06-يناير-2020

تهدد النزعات القومية وحدة بريطانيا بعد بريكست (Getty)

بعد أن حُسمت مسألة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، بدأت التداعيات المتوقعة لهذا القرار تطفو على السطح، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بل أيضًا بدأت تظهر جملة من التداعيات قد تصل حسب ما يقول خبراء إلى درجة تهديد وحدة المملكة المتحدة، التي تتألف من أربعة أجزاء بدأت بالتشكل  منذ عام 927 حتى أخذت شكلها النهائي في عام 1921.

 أعاد استفتاء البريكست تفجير النزعات القومية والانفصالية داخل بريطانيا، نظرًا لأن أصحاب النزعة القومية هم من كانوا يقودون تيار الطلاق مع الاتحاد الأوروبي

في عام 927 تكونت مملكة انكلترا، ثم انضمت لها مملكة ويلز في عام 1535، لتتبعها اسكتلندا عام 1707 ومن ثم الجزيرة الإيرلندية في عام 1801. وفي وقت لاحق وفي أعقاب الحرب الأهلية التي عصفت بالجزيرة الإيرلندية، تشكلت جمهورية إيرلندا عام 1921، بمعنى أن السياق التاريخي الذي أفضى إلى هذا الواقع كان محصلة مخاض طويل وعسير، تخلله الكثير من المنعطفات التاريخية الخطيرة. ولكن في المحصلة كان هذا هو شكل المملكة المتحدة على امتداد آخر مئة عام، على الرغم من وجود العديد من التيارات القومية الراغبة باستقلال هذه الأجزاء الأربعة بعضها عن بعض.

اقرأ/ي أيضًا: بريكست ما بعد فوز جونسون.. وضوح الشعبوية يفوز وغموض اليسار يخسر

 أعاد استفتاء البريكست تفجير هذه النزعات القومية، نظرًا لأن أصحاب النزعة القومية هم من كانوا يقودون تيار الطلاق مع الاتحاد الأوروبي بينما كانت الأغلبية في إيرلندا واسكتلندا ترغب في البقاء في الاتحاد الأوروبي، حيث صوت الاسكتلنديون بنسبة 62 بالمئة على "البقاء"، بينما صوتت المملكة المتحدة ككل بنسبة 52 بالمئة على مغادرة الاتحاد الأوروبي، في استفتاء عام 2016.

اسكتلندا ترغب بإعادة الكرّة

في ظل هذه المعطيات، بدأت الأصوات تعلو في اسكتلندا  للمطالبة بالاستقلال، وقد تم إجراء هذا الاستفتاء بالفعل في عام 2014. عندها، أجاب 55.3 بالمئة من الناخبين على سؤال "هل يجب أن تكون اسكتلندا دولة مستقلة؟"، بالنفي. وكان العامل الذي حسم هذه النتيجة هو أن الغالبية كانت ترى أنها مستفيدة، على المستوى الاقتصادي، من تموضعها داخل المملكة المتحدة، وهي في ذات الوقت جزء من الاتحاد الأوروبي. ولكن تغير المعطيات في اللحظة الراهنة غير هذا المزاج العام، حيث أن القيود التي سوف تفرض على التجارة ما بين اسكتلندا والاتحاد الأوروبي سوف تتسبب بأضرار جسيمة على المستوى الاقتصادي.

هل ستكون وحدة المملكة ثمن بريكست؟

كلما اقترب الموعد النهائي لتاريخ الخروج، كلما أصبحت هذه المخاطر أكثر حضورًا ووضوحًا، على الرغم من كل كلمات التطمين التي أطلقها رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون.

وعلى الرغم من أن الأمم المؤسسة للمملكة المتحدة تتمتع بكثير من الصلاحيات على المستوى السياسي، حيث تم منحها استقلالية واسعة عن لندن على مستوى الحكومة المحلية والبرلمان، فإن كلًا من اسكتلندا وإيرلندا الشمالية وويلز ترتبط  بإنجلترا في الملف الخاص بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو الموقف الذي يتسبب في الكثير من التوترات، ذلك أن التفاوت في المواقف من مسألة العضوية الأوروبية أصبح أعلى صوتًا مع تقدم المفاوضات حول اتفاقية الخروج. وقد فاز الحزب الوطني التقدمي بأغلبية ساحقة في اسكتلندا بحصوله على 48 من أصل 59 مقعدًا مخصصًا لاسكتلندا في مجلس العموم البريطاني.

هذا الانتصار يتيح لرئيس وزراء اسكتلندا، نيكولا ستورجون، أن يدعو إلى إجراء استفتاء جديد حول استقلال اسكتلندا لكي تتمكن من البقاء في الاتحاد الأوروبي. يقول ستورجيون إن الوضع "تغير بشكل كبير" منذ ذلك الحين.

 تبدو المشكلة بالنسبة لهذا التيار أن قرار إجراء استفتاء جديد حول الاستقلال يتم  فقط بموافقة لندن، ويطالب الجانب الاسكتلندي رئيس الوزراء بوريس جونسون بنقل السلطات التشريعية إلى الحكومة الاسكتلندية للقيام بهذه المهمة. لكن رئيس الوزراء المحافظ  لا يزال يعارض هذه الفكرة بشدة، ويبدو أن ميزان القوى أمر لا مفر منه، حتى لو دَعم الحزب الوطني الاسكتلندي فكرة إجراء استفتاء جديد عبر الإنترنت.

فرضية إعادة توحيد إيرلندا

في إيرلندا الشمالية، يُنظر إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أنه عنصر يمكن أن يعيد مشاكل الماضي. اليوم، لا توجد أي حدود مادية بين جمهورية إيرلندا وإيرلندا الشمالية الملحقة بالمملكة المتحدة. هذا التجسيد هو نتيجة لاتفاق السلام يوم الجمعة العظيمة، والذي تم توقيعه في 10 نيسان/أبريل 1998، لإنهاء 30 عامًا من الحرب الأهلية بين البروتستانت النقابيين في الشمال والكاثوليك الوطنيين في إيرلندا، دون الإشارة إلى أن وجود جميع هذه العناصر داخل الفضاء الأوروبي هو ما سمح بتحقيق هذه النتيجة.

اقرأ/ي أيضًا: بريكست والإنترنت والفردانية.. القصة الكاملة لانهيار توماس كوك

 ورغم الحل الذي استطاع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون التوصل إليه في سياق مفاوضاته مع الاتحاد الأوروبي، عبر شبكة الأمان، إلا أن ذلك لن يمنع من إعادة طرح المشكلة من جديد، الأمر الذي سوف يعيد تأجيج المشاعر القومية لدى قاطني الجزيرة الإيرلندية، كما أنه سوف يعيد الحسابات الاقتصادية والخيارات المتاحة بين البقاء في إطار المملكة المتحدة أو البقاء مع أوروبا.

في إيرلندا الشمالية، يُنظر إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أنه عنصر يمكن أن يعيد مشاكل الماضي

كل هذا، يعيد طرح أزمة صعود المسألة القومية في أوروبا من زاوية المصالح الاقتصادية والتاريخ وسواهما، وهو يثبت الأسئلة الضرورية والمطروحة اليوم على القارة وبلدانها، وهي أسئلة وجودية عندما يتعلق الأمر بالاتحاد الأوروبي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بوريس جونسون وتعقيدات بريكست.. الديمقراطية البريطانية في خطر؟