11-أبريل-2019

هيئة علماء المسلمين في لبنان (فيسبوك)

نشرت هيئة علماء المسلمين في لبنان بيانًا بعنوان "اللواط جريمة"، استنكرت فيه قرار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، والقاضي بيتر جرمانوس، بعدم الادعاء على مدانين عسكريين بـ"جرم" المثلية.

تلعب هيئة علماء المسلمين دور شرطي الأخلاق بالترهيب والوعيد كما فعلت بهجومها على المثلية والمثليين

واعتبر البيان أن هذا الحكم "خطير، وما يفتحه من شر يغضب الله ويدمر الأسرة والمجتمع"، قائلة إن هذا الحكم بمثابة "سابقة مشبوهة وظروف ملتبسة وأجواء تشهد سعيًا محمومًا لنشر الرذيلة وتشريع الشذوذ الجنسي".

اقرأ/ي أيضًا: تعذيب المثليين في سجون لبنان: انتهاكات برسم الدولة

وتعرف الهيئة نفسها بأنها "مرجعية لإحياء دور العلماء في نهضة الأمة الإسلامية. وهي تجمّع يقوم بتقديم حلول شرعية للقضايا المعاصرة وفق منهج أهل السنة والجماعة". لكن ما هو النهج المعاصر الذي تستخدمه هذه الهيئة؟!

في عام 2017 منعت مؤتمرًا في فندق مونرو في بيروت حول حقوق المثليين، كانت قد دعت إليه منظمات حقوقية وإعلامية وفنية، ما أدى بالمنظمين إلى إلغاء المؤتمر بفعل التهديد. وفي مناسبات مختلفة قامت هذه الهيئة بإزالة صور إعلانات لملابس داخلية على الطرقات! 

تلعب هذه الهيئة دور شرطي الأخلاق والقيم بواسطة الترهيب والوعيد الذي تطلقه وتنذر به، كما فعلت مع العديد من القضايا، ومنها الزواج المدني، وصلاة المسلمين في الكنائس، وغيرها من القضايا المطروحة على الساحة اللبنانية.

تدعي الهيئة أن الإسلام دين تسامح، لكن في بيانها تقول إن "قرار القاضي هو انحياز لحلف الرذيلة"، وتعتبر أن هذا الحكم "سلخ للمجتمع وإفساد للعلاقات الاجتماعية"، وتدعو من أسمتهم "الغيارى على المجتمع" إلى الوقوف صفًا واحدًا في رفض أي إجراء "يهون من شأن الشذوذ والرذيلة"، على حد تعبيرها. 

بالتالي فإن الهيئة وفق نظرتها، تقسم العالم إلى قسمين: حلف الرذيلة وحلف الأطهار، أو حلف الخير وحلف الشر! وبطبيعة الحال على حلف الطهارة هذا الاقتصاص ومعاقبة ونفي حلف الشر!

تستدعي الهيئة في كل مرة الدين إلى الميدان، فتبدأ بيانها بحديث: "لعن الله من عمِل عمَل قوم لوط"، قاصدة من وراء ذلك الضغط على جموع المسلمين واللعب على النعرات الدينية، محركة الغرائز والمشاعر، بهدف تقويض قرار القاضي بيتر جرمانوس. 

وتصف الهيئة القرار بأنه "هرطقة قانونية"، وتدعو إلى تطبيق المادتين 68 و69 من قانون حفظ الصحة العامة من البغاء، الصادر بتاريخ الثاني من حزيران/يونيو 1931، وتعديلاته، وفيه تجريم المثلية التي يسميها القانون "فاحشة اللواط"، ونص على معاقبة مرتكبيها. 

وتستخدم الهيئة تعبير "اللواط" بشكل متكرر في بيانها، كونها عبارة احتقارية من الناحية الاجتماعية المتداولة بين الناس في لبنان، وذلك من أجل إثارة التقزز والنفور، بدل من استخدام التعريف العلمي "المثلية الجنسية".

لم يتغير الفكر الديني عن كونه كذلك إلا بواسطة ضربات العلم، حيث أجبر أصحاب هذا الفكر على الرضوخ لمقتضيات العصر. لكن هذا الفكر لا يترك فرصة إلا وينقض لينهش لحم معارضيه مانعًا البشر من ممارسة حريتهم في الوجود الإنساني تحت حجج تفسيرات دينية. 

وتتدخل هذه الهيئة في قرارات القضاء، وتضغط وتؤثر سلبًا على مجرى العدالة في بلد متنوع، هادفة إلى فرض تراث تفسيراتها الدينية على الجميع، ولعب دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر خطاب الكراهية بين الناس.

لكن، هل يعبر اسمها عن طبيعة فكرها؟ أي الفكر العلمي الذي يبحث عن الحلول، فاسمها "هيئة العلماء"، بدلًا من الفكر التقليدي الذي يبحث عن القصاص.

إن التفكير العلمي يقترح البحث عن إشكاليات جديدة، ومن ثم محاولة الإجابة عنها. إنه تفكير دائم ومستمر لتحسين شروط التفكير وآلياته. ولا يتأتى ذلك إلا بالحركة. فيما يكتفي الفكر الديني التقليدي، بالثبات والخمول والكسل عن البحث عن مجالات جديدة تراعي الحاضر المعاصر، والإشكاليات الجديدة المطروحة.

إن أدوات الفكر الديني لا تأخذ بالحسبان التغيرات التاريخية للبشرية، ويتميز هذا الفكر باستبعاد أدوات الشك والنقد، والتي تعتبر أحد أهم أدوات الفكر العلمي.

ولا تجد هيئة علماء المسلمين أي ضرورة للبحث عن أحوال وظروف المجتمع اللبناني، من ناحية معرفة أعداد المثليين في لبنان، والطرق المثلى للتعامل معهم، مثل مثل أي مجموعة أخرى في لبنان. فلا يلعب الدليل والبرهان العلمي أي دور في نظرتهم للأمور!

يبحث العلم حول الشروط الوراثية والبيولوجية المتعلقة بالهرمونات، والظروف الاجتماعية المؤدية إلى انجذاب شخص ما إلى شخص آخر من نفس جنسه، بينما لا ترى هيئة علماء المسلمين على ما يبدو أي ضرورة لذلك، وتطلق أحكامها بالقصاص من كل ما تعتبره "مختلف" تحت ذريعة "الفطرة". ما الحل إذًا؟ يكون الحل بالاستناد إلى قانون يعود للعام 1932 للاقتصاص ومعاقبة المثليين!

لا تلتزم الهيئة بالتعريف العلمي الحديث كما أقرته المواثيق الدولية، فمنذ سبعينات القرن الماضي، وهناك إجماع بين العاملين في مجال العلوم السلوكية والاجتماعية والمهن الصحية والنفسية، بأن المثلية الجنسية هي شكل صحي من أشكال التوجه الجنسي عند البشر.

وفي عام 1973 ألغت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين، تصنيف المثلية الجنسية كاضطراب نفسي. وتبعهم في ذلك مجلس ممثلي جمعية علم النفس الأمريكية عام 1975. وبعد ذلك أزالت مؤسسات الصحة النفسية الكبرى حول العالم تصنيف المثلية كاضطراب نفسي، بمن فيهم منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة عام 1990.

تتدخل هيئة العلماء في لبنان، في قرارات القضاء، وتؤثر سلبًا على مجرى العدالة في بلد متنوع، هادفة إلى فرض تفسيراتها الدينية على الجميع

تنص المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني: "كل مجامعة على خلاف الطبيعة، يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة". ويكتنف الغموض معنى "بخلاف الطبيعة" لأن صيغتها مبهمة. لكن بالرغم من ذلك فإن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966، والذي صادق لبنان عليه في عام 1976، يعطي كل إنسان الحق بالخصوصية، ويراعي مبدأ الكرامة الإنسانية وعدم جواز التمييز أو خرق مبدأ المساواة أمام القانون، ويضمن حرية المرء في التصرف بجسده، والتعبير عن الميول الجنسية، والحق بالتمتع بالصحة النفسية ما يعد ممارسة لحق طبيعي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إلغاء "بيروت برايد".. لبنان يغلق أبوابه أمام "مجتمع الميم"

لماذا يمنع الزواج المدني في لبنان؟