17-أبريل-2018

الإفلات من العقاب يلعب دورًا مهمًا في عرقلة جهود مكافحة جرائم الاغتصاب بالمغرب (أ.ف.ب)

"إخصاء المغتصب"، شعار رفعه عدد من الغاضبين، وجزء من الحقوقيات النسويات، بعد توالي حوادث الاغتصاب المروّعة التي هزّت الساحة المغربي في الفترة الأخيرة، وكان من أبرزها حادثة محاولة شاب اغتصاب فتاة في سن المراهقة مع الاعتداء عليها وسط شارع عام، وصديقه يصوّره!

لم يكن الخبر الذي نشره موقع هسبريس المغربي عن اتجاه الحكومة المغربية لسن قانون يعاقب المغتصب بالإخصاء، إلا كذبة أبريل في ضربة لأبسط مهنيات الصحافة

لكن مطلب معاقبة المغتصب بـ"الإخصاء"، لم تترجم إلى قانون أو مشروع قانون يذهب في هذا الاتجاه، خاصةً وأنها كانت على استحياء، حتى ظهر خبر نشره موقع هسبريس عن أن الحكومة المغربية تتجه لسن قانون ينص على معاقبة المغتصب بالإخصاء، ليلقى رواجًا كبيرًا، ويُظهر حجم المؤيدين لسنّ هكذا عقاب، لا في المغرب فقط بل في العالم العربي كله. لولا أنّ الخبر كان مجرد "كذبة أبريل" التي لم يتورع الموقع في عدم مراعاة المهنية الصحفية ونشره.

اقرأ/ي أيضًا: سرديات الاغتصاب والتحرش.. فتيات عربيات يكسرن الصمت 

بيد أن نقاش صلاحية "الإخصاء" كحل لمشكلة الجرائم الجنسية، يتعدى المستوى الوطني، فهو نقاش يجري على المستوى الأممي باعتبار أن الاغتصاب ظاهرة عالمية، تؤرق العديد من البلدان التي قرر بعضها تطبيق عقوبة الإخصاء بالفعل لردع المغتصبين، كالحال مع التشيك وإندونيسيا والهند، وعدد من الولايات الأمريكية في بعض الجرائم المرتبطة بالبيدوفيليا، الميل الجنسي للأطفال، تحديدًا.

عندما نقرأ أو نسمع قصص الاغتصاب الوحشية لنساء وفتيات وأطفال، فإنه بالطبع يتملكنا شعور عارم بالغضب والحنق ليس له مثيل، وقد يكون هاجس "حقوق الإنسان" للمغتصبين هو آخر شيء يمكن أن يخطر في بالنا، وهو ما يجعل الكثير يود بشدة تنفيذ أقصى عقوبة بحص المغتصب، وإن كانت إخصاؤه.

لكن بالنسبة لمعظم المنظمات الحقوقية، مثل اتحاد الحريات المدنية الأمريكي ومنظمة العفو الدولية، فإنها تعتبر الإخصاء عقوبة قاسية بل "غير إنسانية"، وتقارنها بعقوبات العصور الوسطى، حين كانت ممارسات قطع اليد والرأس والتعذيب بأسوأ الطرق رائجة. ويؤيدها في ذلك باحثون وخبراء، يرون أن "الإخصاء" لا يمكن أن يحل معضلة الاغتصاب، إذا كانت مرتبطة بخلل في البنيات الاجتماعية والتصورات الثقافية السائدة حول المرأة والمساواة بين الجنسين.

وقبل سنوات، وصلت الجرائم الجنسية في الهند حدًا جنونيًا، وارتأت الحكومة الهندية تشديد القوانين، فخيرت المغتصبين بين عقوبة الإعدام أو الإخصاء الكيميائي، وذلك في 2013، لكن على ما يبدو فإن القصاص العنيف، القضائي وغير القضائي، لم يفعل الكثير لإنهاء جريمة الاغتصاب، إذ تشير إحصائيات مكتب الشرطة في نيودلهي، إلى أن حوادث الاغتصاب المبلغ عنها في البلاد زادت بنسبة %277 بين عامي 2011 و2016!

رغم فرض الهند لعقوبة الإخصاء بحق المغتصبين، لكن حوادث الاغتصاب زادت بنسبة 277% بين عامي 2011 و2016!

كانت نسبة %94 من حالات الاغتصاب، وفق المكتب، متعلقة بمجرمين على معرفة بالضحايا. بعبارة أخرى، يحدث الاغتصاب في الغالب بين الأصدقاء والجيران وأفراد الأسرة، وهو واقع اجتماعي مقلق ترفض الهند التعامل معه، مما قاد سكرتيرة مجموعة "النساء التقدميات في الهند"، كافيتا كريشنان، إلى التصريح لمجلة فورين بوليسي ، بأن المسؤولية تتحملها الدولة، بسبب فشلها في معالجة المعايير الاجتماعية التي تؤدي إلى جرائم جنسية ضد المرأة، داعية في نفس الوقت إلى معالجة جذور المشكلة في محتوى التعليم والقانون والإعلام، الذي يرسخ صور التمييز الجنسي.

اقرأ/ي أيضًا: من التحرش بالنساء إلى اغتصاب الحيوانات.. كيف استفحل الكبت الجنسي بشباب المغرب؟

وفي ولايتي تكساس ولويزيانا الأمريكيتين، تخير السلطات هناك أصحاب جرائم الاغتصاب المتكررة والبيدوفيليين، بين عقوبة قطع الخصيتين -حيث 95% من هرمون التستوستيرون يتم إنتاجه بها- أو البقاء وراء القضبان مدى الحياة، أما في كاليفورنيا وفلوريدا وجورجيا وأوريجون، فالإخصاء معمول به في بعض الجرائم الجنسية. ويمارس اتحاد الحريات المدنية الأمريكي ضغوطًا كبيرة على الدولة لتحييد هذه العقوبة هي وعقوبة الإعدام.

لكن هل سيحول الإخصاء دون ارتكاب جرائم في المستقبل؟ في الولايات المتحدة الأمريكية تبدو العقوبات مشددة وكافية، بالنظر إلى القوانين الصارمة فيما يتعلق بالجرائم الجنسية، خاصة البيدوفيليا، حيث تتأرجح العقوبات حسب كل ولاية بين الإخصاء أو الإعدام أو السجن مدى الحياة، ومع ذلك تسجل أمريكا في كل عام مراتب متقدمة بين بلدان العالم في عدد حالات الاغتصاب المبلغ عنها. وبالتالي فإن تشديد العقوبات لا يعني حل المشكلة.

دون أن يعفي ذلك المغتصب من نيل جزائه، باعتباره مسؤولًا عن جريرته، فكما يقول البروفيسور دون غروبين من جامعة نيوكاسل، في حوار له مع مجلة سايكولوجي توداي: "قد يتطلع شخص ما إلى الاعتداء على الأطفال أو النساء، ويبرر فعلته في ظروف معينة، لكنه يبقى مسؤولًا عن جرمه ما دام استجاب لإثارته الداخلية ووضعها في غير مكانها".

تلعب ثقافة التستر خوفًا من الفضيحة، السائدة في المجتمع المغربي، دورًا في الإحالة دون تحقيق العدالة فيما يخص جرائم الاغتصاب

وبخصوص المغرب، فهو يعاني نقصًا شديدًا في توثيق حالات الاغتصاب، وفقرًا حادًا في الدراسات التي تسعى إلى فهم الموضوع، كما أن ثقافة التستر السائدة في المجتمع خوفًا من الفضيحة، وكذا سياسة الإفلات من العقاب في بعض المرات، يحولان دون تحقيق العدالة، ولهذا السبب قد لا يكون "الإخصاء" حلًا للقضاء على ظواهر الاغتصاب في البلاد حتى لو تم إقراره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يمكن أن يغتصب الزوج زوجته؟

موريتانيا.. الاعتداءات الجنسية في ارتفاع