24-ديسمبر-2017

من المرجح أن ابن زايد سيستخدم خبرات ضباط السي آي إيه السابقين لتكريس القمع الأمني (محمد إسماعيل/ أ.ف.ب)

أعدت مجلة فورين بوليسي تقريرًا مطولًا عن الهوس الإماراتي باستنساخ التجارب الغربية، تحديدًا الأمريكية في عالم الاستخبارات، وكيف أنها استقدمت ضباط سي آي إيه سابقين لبناء إمبراطوريتها الجاسوسية، ملقية الضوء على تفاصيل دقيقة بخصوص ذلك. نشرنا في مادة سابقة الجزء الأول من ترجمة التقرير، والسطور التالية هي الجزء الثاني للترجمة بتصرف لتقرير فورين بوليسي.


عندما سقط برجا التجارة العالميان في نيويورك عام 2001، وجدت الإمارات نفسها أمام خطر توجيه الاتهام إليها بشأن الإرهاب الدولي، إذ مثلت الإمارات محطة عبور للإرهابيين ومصدرًا لحركة أموالهم

كانت هجمات 11 أيلول/سبتمبر علامة فارقة للإمارات التي خشيت من اتهامها كونها مثلت محطة عبور للإرهابيين ومصدرًا لحركة أموالهم

وكان اثنان من الإرهابيين مواطنيين إماراتيين، لذا وفقًا لجون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن هجمات 11 أيلول/سبتمبر كانت بمثابة علامة فارقة بالنسبة للإمارات.

اقرأ/ي أيضًا: هوس ابن زايد.. أبوظبي تستعين بضباط "CIA" لبناء إمبراطورية جاسوسية (2-1)

جزء من هوس الإمارات هو الذي دفعها للاستعانة بخبراء غربيين لبناء جهازها الاستخباراتي. وكان هدفها هو تكرار الهياكل الأمنية الموجودة لدى الغرب قدر المستطاع، فأخذت من كل دولة أو مجموعة دول خبراتهم في مجال أمني مُعيّن.

المشكلة في هذا النهج، هو أن ما تقوم به الإمارات أشبه بجمع قطع الأحجية غير المناسبة معًا. يُضاف إلى أن ذلك يكشف أيضًا عن انعدام الخطة والرؤية المركزية.

خلال الفترة التي قضاها لاري سانشيز، ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق، في الإمارات، كان الوجود الغربي في التدريب الاستخباراتي للمجموعات هناك آخذًا في الازدياد. كما عمل كل من ضباط الاستخبارات العسكرية الأسترالية والبريطانية السابقين هناك أيضًا. لكن لاري سانشيز استفاد من علاقته الشخصية مع العائلة الحاكمة في أبوظبي، والتي بناها خلال سنوات عمله في مكافحة الإرهاب مع شرطة نيويورك.

كما ساعدت الحكومة الأمريكية في بعض الأحيان أيضًا بصورة مباشرة. ففي عامي 2010 و2011، عندما بنى الإيرانيون قدراتهم على الهجمات الإلكترونية، سافر مسؤولون حكوميون أمريكيون ومتعاقدون مع وزارة الدفاع الأمريكية، إلى الإمارات، وساعدوا على تدريب الإماراتيين في مجال الأمن الرقمي والعمليات الإلكترونية الهجومية. وفي حين احتضنت الحكومة الأمريكية بشكل عام جهود دول الخليج لبناء كادر خاص بها بمساعدة من الولايات المتحدة، سمح كبار المسؤولين للمواطنين الأمريكيين بالمشاركة في العمليات السيبرانية الهجومية، أي شن هجمات إلكترونية.

وفي أواخر عام 2011، ساعد مستشارو ومتعاقدو الحكومة الأمريكية، في إنشاء شيء شبيه بوكالة الأمن القومي الأمريكية، في الإمارات، تحت اسم "الهيئة الوطنية للأمن الإلكتروني"، واشتركت الولايات المتحدة في كل شيء، من المساعدة في اختيار موقعٍ آمن مع إمكانية الوصول إلى مصادر الطاقة وألياف الاتصالات، وكذا معاينة المباني لتحديد أي منها يصبح عامًا وأيها ينبغي أن يبقى سريًا، وفقًا للوثائق والشرائح التي وصلت لفورين بوليسي من قبل مسؤول المخابرات السابق.

وفي نفس الوقت تقريبًا، وصل لاري سانشيز وفريقه وبدؤوا في تدريس تقنيات المراقبة الداخلية. وبصفته رئيسًا لشركة التعاقد الاستخباراتي" سي إيه جي إن غلوبال - CAGN Global Ltd"، ومقرها في بالتيمور. بدأ سانشيز يدير فريقًا يضم معظم ضباط إنفاذ القانون السابقين، ومسؤولي مخابرات غربيين متقاعدين، وجنودًا سابقين لتدريب المواطنين الإماراتيين على مهارات الجاسوسية والعملاء شبه العسكريين.

وقد نما البرنامج التدريبي، الذي بدأ كإرشاد بسيط مع المسؤولين الإماراتيين، بشكل أسرع مما كان يتوقعه أي شخص مشارك. وبدؤوا بالاعتماد بشكل كبير على لاري سانشيز، لدرجة أنهم أرادوا منه بناء جميع وكالات الاستخبارات الرئيسية في البلاد!

ثم قُسمت هذه الدورات، التي تم تصميمها على غرار تدريب السي آي إيه، إلى قطاعات مختلفة، بما في ذلك "جهاز الاستخبارات الأساسية" التي شملت معسكر التدريب المباشر بالإضافة إلى كتابة التقارير، واستخلاص المعلومات، وتسجيل الملاحظات، وبرنامج الاستخبارات الأجنبية الخارجية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي ودورة إنفاذ القانون، ودورة القوات شبه العسكرية، وبعض الأمور الأخرى، التي يلاحظ أنها مقتبسة بشكل شبه كامل من الهيكل الأمني والاستخباراتي بالولايات المتحدة.

ومن بين برامج التدريب التي حصلت فورين بوليسي على جدولها، ثمة واحد بعنوان "هروب الأرنب"، يقوم المدرب بأخذ الطلاب في مهمة مراقبة. ويُدرب الطلاب على عدم لفت انتباه مدرب آخر يحاول التهرب منهم. كما يدرسون أيضًا "فن المراقبة" وكيفية تحديد الأهداف المحتملة.

وتعتبر دورات المراقبة الخارجية تقريبًا نسخة طبق الأصل من تدريب السي آي إيه. يقول موظف سابق في شركة لاري سانشيز لفورين بوليسي، إنه "بالضبط ما يدرسونه في تدريب المزرعة بالسي آي إيه. إنها نفس المادة". ووفقًا لمصدر ثان مطلع على الشركة، فإن استخدام المدربين للأساليب التي وُضعت على غرار برامج تدريب السي آي إيه، أثار في الواقع تحفظ وغضب وكالة الاستخبارات المركزية، ما دفع إلى إعادة النظر ومراجعة البرنامج الذي انتهى في آخر المطاف في صالح لاري سانشيز.

ففي إحدى الدورات، على سبيل المثال، يقوم متعهدون سابقون من قوات "دلتا" بتدريس المهارات شبه العسكرية، مثل القيادة وإطلاق النار. وأوضح أحد المدربين السابقين أنه "عادةً ما يذهبون إلى تلك الدورة قبل أو بعد إرسالهم إلى أماكن مثل اليمن".

وعلى الرغم من أن المهارات التي تُدرس للإماراتيين مشابهة لتلك التي تدرسها  وكالة المخابرات المركزية، إلا أن أحد المدربين السابقين قال إن الدورات كانت أبسط، مثل ذلك النوع من المهارات التي تراها في حلقة من مسلسل الدراما التاريخي "الأمريكيون - The Americans"، مُضيفًا: "الولايات المتحدة تقوم بتعليم مهارات شبيهة بمهارات سائقي سباقات الناسكار (NASCAR)، ولكننا نعلم أساسيات القيادة".

غير أن جميع الذين أُجريت معهم المقابلات حول تجربتهم، اتفقوا على أنه في حين أن المواد التي تدرس اختلفت درجة تعقيدها، إلا أن المتدربين أنفسهم مبتدئون. أحد المدربين السابقين قال: "كل هذه الأمور كانت جديدة تمامًا عليهم".

القوانين الأمريكية تتعامل مع التدريبات العسكرية في الخارج، باعتبارها نوعًا من "الصادرات" العسكرية وتفرض عليها قيودًا صارمة

بينما كان لاري سانشيز وغيره من متعهدي المخابرات الأمريكية السابقين يوسعون نطاق تدريبهم في الإمارات، كان أحد الأسئلة المزعجة لكثير من المدربين، يتعلق بما إذا كان ما يفعلونه قانونيًا. إذ يواجه الأمريكيون قيودًا على نوع التدريب العسكري والاستخباراتي الذي يُسمح لهم بتقديمه في الخارج، لأن اللوائح الأمريكية المتعلقة بالتجارة الدولية في الأسلحة، وهي مجموعة صارمة من القواعد، تصنف مثل هذا التدريب على أنه نوع من "الصادرات". والأمريكيون الذين يتهربون من تلك القواعد يخاطرون بالملاحقة القضائية.

اقرأ/ي أيضًا: الداخلية القطرية تفضح تورط الإمارات في اختراق وكالة "قنا"

عندما بدأت شركة لاري سانشيز، استطاعت الحصول على رخصة "تصدير" من وزارة الخارجية لإجراء التدريب الأساسي على الأمن والاستخبارات. ولكنها خضعت للمراجعة العام الماضي من قبل العديد من المؤسسات والوكالات الحكومية، بما فيها وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية. وأعرب بعض المدربين عن قلقهم من أن المراجعة تتعلق بتعدي الدورة التدريبية نطاق اختصاصها، على الرغم من أن أحد المصادر قال، إنها كانت متعلقة أكثر بالتأخر في الدفع إلى وزارة الخارجية، وشعور وكالة المخابرات المركزية بالإحباط من استخدام وسائل تدريبية مماثلة لأساليبها الخاصة. ويبدو أن المراجعة قد تم حلها.

توسعت أعمال لاري سانشيز من دورات الاستخبارات المحلية التي ركزت على التجسس والمراقبة الداخلية من خصوم سياسيين، تحديدًا جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي في الإمارات، التابعة لجماعة الإخوان المسلمين؛ ففي الأشهر الستة الأخيرة تقريبًا، بدأ لاري سانشيز وفريقه في العمل على تشكيل جهاز استخبارات أجنبي جديد من خلال مسار "خارجي" يركز على مساعي الإمارات الخارجية الخفية، في دول مثل اليمن وسوريا وليبيا وإريتريا، ولعل حصار قطر يأتي ضمن تلك المساعي.

وأشار مصدران مطلعان على البرنامج التدريبي، إلى أنه حتى وإن كانت الإمارات قادرة على إنتاج جواسيس جُدد، فإن إرسالهم إلى الخارج ليس مضمونًا، وذلك لأن الإمارات لا تمول السفارات في تلك الدول بشكل منتظم، لذا فالدعم المادي لازم للنهوض بهذا البرنامج بشكلٍ كامل، ولا سيما في دول أكبر وأكثر وعيًا بالأمن مثل إيران.

في حين أن الحلم بتصميم سجن مراقبة جماعية (على غرار تصميم الفيلسوف الإنكليزي والمنظر الاجتماعي جيريمي بنثام في القرن الـ18، والذي يسمح لمراقب واحد بمراقبة جميع السجناء دون أن يكون المسجونون قادرين على معرفة ما إذا كانوا مراقبين أم لا)، في دولة استبدادية، قد يبدو خطة تقاعد غريبة لعميل سابق في السي آي إيه، إلا أنّ الإنفاق ببذخ من قبل حكومة أبوظبي على هذا المشروع، ربما يكون دافعًا قويًا للمضي قدمًا في خطة التقاعد هذه، وإن كان يزعم أن مخاوفه الأمنية متشابهة مع المخاوف الأمنية الإماراتية، سواءً ضد الإيرانيين أو الإسلام السياسي.

إلا أن عمل لاري سانشيز في الإمارات لا يخلو من المخاوف. منذ البداية، كان أحد الأسئلة التي طرحها البعض في أوساط الاستخبارات، هي ما إذا كان نظام الإمارات يصف المنتقدين الشرعيين له بأنهم إرهابيون أو عملاء أجانب. وقال مسؤول استخباراتي سابق على دراية بالمنطقة، لفورين بوليسي، إن "دولة الإمارات تتهم أي شخص ضد النظام أنه يعمل لصالح إيران أو لصالح جماعة الإخوان المسلمين".

وحتى في ظل بناء مؤسسات على الطراز الغربي، تشتهر الإمارات بسحق المعارضة السياسية. وقد وثَّقت جماعات حقوق الإنسان حالات من الاعتقال التعسفي وتعذيب النشطاء والمعارضين، كان أبرزها استخدام الحكومة بعض أدوات المراقبة المستوردة لاستهداف أحمد منصور، وهو ناشط بارز معتقل منذ مارس/آذار الماضي.

وقد أقرّ مارك لوينثال، مالك أكاديمية الاستخبارات والأمن، إحدى الشركات المتخصصة في الاستشارات الاستخباراتية والتي تقدم المشورة للشركات والحكومات حول العالم؛ بأنّ سجل حقوق الإنسان في الإمارات "يمثل مشكلة".

هذا وقدْ لا يكون التعاون الاستخباراتي مع الولايات المتحدة من الأمور الجديدة، ولكن استخدام متعهدين من القطاع الخاص لتوفير التدريب الاستخباراتي هو من الظواهر الجديدة نسبيًا، ولا يشعر الجميع بارتياح تجاه ذلك. ويميل موظفو الاستخبارات الأمريكيين ممن يعملون في الإمارات إلى تجنب الاتصال المباشر مع لاري سانشيز أو شركته، حسبما ذكر مصدر إنفاذ القانون السابق. فهم يرغبون في تفادي المظهر "غير اللائق" بالعمل معه، على الرغم من أن السي آي إيه، وغيرها من المؤسسات الحكومية، متورطون بشكل مباشر في التصديق على رخص التصدير/التدريب.

ثمة مخاوف من أن تُستخدم الخبرات المنقولة من الضباط الأمريكيين للإماراتيين، في زيادة الانتهاكات الحقوقية وتكريس القمع

وحتى لو لم يكن لموظفي السي آي إيه اتصال مباشر مع لاري سانشيز، فكذلك لا يبدو أن الوكالة تواجه مشكلة تتعلق بعمله. فوفقًا لما ذكره ثلاثة مصادر، كان رئيس مكتب السي آي إيه في أبوظبي على دراية بمهمة سانشيز، بل عملت زوجته لصالح سانشيز لبعض الوقت.

المثير للاهتمام، أن اثنين من مصادر فورين بوليسي، قالوا إنّ هناك جهودًا لتنفيذ برامج استخباراتية مماثلة في السعودية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تستخدم الأنظمة العربية برامج التجسس الغربية لقمع النشطاء والحقوقيين؟

ليست مجرد ناطحات سحاب لامعة.. إنها إمارات الظلام