11-يناير-2025
اليمين المتطرف النمسا

مظاهرات مناهضة لحزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا في 9 يناير الجاري (رويترز)

 

يُنظر إلى الأزمة السياسية في النمسا على أن سببها الرئيسي سياسات حزب الحرية اليميني المتطرف الميّال في الأجندة السياسية للكرملين، ومثل جميع أحزاب اليمين المناهضة للمهاجرين، لكن الحال مع هذا الحزب اليميني الصاعد الذي من المتوقع أن يغيّر المشهد السياسي في النمسا، تتمثل في السياسات المالية التي قد تؤدي إلى فرض عقوبات أوروبية في حال فشلت في تلبية شروط الاتحاد الأوروبي المعمول بها.

 

اليمين المتطرف يقود مفاوضات تشكيل حكومة ائتلافية

دخل حزب الحرية في النمسا، أكبر كتلة برلمانية بنسبة 29 بالمئة، في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب، ثاني كبرى الكتل البرلمانية بنسبة تقارب 26 بالمئة، أمس الجمعة، والتي سيكون محورها إعادة هيكلة الميزانية على مستوى الخبراء، دون حضور زعيم حزب الحرية، هربرت كيكل، ونظيره زعيم حزب الشعب بالإنابة، كريستان ستوكر، حيث من المتوقع أن تظهر نتائج المفاوضات في وقت لاحق من الأسبوع المقبل، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء النمساوية.

دخل حزب الحرية في النمسا، أكبر كتلة برلمانية بنسبة 29 بالمئة، في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب، ثاني الكتل البرلمانية بنسبة تقارب 26 بالمئة

لكن الخلاف بين الحزبين لا يتوقف عند الملف المالي، إذ وفقًا لتصريحات زعيم الكتلة البرلمانية لحزب الشعب، أغسطس ووجينجر، فإن المفاوضات يجب أن تركز أيضًا على إبقاء النمسا ضمن سياسات التكتل الأوروبي الليبرالية، والتي لخصها بالتأكيد على "الدور البناء للنمسا في الاتحاد الأوروبي"، بالإضافة إلى "الحفاظ على ديمقراطيتنا الليبرالية ودولتنا الدستورية"، وكذلك "الالتزام الواضح بمكافحة معاداة السامية والتطرف".

أما بالنسبة لحزب الحرية، فإن الأمر يبدو بسيطًا، فهو يتجنب ما ذكر سابقًا، بالتأكيد على أن المفاوضات يجب أن تركز على إعادة هيكلة الميزانية، وفقًا للقيادي في الحزب، مانفريد هايمبوشنر، وهو ما يمكن استخلاصه من حديثه "يجب أن يكون الأمر واضحًا بشأن كيفية التعامل مع الأمور المالية في المرحلة المقبلة"، مقللًا من تلويح زعيم الحزب بالدعوة إلى انتخابات جديدة، والتي يرى أنها "إيجابية"، وفق تعبيره.

في شأن هيكلة الميزانية، يقترح حزب الحرية تخفيف الضرائب على الشركات وخفض أعباء الرواتب، دون أن يقدم بديلًا يغطي الخسائر الناجمة عن هذا التخفيف الذي قد يؤدي إلى انخفاض في الإيرادات العامة. ومن بين المقترحات أيضًا، تنفيذ مشاريع رمزية منخفضة التكلفة، عدا عن وجود خطط لفرض حظر على الحجاب، وهي محاولة ستزيد من شعبية حزب الحرية.

أما على مستوى السياسة الخارجية، الواضح أن الحزبين لديهما سياسات مختلفة، مرتبطة بالعقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا، وأيضًا الدور الأمني للنمسا ضمن الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الانضمام إلى مبادرة الدرع السماوي الأوروبي، التي يعارضها حزب الحرية، الميال لتبني سياسات مرتبطة أكثر بـ"الحياد الواثق".

 

خلافات مالية وسياسية

يشير تقرير لموقع "بوليتيكو" الأميركي إلى أن الخلاف الرئيسي لفيينا مع التكتل الأوروبي يتمحور في صيغته الرئيسية حول الإنفاق العام. فالدولة التي كانت حتى وقت قريب معروفة بـ"انضباطها المالي"، تواجه اليوم خطر تعرضها للعقوبات من المفوضية الأوروبية بسبب الإنفاق المفرط في الفترة من 2024 حتى 2026، الأمر الذي يفرض عليها تقديم خطة مالية لخفض الإنفاق واضحة المعالم قبل 21 كانون الثاني/يناير الجاري.

الخلاف الرئيسي لفيينا مع التكتل الأوروبي يتمحور حول الإنفاق العام. فالدولة التي كانت حتى وقت قريب معروفة بـ"انضباطها المالي"، تواجه اليوم خطر تعرضها للعقوبات من المفوضية الأوروبية بسبب الإنفاق المفرط في الفترة من 2024 حتى 2026

وفي حال فشلت فيينا في تقديم خطة تقليص الإنفاق العام في الموعد المحدد، فإنها ستواجه مصيرًا مشابهًا في التصنيف لإيطاليا وفرنسا المثقلتين بالديون، وفقًا لـ"بوليتيكو". إذ إنها مطالبة بتقديم مجموعة من التدابير تظهر قدرتها على خفض عجز الإنفاق العام إلى أقل من 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المقبلة، وذلك قبل المهلة المحددة لها.

وكانت المفوضية الأوروبية قد منحت النمسا مهلة إضافية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لإعادة صياغة هيكليتها المادية، على الرغم من أن حجم العجز في الميزانية يتطلب فرض عقوبات من التكتل الأوروبي. وبحسب ما نقلت "بوليتيكو" عن متحدث باسم المفوضية الأوروبية، فإنه "لتلبية المتطلبات، يجب الإعلان عن الحزمة بشكل موثوق وتفصيلها بشكل كافٍ قبل موعد اجتماع إيكوفين"، في إشارة إلى اجتماع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي "إيكوفين" في 21 كانون الثاني/يناير الجاري.

 

أول حكومة يقودها اليمين المتطرف منذ الحرب العالمية الثانية

في قراءة سابقة قدمتها وسائل إعلام غربية، والتي جاءت في أعقاب إعلان حزب الشعب انهيار المفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية بين الأحزاب الوسطية، وتكليف رئيس النمسا، ألكسندر فان دير بيلين، زعيم حزب الحرية بتشكيل حكومة للبلاد، بعد نحو ثلاثة أشهر من انتهاء الانتخابات البرلمانية، تبدو النمسا أكثر قربًا من تشكيل حكومة يقودها اليمين المتطرف، خاصة أن استطلاعات الرأي تظهر أنه في حال تم الإعلان عن انتخابات مبكرة، فإن حزب الحرية سيحصل على 37 بالمئة من الأصوات، في مقابل 21 بالمئة لحزب الشعب، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.

في حال تمكن حزب الحرية من تشكيل حكومة ائتلافية، فسيكون أول حزب يميني متطرف يرأس حكومة في النمسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية

يرجع تاريخ تأسيس حزب الحرية إلى عام 1956، والذي جاء على يد أعضاء سابقين في قوات الأمن الخاصة النازية، بحسب ما تقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية. وعادة ما يستبق الحزب كلمة زعيمه بالإشارة إليه بـ"مستشار الشعب"، وهي كلمة ألمانية تستحضر صعود الزعيم النازي أدولف هتلر. وفي حال تمكن من تشكيل حكومة ائتلافية، فسيكون أول حزب يميني متطرف يرأس حكومة في النمسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ووفقًا لـ"نيويورك تايمز"، فإن التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل حكومة ائتلافية بين حزبي الحرية والشعب سيكون أسهل من تشكيل حكومة ائتلافية تضم أحزابًا مختلفة، والتي عادة ما تستغرق أسابيع. وفي حال لم يتمكن الحزبين من تشكيل حكومة ائتلافية، فإن الرئيس سيدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة، وهو أمر نادر الحدوث في النمسا، وهي من الدول يمنحها موقعها الجغرافي أهمية كبيرة في القارة العجوز.