19-مارس-2019

لا يبدو أن المسؤولين الغربيين مهتمين بالدعوات المطالبة بتجريم الإسلاموفوبيا (أ.ف.ب)

هل يجب أن يُستصدر قانون ما من جهة دولية، ليتورع العالم عن التعاطي مع ملامح فكرة مدمرة؟ ربما. لكن النشطاء حول العالم يحاولون في كل مرة ألا يفوق طموحهم سقف لفت الانتباه، لتصعيد الظاهرة عبر تصريحات سياسيين أو تبني مؤسسات.

 هناك دلائل على أن السياسيين الغربيين يتعامون متعمدين عن وجهات نظر الإسلاموفوبيا وتأثيراتها في نقاشاتهم وملفاتهم

في صباح يوم الجمعة الماضية، بينما كانت أخبار مجزرة نيوزيلندا التي راح ضحيتها قرابة 50 قتيل ومثلهم من المصابين، كان السير مارك رولي، الرئيس السابق لمكافحة الإرهاب في شرطة المتروبوليتان، يعلق على المشهد المرعب في، حين قال إن رهاب الإسلام، أو ما يعرف بـ"الإسلاموفوبيا" لا يمكن أن يكون ظاهرة!

اقرأ/ي أيضًا: أوروبا واليمين.. عصر الظلام المقبل

توثيق الإسلاموفوبيا.. دعوات للتحقيق والاهتمام

سعيدة وارسي وهي محامية بريطانية من أصول باكستانية، وعضوة في مجلس اللوردات، كانت قد دقت ناقوس الخطر حول ملامح واضحة للإسلاموفوبيا في الحزب المحافظ الذي تنتمي له، وبصفتها امرأة عانت شخصيًا من إساءات لكونها من أصول مهاجرة مسلمة؛ حينئذ رد براندون لويس رئيس حزب المحافظين، عليها متهمًا إياها بـ"فقدان الحقائق الرئيسية" حول الحزب. الواقع أنه في هذه الأثناء كان لويس يصب تركيزه على انتقاد جيرمي كوربين في قضية معادات الأخير للسامية.

من جهة أخرى، فإن محمد أمين، رئيس المنتدى الإسلامي المحافظ، قال إنه كان يخبر لويس "أن هناك حاجة لاتخاذ مزيد من الإجراءات ضد كراهية الإسلام لفترة طويلة"، ولكن حزب المحافظين أوضح أنه لن يكون هناك تحقيق داخلي مستقل في الكراهية المعادية للمسلمين. وأضاف أمين: "إن الإنكار هو الطريقة الأولى لرد فعل معظم المنظمات على الاتهامات من هذا النوع".

مجزرة نيوزيلندا
تجددت دعوات تجريم الإسلاموفوبيا بعد مجزرة نيوزيلندا

في حديث له مع صحيفة الغارديان، يقول ماثيو ماكغريغور، مدير الحملات في جمعية الأمل المناهضة للعنصرية، إن "هناك دلائل على أن المحافظين يتعامون تعمدًا عن وجهات نظر الإسلاموفوبيا في نقاشاتهم وملفاتهم"، مشيرًا إلى أنّ بحثًا أجرته جمعيته وجد أن 49٪ من الناخبين المحافظين، يرون أن الإسلام يمثل تهديدًا لطريقة الحياة البريطانية، وأن 47٪ يعتقدون أن هناك مناطق لا يمكن أن يدخلها المسلمون.

سطوة الصورة.. من يعبث بسحرها؟

ذات مرة وقف نايجل فاراج زعيم حزب الاستقلال اليميني البريطاني، خلف لوحة مصورة كبيرة تظهر طابورًا من المهاجرين واللاجئين مع شعار "نقطة الانهيار.. الاتحاد الأوروبي خذلنا جميعًا". حينها قام ديفيد برنتيس وهو السكرتير العام لأكبر نقابة عمالية في بريطانيا، بتقديم بلاغ رسمي ضد فاراج، متهمًا إياه بالتحريض على الكراهية والعنصرية من خلال المنشور المصور، قائلًا: "هذا هو الترهيب في شكله الأكثر تطرفًا وحقدًا".

نايجل فاراج أمام بوستر عنصري

وفي غضون ساعات من وقوف فاراج أمام لوحته المصورة، كان النشطاء على تويتر يقارنون دعايته بدعاية النازيين ضد المهاجرين، فقال أحدهم: "إن منشورك يضاهي بشكل سافر الدعاية النازية".

ورغم أن فاراج اضطر إلى تخفيف حدة خطابه تجاه سياسات اللجوء، بعد أن وضع في مقارنات مع النازية، إلا أن قضية الصورة لم تنتهي، ليتبين أنها صورة إخبارية تملك حقوقها شركة "Getty Images"، التي خرج متحدثها ليقول تعليقًا على ما فعله فاراج: "من غير المريح دائمًا استخدام صورة إخبارية موضوعية لتقديم أي رسالة سياسية أو أجندة ذاتية".

من جهة أخرى، اختارت صحيفتا ديلي ميل وديلي ميرور، في تغطيتهما لمجزرة نيوزيلندا، صورة للقاتل على أنه طفل ملائكي، فيما وصفه متابعون بأنها "محاولة لمنح المايكروفون للقاتل"، بدلًا من تخصيصها للضحايا أو حتى لمتابعة وتغطية ذات قيمة لمناقشة أصول المشكلة.

قانون ضد الإسلاموفوبيا؟

هل سبق وطرحت فكرة قانون لتجريم الإسلاموفوبيا؟ نعم، ففي عام 2012 نشرت رويترز تقريرًا حول دعوات مؤسسية إلى كبح جماح الإسلاموفوبيا تمامًا، على طريقة تجريم معاداة السامية.

كان ذلك إبان عرض الفيلم الوثائقي الأمريكي المسمى "براءة المسلمين"، والذي أثار استهجان كثير من المسلمين حول العالم، وحينئذ كان رد المسؤولين الأمريكيين، هو الرد التقليدي باستخدام ورقة "حرية التعبير" والتعديل الأول من دستورالاستقلال الأمريكي.

ومع تصاعد الدعوات المطالبة باستصدار قانون يجرم الإسلاموفوبيا، ردت قبرص كمتحدثة عن الاتحاد الأوروبي حينها، بأن "المعاهدة الدولية الحالية لمكافحة جميع أشكال العنصرية والتعصب"، كافية، وأنه ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي تنفيذها على نحو فعال.

وقال سفير قبرص في الاتحاد الأوروبي ذلك الوقت، معلقًا على هذه الدعوات: "في أجزاء عديدة من العالم، يمكن استخدام العقوبات الجنائية على خطاب الكراهية كوسيلة لقمع حرية الفكر والوجدان والتعبير"!

إذًا لا يبدو أن المسؤولين الغربيين كانوا مهتمين حتى بالتفكير في مثل هذه الدعوات، مثل الدعوات التي أطلقتها مؤسسات إسلامية في بريطانية، موجهة للأحزاب الرئيسية، تستهدف تبني تعريفًا لـ"رهاب الإسلام"، في محاولة للضغط على صناع القرار السياسي.

وكما يتضح، تأتي الإسلاموفوبيا تحت مظلة واحدة مع رهاب الأجانب والعنصرية التي باتت تشكل جوهر الخطاب السياسي الانتخابي الرابح هذه الأيام، وهو كما يتضح أيضًا خطاب يجعل من المهاجر فردًا غير قادر على الاندماج، محتلًا للفرص الموطنية التي يجب أن تُتاح للمواطنين وحدهم!

تأتي الإسلاموفوبيا تحت مظلة واحدة مع رهاب الأجانب والعنصرية التي باتت تشكل جوهر الخطاب السياسي الانتخابي الرابح هذه الأيام

غير أن السؤال الذي يطرحه البعض، هو: هل سيكون قانون تجريم الإسلاموفوبيا ناجعًا وذا تأثير كبير، بما يحافظ على الحقوق الإنسانية والاجتماعية، خاصة وأنه يبدو أن قوانين تجريم العنصرية والكراهية العامة غير مجدية واقعيًا؟ أم أن ما تستلزمه الضرورة هو النبش في جذور المشكلة؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

إعادة الاعتبار للغضب في فهم "الإرهاب"

"مانفستو الإرهابيّ".. ماذا كتب سفاح نيوزلندا قبل جريمته؟