01-سبتمبر-2020

تظاهرة في بيروت يوم 11 آب/أغسطس 2020 (حسام شبارو/الأناضول/Getty)

ثقافة التغيير السياسي التي طرح خطابات بشأنها الرئيس اللبناني ميشال عون وبعض القوى في لبنان وجاءت بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة لا تعدو سوى كونها وعد لا يمكن صرفه على أرض الواقع، وذلك إرضاء لفرنسا و"للدول الداعمة" لأن البديل عن ذلك هو المزيد من الانهيار. حيث بات من الواضح أن النظام سيستمر في الانهيار حتى ينفجر في نهاية المطاف وكل الحقن التخديرية والعمليات التجميلية لن تجنبه حتمية السقوط في العنف الأهلي.

يعمل  إيمانويل ماكرون على تسويات أكبر من وضع لبنان تهم وضع فرنسا في الشرق الأوسط وخدمة اقتصادياتها 

وليست فرنسا هي من ستقوم بوضع يدها على الجرح، لأن من الواضح أن رئيسها ماكرون يعمل على تسويات أكبر من وضع لبنان تهم وضع فرنسا في الشرق الأوسط وخدمة اقتصادياتها عبر مد اليد لإيران والانفتاح على حزب الله وكل ذلك على حساب مستقبل الكيان اللبناني. وتشير المعلومات المتداولة إلى أن ماكرون اتصل بالرئيس عون كما اتصل بالحريري وأبلغهما باسم "مصطفى أديب" الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية. وعلى هذا المنوال كانت تشكل الحكومات في لبنان وصارت أكثر تبعية من قبل، مما يدل أن زمام الشؤون الداخلية اللبنانية قد أفلت كليًا من يد المؤسسات الدستورية والأحزاب في لبنان وبات الأمر منوطًا بما تتوصل إليه وتقرره القوى الخارجية مما يصعب أي عملية تغيير نحو الدولة المدنية الديمقراطية التي أشار إليها عون في ظل كل هذا الارتهان للخارج.

اقرأ/ي أيضًا: "رفع الدعم" في لبنان.. استكمال الانهيار بالانهيار

فالشرط الأول للتغيير يتجلى عبر وجود إرادة التغيير ونية التغيير، لكن لا الإرادة ولا النية موجودتان. هناك فقط احتيال مستمر والتفاف وتدوير للزوايا من قبل الطبقة الحاكمة في لبنان. ومجرد علاجات موضعية ترقيعية. لكن مع الوقت سيكون قد تفشى السرطان في جسد الكيان اللبناني بشكل نهائي. هناك عاصمة مدمرة بينما هناك  تناحر حزبي حول تشكيل الحكومة، وهناك محكمة دولية أصدرت قرارها بحق متهم باغتيال الحريري الأب فيما حزب الله يرفع صور المتهم القاتل بشكل فاجر وصدامي وفي مناطق مختلطة ديموغرافيًا مما أدى إلى صدامات وحتى سقوط قتلى مؤخرًا.

وكل حديث عن دولة مدنية في ظل وجود سلاح خارج سلطة الدولة المركزية هو حديث كذب. وكل حديث عن الدولة المدنية في ظل انعدام الأطر الديمقراطية والقانونية هو دجل. وليس مصطلح "الدولة المدنية" كلمة تقال، إنما عبارة عن مجموعة من الأفعال تؤمنها الدولة للمواطنين منها الأمن والأمان والحرية والمساواة والعدالة والانتخاب الحر والعدالة الاجتماعية وفصل الدولة عن الدين واحترام كرامة الإنسان وحرية التعبير والمعتقد وحرية الفكر والمواطنة الحاضنة للتنوع تحت سقف القانون.

أما السلاح فإنه يضرب كل أشكال الدولة المدنية بسبب ضربه لكل مبادئها بين المواطنين. والحديث هنا حول استعمالات هذا السلاح ووظيفته وليس وجوده المادي فقط وإنما عبر الرجوع إلى تاريخ استخدامه فنجده صار عقبة أمام أي حل للانتقال الديمقراطي الكامل في لبنان بل هو سبب جوهري من أسباب الصدام الأهلي.

وأي إصلاح لا ينطلق من نقد العنف وعلاقات العنف والتسلح داخل المجتمع اللبناني هو نفاق وضلال وغش لتمرير الوقت. بالتدليل عبر كل أشكال العنف الأهلي الحاصل والمتنقل على مرأى الجيش اللبناني والقوى الأمنية وبغض نظر منها وانحيازها في كثير من الأحيان لطرف حزب الله بدءا من معركة أحمد الأسير وغزوة 7 آيار "المجيدة" وانتهاء بإشكال خلدة وغيرها من الإشكالات التي استعرض خلالها حزب الله قوته الميليشياوية على الأرض لتعديل الوقائع السياسية لصالحه.

وصولًا إلى قول الأمين العام للحزب في أحد خطاباته الأخيرة "احفظوا غضبكم فإننا سنحتاجه يومًا ما" والتهويل المستمر بالحرب الأهلية وترديد المصطلح بكثرة على لسانه للتهويل على اللبنانيين. وختامًا بمقولته المفصلية "المقاومة شرط وجود وليست شرط كمال" حيث يربط بها نصرالله وجود سلاحه بوجود الكيان الإسرائيلي وأي حديث أو حوار عن الإستراتيجية الدفاعية وتقوية الدولة المركزية يصبح ضربًا من العبث. إنه يستخدم القضية الفلسطينية شماعة لمد نفوذه وبات من المعلوم كيف أن طريق القدس قد مر وطحن عدة عواصم عربية!

بمجرد وجود طرف، غير الدولة، لديه السلاح فهذا ينسحب على تغيير ديناميكية العملية الديمقراطية بأسرها، من قبل وأثناء وما بعد العملية الانتخابية

فالعنف ظاهرة موجودة داخل المجتمع اللبناني لكن حزب الله بنزعته الاستعلائية وبحمله السلاح في وجه الجماعات الطائفية الأخرى إنما يغذي الاحتراب الأهلي والتسلح المتبادل من القوى المناوئة له وبأضعاف مضاعفة. والعنف في الحياة السياسية ينسحب بدوره على العنف في العلاقات الاجتماعية ويأخذ شكله وسببه وجذوره من العنف السياسي الذي يرفع لواءه حزب الله متذرعًا بـ"الحق المقدس" وفارضًا هيمنته بواسطة فائض القوة التي بات جميع اللبنانيين يعرفون وجوهها ومصادرها.

فلا بد من الإشارة إلى أن الديمقراطية فعل مدني لكن بمجرد وجود طرف لديه السلاح فهذا ينسحب على تغيير ديناميكية العملية الديمقراطية بأسرها، من قبل وأثناء وما بعد العملية الانتخابية. فتأثيرات السلاح تكمن في الحشد قبل الانتخابات وفي نشر الخوف إبان الانتخابات وفي فرض معادلة مغايرة في حال خسارة فريق حزب الله الأغلبية النيابية كما حصل عام 2008.

إذًا يدخل خصوم حزب الله في السياسة إلى اللعبة وهم خاسرون سلفًا، بينما يلعب حزب الله معهم لعبتهم "الديمقراطية" ويستغلهم ويستغل الديمقراطية للفوز بمزيد من الهيمنة! يضاف إلى ذلك البناء الأيديولوجي الديني المقدس وفرضه في المعادلة السياسية مع كل ما يحمله من عنف مستتر وعصبية طائفية. فعن أي دولة مدنية وأي ديمقراطية يمكن الحديث في ظل نشر الخوف والمال الانتخابي وسطوة الإعلام وانتشار الخوف والتشهير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تحالف الشرّ

الصراع الجندري داخل نخبة ثورية في المنفى