08-يونيو-2018

قد يقبل العراق على صراعات عشائرية بعد أزمة المياه (Getty)

تثير أزمة المياه في العراق بسبب الشح المائي وبناء سد اليسو الذي سيزيد من آثارها، عدة مخاوف، منها بروز الصراعات المناطقية بسبب الحصص المائية التي ستقل، والتي ستحصل عليها بعض المحافظات، وربما تنقطع عن محافظات عراقية أخرى، نتيجة لغياب التنظيم الذي تقوده الدولة، وقوة العشائر في المناطق الزراعية خصوصًا، إضافة إلى الصراعات العشائرية، ورجوع الاصطفافات الطائفية.

تثير الأزمة المائية في العراق مخاوف من حروب عشائرية في ظل غياب الدولة

صراعات مناطقية

في منتصف آذار/مارس 2018 اقتحم محافظ المثنى فالح الزيادي، محافظة الديوانية على رأس قوة عسكرية كبيرة. كان سبب اقتحامه هو شح المياه الذي فاجأ مدن منطقته، والذي تسبب بـ"عطش مليون مواطن من أهالي محافظته"، بحسب تصريح له على وسائل إعلام محلية. وأفرز اقتحامه عن رفع التجاوزات عن النهر الذي يغذي محافظة المثنى.

انتشر وقتها مقطع فيديو يظهر فيه محافظ المثنى برفقة قوة عسكرية مصحوبة بجرافات لأجل رفع التجاوزات عن المياه في محافظة الديوانية، وأنتج هذا التحرك صراعًا بين إدارة المحافظتين، واصطفافات ضد بعضهما، وكل ذلك بسبب أزمة المياه في العراق. 

ومع بداية حزيران/يونيو الجاري، وجهت اللجنة الزراعية في محافظة ذي قار، جنوب العراق، الدوائر المختصة بحفر الآبار الارتوازية العميقة واستحداث آبار جديدة لمواجهة أزمة المياه والتي تتعرض لها المحافظة بسبب بدء ظاهرة الجريان العكسي للمياه، من مناطق الأهوار باتجاه حوض نهر الفرات. ومنابع المياه في ذي قار تأتي من محافظتي الكوت والمثنى، وهو ما يعطي تصورًا  حول احتمال نشوء صراع مناطقي جديد، بين الجنوب والوسط من جهة، والجنوب والفرات من جهة أخرى، وإعادة الصراع من جديد بين محافظتي الديوانية والمثنى على المياه، فيما لو تفاقمت أزمة المياه في العراق بعد بدء تركيا بملء سد اليسو. وقد طالبت حكومة ذي قار المحلية في العام الماضي، بتدخل الحكومة الاتحادية لإيقاف التعديات على الحصة المائية للمحافظة من المحافظات الأخرى، ما يؤثر سلبًا في مستوى منسوب المياه في المحافظة.

اقرأ/ي أيضًا: سباق تركيا وإيران على مياه العراق.. عطش الرافدين على الأبواب!

يعتمد الحديث الذي تواجه به إدارة المحافظات الناس عند شكاويهم من أزمة المياه في العراق في المزارع والبيوت، على رمي الأسباب على المحافظات الأخرى، وهو ما يعده مراقبون، تعبئة للكراهية بين المناطق قد تتسبب بتأجيح الصراع. ويتجاهل المروجون لهذه الخلافات، أن على الحكومة حل هذه المشاكل بنفسها، لا اللجوء إلى التصريحات المتبادلة التي تؤثر على علاقة أبناء المحافظات ومصالحهم المشتركة.

حروب عشائرية

ولا بد عند الحديث عن أزمة المياه في العراق من مثول الصراع العشائري كعامل بارز أنتجته او ستنتجه الأزمة، وهناك شواهد حصلت في الأزمة التي عرفتها محافظة ذي قار سابقًا، ومن جانب آخر محافظة المثنى، إذ حصلت في 2 آذار/ مارس الماضي، نزاعات عشائرية تطورت إلى اشتباكات مسلحة، بسبب شح المياه وتقليل حصص مزارع المحافظة في ذي قار جنوب العراق.

وقد صرّح وقتها المسؤول المحلي لناحية الإصلاح، شرق محافظة ذي قار، علي رداد، أن "أكثر من 20 نزاعًا تطور إلى اشتباكات مسلحة بين العشائر في الناحية، كان سببها شح المياه الذي تمر به ذي قار منذ فترة طويلة ولم نتوصل إلى حلول على المستوى المحلي ولا على المستوى العام". لافتًا إلى أن "الخلافات كانت قبل سنتين ضمن الإطار الطبيعي والمعهود، إلا أن هذا العام شهد نزاعات مسلحة بسبب التراجع الحاد في مستوى المياه إلى الحد الذي يؤثر في إنتاجية مزارع الفلاحين وعلى فرص العمل"، متوقعًا "اندلاع صراعات كثيرة في حال بدأ الجانب التركي في ملء سد اليسو في حزيران/يونيو"، فضلًا عن الاصطفاف الذي حصل عند الأزمة بين محافظة المثنى والديوانية، وهي محافظات يغلب عليها الطابع العشائري، لا القانون المدني للدولة.

ويرى مراقبون أن أزمة المياه في العراق، ربما ستنتج ظاهرة بروز عامل القوة والعدد في قدرة العشيرة على ضمان حصة المياه، إذ ستسيطر العشيرة التي تمتلك سلاحًا أقوى وعددًا أكثر على حصص مائية أوسع من العشيرة الضعيفة، ومن جانب آخر، فإن هناك مناطق تسكنها عشيرة واحدة، وربما ستشهد هذه المناطق صراعًا بين أبناء العشيرة الواحدة، الذين كانوا يتضامنون ضد العشائر الأخرى في المعارك المستمرة التي يشهدها العراق بسبب تراجع سلطة القانون وضعف الدولة.

اقرأ/ي أيضًا: عطش الرافدين عبر فيسبوك.. العراق بلا مياه أو وزارة!

ووفقاً لما تقدم، فإن أزمة المياه في العراق تهددد جديًا بتنامي كافة النزاعات التي يعاني منها العراق بالأصل. من جانب فإن العشائر تسيطر على مناطق لم تتمكن الدولة من فرض القانون عليها بالمطلق، وستكون بسبب شح المياه عبارة عن "غابة" البقاء فيها للأقوى. إضافة إلى توقعات باشتداد الصراع بين سكان الأقاليم الجغرافية بين الوسط والجنوب ثم بين الوسط والجنوب من جهة والشمال والغرب من جهة أخرى، وهذا يعبر عن مخاوف وتحذيرات يطلقها مراقبون من إعادة الصراع الطائفي بسبب حصص المياه، ولعل السياسيين سيستثمرون هذا لصالحهم كما في الحوادث السابقة.

يهدد شح المياه جديًا بتنامي كافة النزاعات التي يعاني منها العراق بالأصل

ويضاف إلى ذلك رجوع الصراع بين بغداد والإقليم، بسبب المياه التي قطعتها إيران عن إقليم كردستان، ويشير هذا إلى أن الإقليم سيأخذ ويحافظ على حصته من المياه من دون النظر لبغداد وباقي المحافظات، وأزمة المياه في العراق بشكل عام، نظرًا لامتلاك إقليم كردستان ثروة مائية كبيرة ومنابع للمياه العذبة على مستوى البلاد

ورغم خطورة الأوضاع فإن خلية الأزمة المشكلة كانت خجولة، ولم تكن خلية أزمة بالمعنى الحقيقي، بل لجنة ضمت وزراء الموارد المائية والكهرباء والزراعة، ولم تكن نتائجها بمستوى الكارثة، فضلًا عن تصريحات وزير الموارد المائية الذي أثار ضجة، بنصحه الناس بملء خزانات في بيوتهم، ما عده متابعون عدم سيطرة أو امتلاك رؤية بعيدة لإدارة الخطر القادم الذي تمثله أزمة المياه في العراق. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

احتجاجات الكهرباء في كربلاء.. أيادٍ حزبية وراء الفوضى وتشويش الحراك

الطغاة سبب الكوليرا