من الأوجاع والأمراض، ولم تفلح إصلاحات منظومتها الصحية بعدما كلفتها المليارات من الدولارات.

بصراحة، وعلى الأرض، الوزير لم يقل سوى الحقيقة، عن القطاع الذي يرأسه، لأن الجزائر تمكنت خلال العشر سنوات الأخيرة من تشييد مستشفيات ومصحات حكومية عبر مختلف مناطق الوطن، كما استوردت وسائل وأجهزة جد متطورة للعلاج بمبالغ خيالية.

أحدث تصريح وزير الصحة الجزائري محمد بوضياف جدلًا في الشارع الجزائري، عندما قال أن "مستشفيات الجزائر أحسن من مستشفيات أمريكا"

لكنها في الجانب الآخر، لم تستطع تكوين أو تدريب كوادر جزائرية على استغلال وتسيير تلك الأجهزة. فمهما يكن، فأي جهاز حديث يحتاج لخبرة بشرية تستخدمه وأهمها جهاز الـ"سكانير" وجهاز التصوير بالارتداد المغناطيسي، كلاهما يصيبهما الصدأ بمجرد توقف أو عطل تقني.

لقد عجزت الخبرة الجزائرية في إصلاحهما وتشغيلهما، والأدهى والأمرُّ أن عديد أجهزة الـ"سكانير" في المستشفيات الحكومية وبخاصة الكبرى منها، كثيرًا ما يصيبها العطل، لتتوقف عن العمل، فتتكفل إدارة قسم الأشعة، بوضع ورقة مكتوبة بخط اليد: "لا توجد أشعة. جهاز السكانير معطل"، فيضطر المريض إلى اللهث وراء المصحات الخاصة للكشف بالأشعة، وطبعًا الجزائر ستدفع فاتورة باهظة لجلب تلك الخبرة لإعادة تشغيل الجهاز، والأسوأ من ذلك يضيع المرضى ويستشري المرض ويتأجل علاج الآلاف بسبب ذلك الجهاز العجيب.

اقرأ/ي أيضًا: مستشفيات الولادة في الجزائر.. حظائر الموت

سيدي الوزير، فالجزائر شيدت المستشفيات واستوردت أهم التجهيزات، لكنها في النهاية لم تكتشف مكمن المرض في البلاد، فلكل جهاز عقل صنعه، ولكل جهاز عقل يستخدمه وكل جهاز يحتاج لإعادة التشغيل في حال عطل تقني، وهو ما يحتاج من الحكومة الالتفات إلى هذه النقطة الهامة: تدريب تقنيين أخصائيين في مجال إصلاح الأعطاب التي تصيب الأجهزة وبخاصة الـ"سكانير".

الأجهزة الصحية في الجزائر مثل اللعبة التي يشتريها الأب لطفله ولا يفقه في تشغيلها

وزير الصحة الجزائري لم يخطئ عندما قال بأن المستشفيات الجزائرية أحسن بكثير من مصحات أمريكا، لأنه يفكر بذهنية تشييد قاعات العلاج واستيراد الوسائل والأجهزة دون التفكير في تدريب الأطباء والأخصائيين وأعضاء السلك الطبي، من ممرضين ومضيفي استقبال المرضى وعمال النظافة في أهم قطاع في البلاد وهو الصحة. وهنا أتذكر قضية الأطفال الرضع الـ13 الذين حقنوا بدم فاسد، وأيضًا قضية الطفلة الصغيرة آلاء التي توفيت بعدما حقنت بدم فاسد في أكبر مستشفيات العاصمة الجزائرية، وهي البريئة التي جاءت من أقصى الجنوب الجزائري ليبحث والديها على علاجها من داء السرطان، فلم يتحمل جسدها الطري المرض الخطير.

كما أن صورة تلك المرأة الحامل التي توفيت في طريق نقلها، عبر شاحنة وليس سيارة إسعاف، وهي في طريقها بين "حاسي مسعود" نحو مستشفى "ورقلة" في الجنوب، وغيرها من القصص المؤلمة التي تسرد عبر وسائل الإعلام. فرحلة العلاج في الجزائر تكلف الكثير من الجهد والعناء والمال والوقت والكرامة، فهذه الأخيرة لم يلتفت لها الوزير لأن الأجهزة الصحية في الجزائر مثل اللعبة التي يشتريها الأب لطفله ولا يفقه في تشغيلها، فيضطر إلى التخبط واللعب بها حتى يكسرها أو يتركها جانبًا.

اقرأ/ي أيضًا:
الصحة.. صداع المواطن الجزائري
بعد الثلوج.. الجزائر تغرق!