08-ديسمبر-2021

ماذا يحدث عندما تضع البلدان أهدافها الجيوسياسية فوق رفاهية مواطنيها وصحتهم العامة؟ (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

ماذا يحدث عندما تضع البلدان أهدافها الجيوسياسية فوق رفاهية مواطنيها وصحتهم العامة؟ فبينما لا تزال معظم البلدان تكافح من أجل الحصول على لقاحات لشعوبها، إلا أن بعض الدول، مثل الأرجنتين والبرازيل وكوبا وزيمبابواي، رفضت التبرعات المقدمة لها من دول وشركات أخرى غير روسية، أو قاومت حكومات هذه الدول شراء لقاحات أخرى، واضعين المصالح الجيوسياسية فوق اعتبار الصحة العامة لمواطنيهم. ومع انتشار متغير دلتا في جميع أنحاء العالم، والتهديد من المتغيرات الجديدة التي تلوح في الأفق، بدأت البلدان في فهم العواقب الكاملة لقراراتها السياسية.

بينما لا تزال معظم البلدان تكافح من أجل الحصول على لقاحات لشعوبها، إلا أن بعض الدول، مثل الأرجنتين والبرازيل وكوبا وزيمبابواي، رفضت التبرعات المقدمة لها من دول وشركات

ديبلوماسية اللقاحات

أندريس كونستانتين محام في مجال الصحة العالمية ومناصر حقوقي من الأرجنتين، ويعمل حاليًا على القضايا القانونية والسياساتية المتعلقة بالصحة في معهد أونيل لقانون الصحة الوطني والعالمي بجامعة جورج تاون، أشار في مقالته بوكالة رويترز إلى تداخل عوامل السياسة والصحة لدى بعض حكومات الدول.

 يقول كونستانتين "تلقى والداي اللقاح الأول (سبوتنيك) الروسي، وهو اللقاح الوحيد الذي كان متاحًا في الأرجنتين شهر أيار/مايو من هذا العام"، ويضيف "كان من المفترض أن يحصل والداي على جرعة ثانية في غضون ثلاثة أشهر وفقًا للإرشادات الصحية المعمول بها. ولكن نظرًا لما فرضته الدوائر السياسية في البلاد من رغبة في إعطاء الأولوية لاستخدام اللقاح الروسي، فقد اضطر الأرجنتينيون إلى الانتظار لفترة أطول للتمكن من تلقي لقاح غير لقاح سبوتنيك، مما عرضهم لخطر أكبر للإصابة بالفيروس والمرض وخطر الموت".

ويتابع كونستانتين "بعد ثلاثة أشهر من تلقي والدي الجرعة الأولى من لقاح سبوتنيك، ومع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، تراجعت الحكومة الأرجنتينية وأوصت باستخدام لقاحات أخرى"، مشيرًا إلى أن والديه "تمكنا أخيرًا من الحصول على جرعة ثانية، وهذه المرة من لقاح موديرنا". فعلى سبيل المثال، في الأرجنتين وحدها، كان هناك أكثر من 400 حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا وأكثر من 8 آلاف حالة وفاة في فترة الثلاثة أشهر التي انتظرت فيها البلاد وصول الجرعة الثانية من لقاح سبوتنيك، وذلك قبل اتخاذ قرار بالسماح بإمكانية تلقي جرعتين من لقاحات مختلفة.

معاهدة الأوبئة العالمية

لضمان حماية الحكومات لصحة مواطنيها، بدأت منظمة الصحة العالمية، والجماعات الأكاديمية، والخبراء الدوليون في النظر في اعتماد معاهدة عالمية للأوبئة للتخفيف من ضرر الوباء القادم. فقد دعا العديد من رؤساء الدول والمدير التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية ورئيس المجلس الأوروبي إلى اعتماد معاهدة دولية لمنع الأزمات الصحية في المستقبل وكيفية الاستجابة لها بالطرق الملائمة، وذلك بحسب مذكرة صادرة عن منظمة الصحة العالمية بتاريخ 31 أيار/مايو من هذا العام.

تأتي هذه الدعوات في ظل الفجوات الكبيرة التي رافقت انتشار فيروس كوفيد-19 والدروس المستخلصة منه. وتمثل هذه الدعوات إذا ما تحققت إنجازًا تاريخيًا. وفي هذا السياق أصدرت 194 دولة قرارًا لجمعية الصحة العالمية لاستضافة جلسة خاصة لمناقشة هذه المسألة. وتأمل الدول في أن تساعد هذه المعاهدة الدولية الجديدة في دعم الجهود المبذولة لتعزيز الأمن الصحي العالمي.

يشار إلى أن تعامل العديد من الدول مع جائحة كورونا جاء متجاهلًا لحماية المواطنين على حساب السياسة. وفي هذا الصدد، على سبيل المثال، أوصت لجنة برلمانية برازيلية باتهام الرئيس جايير بولسونارو بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بسبب استجابة حكومته غير الملائمة لمكافحة الوباء. غير أن هذه الخطوات ليس لها أي إطار قانوني ضمن القانون الدولي حيث يحق للحكومات من حيث المبدأ، وبحكم سيادتها، رفض المساعدة من الخارج، بحسب ما أفادت وكالة أسوشيتيد برس.

وفي كوبا، تجاهل الرئيس ميغيل دياز كانيل عرض التبرع باللقاح الذي قدمه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن. وقال كانيل "إذا كان لدى بايدن قلق حقيقي على سكان الجزيرة، فعليه إلغاء العقوبات الـ243 المفروضة على بلادنا". فيما اشترط بايدن التبرع باللقاحات لكوبا إذا "تم ضمان أن تقوم منظمة دولية بإدارة تلك اللقاحات بطريقة تتيح للمواطنين العاديين الوصول إليها". وتأتي هذه المناوشات السياسية في ظل تفشي فيروس كورونا في كلتا الدولتين المذكورتين، وذلك بحسب ما نقل موقع DDC.

وأما في زيمبابواي، فقد امتنعت الحكومة هناك عن الموافقة على لقاح جونسن & جونسن بسبب العلاقات السياسية غير الوطيدة مع بريطانيا. ففي عام 2002 فرضت بريطانيا عقوبات سفر وعقوبات مالية على مسؤولين في زيمبابواي لانتهاكهم حقوق الإنسان وتزوير الانتخابات بحسب ما زعمت بريطانيا، وذلك كما أورد موقع صوت أمريكا.

ومن هنا تطرقت النقاشات إلى ضرورة اعتماد معاهدة دولية للأوبئة تأخذ في الاعتبار نقاط الضعف المتأصلة في النظام القانوني الدولي وما إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من التغييرات العميقة في القانون الدولي الحالي، وذلك بعد أن كشف فيروس كورونا عيوب هذا القانون وعدم شموليته.

تطرقت النقاشات إلى ضرورة اعتماد معاهدة دولية للأوبئة تأخذ في الاعتبار نقاط الضعف المتأصلة في النظام القانوني الدولي وما إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من التغييرات العميقة في القانون الدولي الحالي

وتؤكد جهات دولية أن إصلاح الإطار القانوني الدولي للتعامل مع هذه المشكلات لن يكون سهلًا. فالعائق الأكبر يكمن في عملية تنفيذ القانون الدولي، ومدى الامتثال من قبل الحكومات لبنود القانون. لكن هذه الجهات تعتبر المعاهدة الدولية خطوة أولى إيجابية للتعامل مع الدول التي تضع مصالحها الجيوسياسية أولًا إبان الأزمات العالمية التي تصيب الكوكب لا سيما الأوبئة. وتشير هذه الجهات إلى أنه من رحم الحرب العالمية الثانية خرجت الأصوات لإعادة التفكير في النظام الدولي والقانون الدولي، وفيروس كورونا يمثل هذه الشرارة للتفكر في المسألة.