23-ديسمبر-2017

يستعين ابن زايد بضباط سابقين في السي آي إيه لبناء إمبراطوريته الجاسوسية (فورين بوليسي)

لدى أبوظبي هوسٌ خاص، نابعٌ مما يمكن وصفه بالانسحاق الذي بفضله قد يُبدد ولي العهد محمد بن زايد المليارات، مرةً لتكوين جيش من المرتزقة الأجانب، ومرّة لمحاولة بناء إمبراطورية جاسوسية/استخباراتية بسواعد أجنبية أيضًا. هذا ما كشفه تقرير مُطوّل نشرته مجلة فورين بوليسي، ننقله مترجمًا لكم بتصرف على جزئين، وفي السطور التالية الجزء الأوّل منه.


بالقرب من ميناء زايد في أبوظبي، تشهد إحدى الفيلات، تعليم إماراتيين أسس وأدوات الجاسوسية الحديثة، على يد خبراء غربيين. يبدأ اليوم بالأساسيات. ففي العاشرة من صباح الأحد تُلقى محاضرة بعنوان "ما هي الاستخبارات؟"، أما في يوم الخميس، فيتعلم المتدربون كيفية العمل في فرق للمراقبة قوامها من أربعة إلى ستة أشخاص. وخلال الأسبوع الأول، ينطلقون في مسابقات البحث عن الكنز، لصقل مهاراتهم في حل المشكلات.

تستقدم أبوظبي ضباطًا من "سي آي إيه" ليتفرغوا لبناء إمبراطوريتها الجاسوسية التي تطمح إليها، مقابل مبالغ باهظة

وعلى مدار الأسابيع التالية، تزداد المعلومات تقدمًا، إذ يتعلمون كيف يصنعون هويات مزيفة لاستخدامها أثناء حضور الحفلات مع الدبلوماسيين، وكيفية التعامل مع مصادر الاستخبارات، ويشاهدون أفلامًا قصيرة حول تجنيد المصادر الليبية، ويتدربون في موقع آخر يُدعى "الأكاديمية"، يقع على بعد حوالي 30 دقيقة خارج مدينة أبوظبي. وهو مجهز للتصويب بالبنادق، ومسارات القيادة والثكنات، ما يُكسبه بعض الشبه بـ"المزرعة" الخاصة بوكالة الاستخبارات المركزي الأمريكية (CIA) في كامب بيري.

اقرأ/ي أيضًا: الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات: مرتزقة بتمويل إماراتي لمزيد انتهاك اليمن

اطلعت فورين بوليسي على الجدول الرسمي الذي يضم تفاصيل التدريب، ووصفه لها بعض من المُدربين، الذي كانوا ضباطًا سابقين في الـ"سي أي إيه". 

وقد دفعت العقود المغرية، هؤلاء الضباط إلى الذهاب للإمارات، وعلى حد تعبير إحدى المصادر: "كان المال مذهلًا"، فلقد بلغ ما يتقاضاه الضباط ألف دولار يوميًا، مع إقامة في فيلا أو فندق خمس نجوم بأبوظبي.

وبحسب العديد من المصادر، فإن الشخص الرئيسي وراء هذا التعاون الاستخباراتي بين الإمارات وضباط السي آي إيه، هو لاري سانشيز، أحد ضباط الاستخبارات السابقين، والذي ساعد على إنشاء شراكة مثيرة للجدل بين المخابرات المركزية الأمريكية وشرطة نيويورك، وهي الشراكة التي حاولت استباق تحول الإرهابيين المحتملين إلى التطرف عبر تعقب الأشخاص في مختلف الأماكن  المحتملة عبر نيويورك، مثل المساجد والمكتبات.

وبحسب مصادر فورين بوليسي كذلك، فقد قضى سانشيز السنوات الست الأخيرة في العمل لدى ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لها، محمد بن زايد، لبناء الاستخبارات الإماراتية من الصفر.

ولم يكن سانشيز، الوحيد الذي اتجه نحو الإمارات لتقديم خدماته الأمنية، فهناك أيضًا إيرك برنس مؤسس بلاك ووتر، الذي انتقل أيضًا لأبوظبي لإنشاء كتيبة من المرتزقة للعمل تحت إمرة ابن زايد. يُضاف إليهما ريتشارد كلارك، مسؤول البيت الأبيض السابق لمكافحة الإرهاب الذي انتقل هو الآخر لأبوظبي ليكون ضمن كبار مستشاري ابن زايد، باعتباره رئيسًا تنفيذيًا لشركة جود هاربر للاستشارات الأمنية.

ولا يعد اعتماد الإمارات على الأجانب لبناء قدراتها الأمنية شيئًا جديدًا، إلا أنها لطالما حاولت إخفاء التفاصيل عن العامة. بالرغم من ذلك، فمازال استخدام موظفي الاستخبارات الأمريكية السابقين لبناء القدرات الاستخباراتية لدولة أجنبية، منطقة لم يطئها أحد من قبل.

أما دور سانشيز في التخطيط لعملية الإمارات الاستخباراتية وإنشائها، فيعكس مدى ما وصل إليه المتعاقدون في بيع المهارات التي اكتسبوها إثر عقود من العمل لصالح الاستخبارات والجيش الأمريكي، وهو ما أثار بدوره تساؤلات قانونية لدى حكومة الولايات المتحدة لتحديد القوانين الواجب سنها للسيطرة على استغلال ضباط الاستخبارات ذوي التدريب المرتفع لمهاراتهم، لصالح دول أجنبية.

على مدار سنوات عملت أبوظبي على استقدام خبراء أمنيين أجانب للاستفادة من خدماتهم في إنشاء كتائب مرتزقة أو جواسيس محترفين 

في حين رفض سانشير التعليق، وافق ستة آخرون من الضباط السابقين المُدرّبين في أبوظبي، على الحديث، شرط عدم الكشف عن هوياتهم.

اقرأ/ي أيضًا: قانون "الجرائم الإلكترونية" وفظائع الاختفاء القسري في الإمارات

وعبر اثنان منهم عن مخاوفهما بشأن تمتع الشركة بالترخيص المناسب لإجراء هذا النوع من التدريب المتقدم في الخارج، خاصة بعد وصول عدد من المدربين الدوليين الآخرين. بالإضافة إلى قلقهم من أن الشركة ذات الصلة بالحكومة الإماراتية، والمسؤولة عن إدارة هذا الاتفاق، هي قيد التحقيق من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، ورفض الأخير التعليق على الأمر لكون التحقيقات مازالت سارية.

وعلى الرغم من اختلاف الرؤى ووجهات النظر التي امتلكها كل من الموظفين السابقين بشأن فاعلية التدريب وقانونيته ومصالح الولايات المتحدة، فقد اتفقوا جميعًا على أن استخدام متعاقدين لإنشاء وكالة استخبارات أجنبية هي سابقة من نوعها في هذا المجال.

وأوضح أحدهم أنّ الهدف من كل ذلك، أو "الحلم" بتعبيره، يقصد حلم الإمارات، هو أن تمتلك السي آي إيه" الخاصة بها.

لم يتوجه لاري سانشيز من السي آي إيه إلى أبو ظبي مباشرة، بل مر في طريقه بنيويورك، ففي عام 2002 بُعث سانشير من قبل جورج تينيت، مدير السي آي إيه في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر، للعمل في نيويورك مع ديفيد كوهين، مفوض الاستخبارات بقسم شرطة نيويورك.

وفي نيويورك، أسهم سانشيز في تنفيذ عمليات مراقبة وتجسس مثيرة للجدل، استهدفت مساجد وأماكن تجمعات المسلمين، كان هدفها المنع المستبق لأي هجمات مشابهة لهجمات 11 أيلول/سبتمبر.

أثناء تواجده في شرطة نيويورك، اتسعت علاقة قسم شرطة نيويورك بحكومة الإمارات على نحو غير معتاد، ففي 2008 وقع الطرفان على اتفاق، فتحت شرطة نيويورك بمقتضاه مكتبًا في أبوظبي. كما منحت الإمارات مليون دولار لقسم الاستخبارات بمؤسسة شرطة نيويورك في 2012، لتمكينه من نشر محققيه حول العالم، لمساعدة جهات إنفاذ القانون المحلية فيما يتعلق بالحوداث الإرهابية!

وخلال تواجده في شرطة نيويورك، توثقت العلاقات بين سانشيز وكبار المسؤولين الإماراتيين بما في ذلك القصر الحاكم لأبوظبي، إذ لم يكن عالم الاستخبارت مألوفًا للإماراتيين، وهو ما استغله سانشيز ليعرض خدماته عليهم، مخبرًا إياهم بأنه "سيتواجد على الدوام. يمكنك الاتصال في الثالثة صباحًا وسأكون موجودًا"، وهو الالتزام الذي أعجب الإمارتيين حسبما أشار المصدر.

وبينما تزداد قوة العلاقة بين سانشيز والإماراتيين، كان عمله يحظى بعاصفة من النقد في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن تحقيقات السي آي إيه حول تواجد ضباطها في قسم شرطة نيويورك لم يتوصل إلى وجود اختراقات محددة للقانون، إلا أنه خلُص إلى أن الحميمية بين شرطة نيويورك ووكالة الاستخبارات الأرفع في البلاد، كانت تسفر عن تآكل ثقة الشعب في الجهات الأمنية.

يثير بيع الضباط الأمريكيين لمهاراتهم التي اكتسبوها في السي آي إيه جدلًا قانونيًا في أمريكا حول ما إذا كان ذلك مسموحًا به أم لا

وقاد هذا الكشف إلى عاصفة من الغضب الشعبي من مؤسسات الحقوق المدنية التي لم توافق على زعم السي آي إيه بأن دعمها للشرطة لا يعني التجسس على الأمريكيين.

وفي الوقت الذي انتهت فيه هذه العاصفة، وقررت السي آي إيه إنهاء برنامجها في شرطة نيويورك، كان سانشيز قد مهد طريقه إلى الشرق الأوسط بالفعل.

 

يتبع..

 

اقرأ/ي أيضًا:

مصر والإمارات وغيرهما.. أنظمة عربية تحاصر الإنترنت بتقنيات تجسس أجنبية

دولة الانتهاكات.. تقرير أممي يفضح تورط الإمارات في أنشطة عسكرية غير مشروعة