03-يونيو-2017

من إعلان حديد المصريين (يوتيوب)

في قاعات كلية الإعلام، كان الدرس الأول: "لا بد أن تسبق الجمهور بخطوتين، لا تقف معه على خط واحد، لا تنفعل انفعال القارئ، لا تضع نفسك بين المتفرِّجين، اسمع منهم ولا تتأثر. اخلع نفسية جمهور الدرجة الثالثة قبل أن تكتب أو تعد برنامجك أو تقدم رسالتك، فأنت هنا لست متلقيًا".

هذه مقدمة يفرضها علينا كريستيانو رونالدو. حين ظهر في إعلان حديد المصريين بالقاهرة كان لافتًا، رغم أنه "دوبلير"، كان يمكن أن يقدّم إعلانًا لماركة أحذية، لحزمة "تيشيرتات" رياضية، أو لنوع جديد من العصير يمنح من يشربه طاقة ربما تدفعه إلى العالمية، لكن ما الذي يغري المستهلك، المقاول الذي يبيع ويشتري زبائنه، في كريستيانو رونالدو ليشتري حديدًا مسلحًا –أو أعزل– من شركة يعلن عنها لاعب كرة عالمي؟!

تحولت الإعلانات من أهم أهدافها وهي إثارة الحديث عن المنتج، إلى إثارة الحديث عن الإعلانات نفسها ونجومها

لا شيء سيغريه، فالمقاول يبحث عن سعر أقل ومتانة أكبر وقدرة على التحمل أعلى ورغبة في عدم الانحناء، هذا ما يريده من الحديد، لا يريد منه أن يكون مرنًا أو سريعًا أو أشقر أو أجعد، أو يتحدث بأكثر من لغة، أو رونالدو.

اقرأ/ي أيضًا: 9 أرقام قياسية عصية على كريستيانو رونالدو

تحول الإعلان من أهم أهدافه، وهو إثارة الحديث عن المنتج، إلى إثارة الحديث عن الإعلان نفسه، وعن نجمه، لدى شريحة ربما لا تهتم بالحديد من الأساس، إنما تهتم بكريستيانو رونالدو، بينما الفئة التي يجب أن يستهدفها الإعلان، لا تتابع لاعب ريال مدريد العالمي، إنها تبحث دائمًا عن الحديد، وعن مواد البناء، وعن السعر الأرخص، لا دخل لعملها بالكرة!

بعد ثلاث سنوات من تقديم حملات إعلانية مضمونها الحنين إلى الماضي لدرجة أنها أحيَت ممثلين ماتوا وشبعوا موتًا مثل أحمد زكي وفؤاد المهندس، انتقلت إعلانات رمضان إلى مرحلة جديدة، وهي الأغنية اللطيفة التي تلتصق باللسان والتصوير المبهر والقصة الحلوة، لكن الثلاثة، الأغنية والتصوير والقصة، لا يعبّرون في كثير من الأحيان عن المنتج.

لم يعد فن إغراء المستهلكين لشراء المنتج، إنما إغراؤهم لإعادة تشغيل الإعلان عشرة وعشرين و100 مرة على يوتيوب لأنه لطيف، وعابر، لكنه أحيانًا، لا يحتوي على كلمة واحدة تعبر عن السلعة أو الخدمة، فما علاقة كريستيانو رونالدو بالحديد والمقاولات في مصر؟ لا شيء.

اقرأ/ي أيضًا: 4 إعلانات مصرية أثارت السخرية في رمضان

على جانب آخر، إعلان فودافون، شركة الاتصالات الأشهر في مصر، استعان بعدد من الفنانين للحديث عن "أول مرة في رمضان"، رمضان صبحي يقضي رمضان وحده في لندن لأول مرة، وكندة علوش وعمرو يوسف معًا لأول "شهر صيام" بعد الزواج، وكوبر مدرب الفراعنة، لأول مرة يأكل فتة من شارع المعز. الفكرة حُلوة وجديدة وجميلة وعظيمة، لكن ما علاقة كل ذلك بالاتصالات؟

فقد إعلان فودافون الهدف من ورائه، فالإعلان لم يُغيِّر شيئًا من الصورة الذهنية عن الشركة، لم يقدم خدمة جديدة، ولم يضِف إلى المسؤولية الاجتماعية لها، وإنما اكتفى فقط بتقديم "فيديو" ربما يحقّق أكثر من عشرة ملايين مشاهدة على يوتيوب.

على الشركات أن تعرف ما الذي تقدمه للجمهور وما الذي ينتظره منها الجمهور، وأن تغريه لشراء السلعة وليس لمشاهدة الإعلان

واعتقاد بعض من مستخدمي فيسبوك، من أوّل لحظة، أن إعلان شركة أورنج الذي قدَّمه محمد هنيدي هو إعلان لمحل حلويّات جديد يُقدم الكنافة بوصفة مبتكرة أًخرى، إنما هو دليل على أن الحملة الإعلانية فشلت، فالكوميديان المصري يقفز داخل التاكسي ويركب الدراجة النارية، ويتعطّل في زحمة السير، ويخوض مغامرة لشراء الكنافة، فما علاقة كل ذلك بدقائق المحمول والإنترنت؟

تريد الشركات قبل أن تقدم حملاتها الإعلانية، أن تعرف ما الذي تقدمه للجمهور أولًا، وما الذي ينتظره منها الجمهور، وأن تغريه لشراء السلعة، وليس لمشاهدة الإعلان على يوتيوب، وتتبعه –فيما بعد- على كل الفضائيات، فالسلع لا تنجح ولا تبيع بكثرة مشاهدة إعلاناتها!  

 

اقرأ/ي أيضًا:

فن البروباغندا المثيرة.. ماذا تعرف عن حقيقة جاستن ترودو المزيف؟

دراما رمضان المصرية.. فضائح الأسبوع الأول