18-أغسطس-2015

تتم عملية تصنيف الأفلام الأمريكية بشكل سري وغامض كأنها من اختصاص الـ"CIA" (أ.ف.ب)

يمكن لمشاهدي ومتابعي السينما الأمريكية أن يلاحظوا وجود حروف ورموز عند إحدى زوايا الشاشة التي تبث أفلامًا وبرامج فنية، ومهمة هذه الرموز ظاهريًا هي تحديد الفئات العمرية للمشاهدين بحيث يحظر عمن هم خارج هذه الدائرة مشاهدة تلك الأعمال الفنية.

تعمل عملية تصنيف الأفلام في أمريكا كآلية قمع كاسحة تكرس سيطرة أستديوهات هوليود 

فمثلًا، يمكن مشاهدة الرمز "جي" الذي يعني أن مشاهدة الفيلم أو البرنامج الفني متاحة لجميع الفئات والأعمار، والرمز "بي جي -13" يعني أنه يحظر على الأولاد ممن هم دون الثالثة عشرة من أعمارهم مشاهدة تلك الأعمال، والرمز "أن سي -17" يحظر المشاهدة على الراشدين دون سن السابعة عشرة، والرمز "أن آر" يعني أن الفيلم غير مصنف من قبل جمعية الفيلم الأمريكي، وهي الجهة المناط بها مشاهدة الأعمال السينمائية والتلفزيونية وتصنيفها، بمعنى تحديد شرائح المشاهدين الذين يمكنهم التفرج على تلك الأعمال.

عملية تصنيف الأفلام "رايتنغ" في الولايات المتحدة، والتي تبدو ظاهريًا في صالح جمهور المشاهدين وقيمهم الثقافية والاجتماعية، تتحرك وتعمل في العمق كآلية قمع كاسحة تكرس سيطرة أستديوهات هوليود العملاقة على صناعة السينما الأمريكية، لدرجة أن بعض المنتجين والمخرجين الأمريكيين يصفها بـ "النظام الفاشي"، فضلًا عن كونها عملية سرية وغامضة وكأنها عمل من أعمال "وكالة الاستخبارات الأميركية CIA"، على حد وصف أحد المخرجين الأمريكيين.

إن أي فيلم لا يمكن أن يجد طريقه إلى صالة السينما، أو إلى الصحافة وشركات الإعلان، ما لم يخضع لعملية المشاهدة والتصنيف من قبل "جمعية الفيلم الأمريكي" وكذلك لا يمكن لأي برنامج تلفزيوني أن يجد طريقه إلى الشاشة الصغيرة ما لم يخضع لعملية والمشاهدة والتصنيف ذاتها. وغاية مطمح المخرجين والمنتجين في هذا الإطار، هي أن تحصل أعمالهم على التصنيف "أن سي -17" الذي يضمن أكبر شريحة من المتفرجين والمشاهدين، وإلا فإن العمل الفني، فيلمًا كان أو مسلسلًا أو برنامجًا تلفزيونيًا، مهدد بالإفلاس.

ومكمن الخطورة والإثارة في هذه العملية السرية والغامضة تأتي من واقع أنه من المستحيل معرفة لجان المشاهدة والآليات والمواصفات التي يعتمدونها في تصنيف هذا العمل أو ذاك، ولا يستطيع المخرجون بأية حال أن يعرفوا من يقوم بتصنيف أعمالهم، ولا طبيعة الأسس والمعايير المتبعة، ولا الطريقة التي يتم بها اتخاذ القرار، فضلًا عن أنه لا يمكن مراجعة أحد من المسؤولين أو مناقشته، وحتى أولئك المخرجين الذين يبدون استعدادهم لحذف "اللقطات" التي استوجبت "تصنيفًا" مضرًا كـ"أن سي-17"، ليس في مقدورهم معرفة تلك اللقطات، حتى ولو لجؤوا إلى المحاكم.

وعبر السنين، شهدت المحاكم الأمريكية العديد من الدعاوى التي رفعها مخرجون ومنتجون أمريكيون ضد "جمعية الفيلم الأمريكي"، مثل المخرجة كيمبرلي بيرس صاحبة فيلم "شبان لا يبكون" والمنتج مات ستون منتج المسلسل التلفزيوني الشهير "ساوث بارك"، والمخرج جون ووترز صاحب فيلم "عار قذر"، والمخرج واين كرامر صاحب فيلم "ذا كولر"، والمخرج كيفن سميث صاحب فيلم "كتبة"، والمخرج كيربي ديك صاحب فيلم "هذا الفيلم غير مصنف بعد"، وغيرهم، ولم يكن هناك أي طائل من رفع تلك الدعاوى.

حتى في قاعة المحكمة، لا يمكن لأعضاء الجهة المدعية، وكذلك أعضاء الجهة المدعى عليها، إضافة إلى الشهود، وأعضاء هيئة المحكمة وأعضاء هيئة الاستئناف، أن يكشفوا عن هوياتهم وأسمائهم، ويحمل الجميع بدلًا عن ذلك أرقامًا، بحيث تبدو المحاكمات وكأنها تجري بين أشباح.

وقد يتساءل القارئ، وما العيب في أن يتم تصنيف الأفلام التي يشاهدها الناس من مختلف الفئات والأعمار والخلفيات الثقافية، وأن يتم تنبيه الآباء وأولياء الأمور إلى الأفلام التي تتضمن مشاهد عنف وجنس. ولكن هنالك من يرى في الولايات المتحدة بطلان هذا الزعم، لأن أفلام هوليود مليئة بتلك المشاهد التي تتم إجازتها وتمريرها، فضلًا عن أن بعض المقارنات البسيطة، تشير إلى ترويج مفاهيم وأفكار معينة، فمثلًا في جميع الأفلام المصنفة، بحسب بعض المراقبين والمتابعين في هذا الشأن، يتم التساهل مع المشاهد الجنسية التي يظهر فيها المثليون، رجالًا ونساء، كما يجري عمومًا التساهل مع مشاهد العنف.