10-سبتمبر-2017

يصدق الكثيرون في إمكانية التنبؤ بالمستقبل عبر أحلام النوم (Getty)

من منّا لم يصادف أشخاصًا يزعمون أنهم يتنبؤون بالمستقبل؟ أغلبهم يتباهون بذلك ويتفاخرون به، وعندما يتحدثون عن الكيفية، يؤكدون أنهم يرون في الأحلام ما يحدث في الواقع. ربما تصدق، وقد تكذب أو تسخر منهم، بحسب موقفك من الأحلام، إلا أنه لا شك أن هؤلاء الأشخاص متواجدون بكثرة وأحيانًا يحظون باهتمام الآخرين. بل إن البعض منهم يتخد قرارات هامة وفقًا لحلم رآه أثناء نومه.

في حين يمر البعض على أحلامهم مرور الكرام، يتوقف عندها آخرون باهتمام بالغ باعتبارها رسالة سماوية لها دلالتها

ما هي إذن حقيقة هذه الأحلام؟ وهل حقًا ثمة أشخاص يتنبؤون بالمستقبل عن طريق الأحلام؟ أسئلة نحاول الإجابة عنها في السطور التالية.

تقديس الأحلام

"بسم الله الرحمن الرحيم"، "خير وسلام"، "خير اللهم جعله خير"، عبارات قد نسمعها سواءً في المغرب الكبير أو في المشرق العربي، تتردد بمجرد الخوض في تفاصيل حلم رأيته أثناء نومك، أو حلم رآه أحد معارفك.

اقرأ/ي أيضًا: الشبابيك.. بوابات الأحلام العابرة

 البعض منا يمر مرور الكرام ولا يهتم كثيرًا بتفاصيل الأحلام التي قد يراها أثناء نومه، مبررًا موقفه بأن ما رآه في أحلامه تفاصيل غير هامة، ففي النهاية هو مجرد حلم وكفى. أما البعض الآخر فيحاول تفسير حلمه باهتمام واضح، على أساس أن الحلم الذي رآه فيه إشارات ورموز لوقائع ستحدث مستقبلًا، سواءً تهم علاقته الشخصية أو ستحدث في محيطه.

هذا الشخص قد يكون من أحد أقربائك أو أصدقائك أو من معارفك، تسمعه يردد باستمرار وبتباهٍ بكون أحلامه التي يراها أثناء نومه تتحقق على أرض الواقع، وبدورك تسمع بانتباه واستغراب، وأحيانًا بسخرية، بحسب موقفك من الأحلام كما سبق وأن ذكرنا. هؤلاء الأشخاص يزعمون بأن أحلامهم مثل "رؤيا" تتحقق مستقبلًا، لدرجة أنهم يبنون قراراتهم الشخصية وفقًا لما يقولون إنها إشارات رأوها أثناء أحلامهم، مثل زواج أو طلاق أو سفر أو عمل، وغيره.

أصبح تفسير الأحلام في المنطقة العربية تجارة مربحة، خاصة أمام الاهتمام المبالغ فيه أحيانًا من قبل الحالمين

دفع ذلك لأن يُصبح ما يعرف بتفسير الأحلام في المنطقة العربية، تجارة مربحة، خاصة أمام الاهتمام المبالغ فيه أحيانًا من قبل الحالمين، فتجد الكثير من الأشخاص بمجرد استيقاظهم من النوم يهرولون مسرعين للبحث عن تفسير حلمهم، سواءً بالسؤال عبر الإنترنت الذاخر بصفحات تفسير الأحلام، المنسوب بعضها لابن سيرين وهو عمومًا أكثر من نُسب إليه الحديث في تفسير الأحلام، أو بسؤال نجوم تفسير الأحلام على الفضائيات.

اقرأ/ي أيضًا: 6 ضيوف محتالين في فضائيات مصر.. وما خفي كان أعظم!

ومن المعروف في عموم الثقافة الشعبية العربية، أن هناك رموزًا عديدة لما يراه الشخص غالبًا في أحلامه، تُؤول على أساسها هذه الأحلام بما يتماس مع حياة الحالم، سواءً فيما يخص الزواج أو السفر أو العمل، وهذه الثلاثة تحديدًا أكثر ما يشيع في هذه الرموز السائدة في تفسير الأحلام. 

على سبيل المثال، يُفسّر ارتداء الفتاة للحذاء في الحلم بأنه زواجٌ قريب، وخله طلاق قريب إن كانت متزوجة. وهناك من يعقد أمر حياته على هذه الأحلام وتفسيرها بالفعل. 

ما يعزز التصديق في تفسير الأحلام في المجتمعات العربية، صُدف أن يتحقق تفسير حلم على أرض الواقع ولو لمرة، حتى أنه كثيرًا يتحول الأمر لمجرد تهيؤات لإقناع الذات بأنهم يتمتعون بما يُسمى بـ"الحاسة السادسة".

أعضاء الطرق الصوفية أكثر المؤمنين بذلك، وفي المغرب يزداد الأمر، إذ عادةً ما يعتبرون أنّ كل ما يرونه في الحلم هي إشارة من الخالق، وثمة حادثة شهيرة بالمغرب،عن أنّ شيخًا من المتصوفة كان قد رأى حلمًا يفيد بأن المغرب سينجو من أحداث ما يعرف إعلاميًا بالربيع العربي.

اعتبر الشيخ رؤيته صالحة، فيما اعتبرها المريدون "بركة" يتمتع بها شيخهم. هذه الحادثة تتكرر دائمًا عند المتصوفة، خصوصًا وأنهم يفسرون موقفهم بكون "الرؤية بشكل عام من الناحية الدينية تخص أولياء الله والأشخاص الصالحين، دون ذلك يمكن أن نعتبرها حلمًا عاديًا أو أضغاث أحلام"، كما يقول أحد المتصوفة لـ"ألترا صوت".

الحلم عبارة عن رغباتنا ومخاوفنا

لكن هل بالفعل يمكن لشخص عادي أن يحلم ويحقق أحلامه؟ يقول محسن بن زاكور، وهو مختص في علم النفس الاجتماعي في حديثٍ لـ"ألترا صوت"، إنّ "الإنسان على المستوى الدماغي عندما ينام، فإنّ وعيه ينام لكن رغباته لا تنام، وعليه فإن الحلم عبارة عن تعبير معين لرغباتنا لكن بدون وعي، وأحيانًا ما يكون تعبير مخاوفنا أيضًا".

يزيد ابن زاكور توضيحًا بقوله، إنه "في الواقع عندما نرغب في شراء سيارة، فقبل أن نشتريها نشاهد تلك السيارة في كل مكان، أو عندما نرغب في شراء قميص ذي لون معين، نرغب فيه بشدة، نرى أن نفس اللون يرتديه أغلب الاشخاص الذين نلتقيهم. هنا يتحول اهتمامنا بالموضوع لأن يجعلنا نرى الأشياء التي تهمنا في كل مكان، وبكثرة أيضًا، كضرب من التركيز"، بتطبيق ذلك على الأحلام، يقول محسن بن زاكور: "لهذا فأثناء الحلم، يغربل العقل البشري كل الصور والمعلومات المحيطة بنا، ويترك فقط الأشياء التي تهمنا أو تخيفنا".

أما تحقيق الأحلام على أرض الواقع، فهو لا يتعدى "أننا نهيئ جميع الظروف لتحقيق ما نشاهده أثناء حلمنا، بمعنى أننا عندما نرغب في الحصول على وظيفة، نعمل المستحيل للظفر بها، اهتمامنا هو السر في الحصول على الوظيفة، وليس الحلم"، وفقا لابن زاكور.

ويرى ابن زاكور أن الإنسان الذي يُصدق في أحلامه، فهو في الحقيقة يعاني الخوف من المستقبل، مُوضحًا: "خاصة وأنه لا يستطيع تحمل مسؤولياته، وفي بعض الحالات يغيب حس المنطق والعقل كليًا، ويعتمد فقط على ما يراه من أحلام".

ومن الناحية النفسية، فإنّه "حين يشعر الإنسان بنوع من التخوف من المسؤولية، وعدم القدرة على المواجهة، يستعيض بشيء ما، إما بالأحلام أو بالأبراج، لأنه يحتاج في قرارة نفسه إلى شيء يعتمد عليه دون قدرته العقلية"، بحسب محسن بن زاكور.

ما يحدث أيضًا في مثل هذه الحالات، أنّ أصحابها يلغون قدراتهم العقلية التي تتبنى التخطيط والتقدير والاستشارة، ويتخذون قراراتهم بناءً على ما يعتقدون أنه غيبي، وهو الحلم هنا.

الذي يصدق في الأحلام، غالبًا ما يكون متخوفًا من المسؤولية والمواجهة، لذا فإنه يستعيض برمي الحمل على الأحلام

هذا ويمر الإنسان خلال نومه بثلاث مراحل، الأولى الاستعداد للنوم، يفرز الجسد مادة تساعده على النوم. أما المرحلة الثانية وهي عبارة عن "النوم العميق أو الحقيقي"، كما يصفه ابن زاكور، وتتراوح مدته لـ90 دقيقة بالضبط، وأحيانًا كثيرة تكون هذه المدة الزمنية مقسمة إلى ثلاثة أقسام عند الإنسان، وفقًا لطريقة نومه.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا يعني التفكير في شخص كثيرًا في علم النفس؟

وبشكل عام خلال النوم العميق يحدث غياب كلي لوعي الإنسان، ولا يستطيع العلم تحليل أو تفسير ما يحدث خلال هذه المدة. وعندما ينتقل الإنسان من مرحلة النوم العميق إلى النوم العادي، يفقد مجموعة من التفاصيل أو الصور التي شاهدها أثناء النوم العميق، وهنا الإنسان يكمل حلمه وفقًا لرغباته أو مخاوفه، أو كما قال ابن زاكور.  

 

اقرأ/ي أيضًا:

في المغرب.. الجنس مقابل الأحلام

عن سنوات الانتظار واللحظة الحالية