20-فبراير-2017

لقطة من فيلم الكيت كات 1991

1

في تشرين الثاني/نوفمبر 1896، سافر الأخوان لوميير من مدينة ليون الفرنسية إلى مدينة الإسكندرية بمصر حاملين معهما أول شريط سينمائي مصوّر. كانت الإسكندرية في ذاك الوقت تنافس العاصمة القاهرة في الكثير لأنها تعتبر بؤرة تجمع الأجانب، وفي نفس الشهر بدأ العرض في العاصمة في صالة "حمام شنيدر"، وكانت هذه العروض عبارة عن السينماتوغراف وهي رسوم تُعرض من خلال آلة عرض تعتمد على الضوء والعدسات ذات الأحجام المختلفة، حيث يتم تسليط الضوء على نيجاتيف متحرك بسرعة معينة يمرّ بالعدسة لتظهر الصورة بالحجم الطبيعي.

كانت أيام بعيدة وكان سعر التذكرة في هذا الوقت يتراوح بين ثلاثة قروش إلى خمسة قروش وكان يُعلن عنها على علب السجائر وأغلفة الشيكولاتة، وتورد بعض المصادر التاريخية أنه كان يتوجب على كل متفرج أن يدفع فرنكًا فرنسيًا كي يتمكن من الدخول إلى الصالون الهندي في الطابق الأرضي لمقهى "جراند كافيه" بباريس، حيث كانت تُقام عروض السينماتوغراف.

حتى عام 1969، أنتجت السينما المصرية 544 فيلمًا، منها 118 فيلمًا استندت على كتب وروايات

 لم تكن السينما وقتها إلا تسجيلًا صامتًا للواقع. كانوا يصوّرون الطبيعة أو القطار أو حركة الناس في الشارع. سينما إخبارية. وكان المدهش بالنسبة إلى الناس أن ترى حياتها وحياة الآخرين على الشاشة. فهل ظلّ الناس يفتّشون عن ذواتهم على الشاشة طوال الوقت؟

2

ثلثا إنتاج سينما العالم مأخوذ عن الروايات، على اعتبار أن فن الرواية مصدر رئيسي للنظر داخل الإنسان ومخزن أفكار ضخم، ومع ذلك كان روائي مثل جارثيا ماركيز يشعر بنوع من الاستعلاء والفوقية إزاء السينما، فكان يرفض تحويل بعض رواياته إلى أفلام، وعلى الرأس منها "مئة عام من العزلة".

اقرأ/ي أيضًا: ختام مهرجان برلين الـ67.. ما الأفلام الفائزة؟

وهناك عدد من الكتب الروائية العظيمة نُقلت إلى السينما، منها "طائر فوق عش الوقواق، عازف البيانو، لا وطن للمسنين، عربة اسمها الرغبة"، بل إن هناك أفلامًا فاقت الروايات المأخوذة عنها نجاحًا، ومنها "الأب الروحي" و"الفك المفترس". وهناك على الطرف الآخر كتب أفسدتها السينما مثل "جاتسبي العظيم".

بالنسبة للسينما المصرية، ووفق دليل أعدّه الأستاذ محمود قاسم، فإنه في العشر سنوات الأولى للسينما المصرية، تم إنتاج 80 فيلمًا طويلًا، تسعة منها مأخوذة من كتب أدبية، وأهمها فيلم "زينب" لمؤلفه محمد حسين كامل ومخرجه محمد كُريّم، وفيلم "وداد" لأحمد رامي، وعملان استندا لأعمال أجنبية، هما "دموع الحب" عن "ظلال الزيزفون"، و"عمر وجميلة" عن قصة لهنري بوردو.

وعلى امتداد السنوات التالية، ترد أرقام لافتة تكشف الكثير عن دلالات العلاقة بين الأدب والسينما المصرية وطبيعة هذه العلاقة وسبل استمرارها أو جفافها. ففي عام 1960، تم اقتباس 14 فيلمًا من حصيلة الأفلام المنتجة في تلك السنة والتي وصلت إلى 60 فيلمًا، منها "البنات والصيف" لإحسان عبد القدوس و"الرباط المقدس" لتوفيق الحكيم و"نداء العشاق" لعبد الحي أديب" و"بداية ونهاية" لنجيب محفوظ.

في عام 1961، ظهر فيلم "السفيرة عزيزة" لأمين يوسف غراب و"لا تطفئ الشمس" لإحسان عبد القدوس و"نهر الحب" عن "آنا كارنينا" لتولستوي. وفي العام التالي، اقتبست السينما المصرية 9 أفلام من أصل 46 فيلمًا منتجًا، منها "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ و"ألمظ وعبده الحامولي" لعبد الحميد جودة السحار.

وحتى عام 1969، أنتجت السينما 544 فيلمًا، منها 118 فيلمًا استندت على كتب وروايات، أبرزها "زقاق المدق" لمحفوظ و"سجين الليل" عن "الغريب" ليوسف إدريس و"الأيدي الناعمة" لتوفيق الحكيم و"البوسطجي" و"قنديل أم هاشم" ليحيى حقي و"النظارة السوداء" لإحسان عبد القدوس، ثم تلا ذلك "بين القصرين" لمحفوظ و"الحرام" ليوسف إدريس و"المستحيل" لمصطفى محمود و"هارب من الأيام" لثروت أباظة.

اقرأ/ي أيضًا: الأفلام الرياضية ما بين الدراما والمؤثرات

قبل عام 1967، كان المعدل العالي لإنتاج السينما المصرية، وكذلك للاعتماد على الأصل الأدبي، فنجد عام 1966 حوالي 50% أفلامًا مأخوذة عن أعمال أدبية، أبرزها "خان الخليلي" لمحفوظ و"يا عزيزي كلنا لصوص" لإحسان، و"عدو المرأة" لمحمد التابعي.

ثلثا إنتاج سينما العالم مأخوذ عن الروايات، على اعتبار أن فن الرواية مصدر رئيسي للنظر داخل الإنسان ومخزن أفكار ضخم

والعام التالي اقتربت النسبة من 60% (19 فيلمًا من 30)، وبعدها أصبحت 15 فيلمًا من 37، ثم 15 فيلمًا من 44 في عام 1969. مع سنوات التسعينيات التي تم فيها إنتاج نحو 400 فيلم، تتناقص النسبة إلى أن تصل إلى 6 أفلام عام 1999 من 17 فيلمًا منتجًا في ذلك العام.

3

عام 1991، وقع اختيار المخرج داود عبد السيد على الرواية القصيرة "مالك الحزين" لإبراهيم أصلان وعرضها على المنتج حسين القلا الذي تحمّس لإنتاج الفيلم، والذي كانت بطولته للراحل محمود عبد العزيز. شهد "الكيت كات" لقاء بين عمدتين، كل في مجاله، فعبد السيد مخرج وكاتب سينمائي بارع وأصلان واحد من أرق الحكّائين المصريين، لذلك كانت النتيجة مبهرة وجديرة بالخلود في ذاكرة السينما.

قام عبد السيد بالاقتباس الحرّ للرواية، وطوّعها لتشييد عمارة سينمائية فريدة، دمجًا لبعض الشخصيات وإخفاءً لشخصيات أخرى مع الإبقاء على الرواية كخط أساسي للفيلم، فقدّم رؤيته للعالم من خلال نصّ أدبي، وجعل من النصّ منطلقًا دون أن يخضع لسلطته، بل أعاد بناء عالمه بالشخصيات ذاتها التي بنى بها أصلان "مالك الحزين"، ولكن بوجهة نظر أخرى وبترتيب مختلف، مغيّرًا ما يتناسب مع رؤيته فجعل من الشيخ حسني بطلًا رئيسيًا في الفيلم، تنطلق منه الأحداث وإليه تعود، فجاء الفيلم يقتفي أثر هذه الشخصية الفاتنة ومغامراتها وعلاقتها بأسرار الحيّ، فوُلد الفيلم من رحم نصّ أدبي تحرّر منه بوجهة نظر جديدة، لتبقى العلاقة ما بين السينما والأدب علاقة جدلية فيها تكامل وإثراء.

اقرأ/ي أيضًا:
أوسكار أفضل فيلم أجنبي (1990-2016) لمن ذهبت؟
فيلم "Me Before You": عندما تقتل السينما الأمل