27-أكتوبر-2017

يظل النقاش مفتوحًا حول مدى القبول بجريمة الاغتصاب بين الزوجين عربيًا (Corbis)

يمثّل الحديث عن مدى قبول تجريم اغتصاب الزوج لزوجته واحدًا من أكثر المواضيع إثارة للجدل في القانون الجنائي المعاصر، حيث تطالب المنظمات الأممية والحقوقية بتجريم الدول في قوانينها لاغتصاب الزوجة، وهو الاتجاه الذي تبنته أغلب التشريعات الغربية، وهو ما ترفضه عديد التشريعات الأخرى، خاصة في الدول ذات الغالبية المسلمة، مع تأسيس هذا الرفض على المدوّنة الفقهية الإسلامية التي "تأبى القبول بإدانة زوج يأتي في نهاية المطاف حليلته".

تطالب المنظمات الأممية والحقوقية بتجريم الدول في قوانينها لاغتصاب الزوجة لكن قوانين معظم الدول العربية لا تزال رافضة لذلك

وقد تزامن التحرر الجنسي في بلاد الغرب وتأكيد حق الفرد في جسده وميولاته في إطار حريته الفردية مع مزيد تكريس حماية عنصر الرضا بما هو الحد الفاصل الذي يتوجّه إليه القانون والتي يبلغ مداه نحو حماية رضائية الزوجة في الممارسة الجنسية مع زوجها.

اقرأ/ي أيضًا: العنف الزوجي وزواج القاصرات.. أرق المغربيات

وحقيقة، بدأ الجدل في المحاكم في أوروبا منذ عقود، وحصل اختلاف حول مدة انسحاب جريمة الاغتصاب على الرابطة الزوجية، وتجادلت المحاكم فيما بينها حتى جزمت التشريعات خاصة في بداية التسعينيات نحو تجريم ما بات يُسمّى بالاغتصاب الزوجي، حيث جرّمه القانون البريطاني سنة 1991، وكذا القانون الفرنسي وذلك بصفة صريحة سنة 1992، وباتت جميع الولايات الأمريكية تدين اغتصاب الزوجة منذ سنة 1993.

ولم يحل هذا التجريم دون انتهاء الجدل داخلها على غرار استماتة الباحثة الفرنسية المعاصرة مارسيلا لاكوب في رفض جريمة الاغتصاب بين الأزواج، حيث تعتبر طبيعة العلاقة الزوجية تأبى هذا التجريم، حيث يمثل الرضا في جوهره في الزواج رضا بالعلاقات الجنسية في رحابه، وذلك إضافة لصعوبات إثبات جريمة الاغتصاب خاصة وأنها لا تستلزم وجود عنف مادّي، حيث يكفي إكراه الزوجة أو تهديدها لتحقق انتهاك رضائها وبالتالي إدانة الزوج.

ذات النقاش يعرفه الوطن العربي، وقد اتخذ في السنوات الأخيرة نسقًا تصاعديًا على ضوء ارتفاع أصوات المنظمات النسائية للمطالبة بتجريم الاغتصاب الزوجي أسوة بالتشريعات الغربية، خاصة وأن المنظمات الأممية خلال مناقشتها للاتفاقيات الدولية ومنها تحديدًا اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، تطالب الدول المنضوية في هذه الاتفاقية بتجريم قوانينها المحلية لجريمة الاغتصاب الزوجي.

وهي جريمة يكاد يجمع شُراح القانون في البلاد العربية على رفضها باعتبار أن الرضا على الزواج يحمل رضا بالمعاشرة الجنسية، خاصة وأن "الواجب الجنسي" بين الجنسين، إن صحت التسمية، يحظى بمرتبة مميزة، وتحفل مدونة الأحاديث بذلك ومنها حديث الرسول محمد "إذا دعا الرجل امرأته فلتجلب وإن كانت على ظهر قتيب".

وقد اعتبر فقهاء الشريعة الإسلامية أنه لو أرغم رجلاً زوجته على الجماع فلا عقوبة عليه ولا تعزير لأنه وطء شرعي مع حليلته. كما أن جريمة الاغتصاب في أساسها نصّت عليها التشريعات الوضعية لردع إتيان رجل غريب لأنثى، حيث يصعب قبول أن تكون عقوبة الاغتصاب والتي تصل للإعدام أو السجن المؤبد الموجهة ضد المغتصب الجاني، أن توجه كذلك ضد الرجل الذي يجامع زوجته غصبًا عنها.

اقرأ/ي أيضًا: سرديات الاغتصاب والتحرش.. فتيات عربيات يكسرن الصمت

وفي الواقع، لا ينحصر الجدل حول أساس جريمة الاغتصاب الزوجي على فرض تجريمها، بل كذلك حول الإثبات ليشدّد الرافضون للتجريم على موقفهم. حيث إن جريمة الاغتصاب لا تقوم فقط باستعمال العنف، كما يتبادر للذهن للوهلة الأولى، بل كذلك بالتغرير أو التهديد أو المساومة، وهي عناصر يصعب قبولها في الرابطة الزوجية.

لا ينحصر الجدل حول أساس جريمة الاغتصاب الزوجي على فرض تجريمها بل كذلك حول إثباتها وهو غير هيّن

ولكن في الأثناء، يدفع الداعمون للتجريم بأن إتيان الزوجة بقوة هو في نهاية المطاف اغتصاب لإرادتها ومسّ من كرامتها، فحق الزوجين كل منهما على الأخر في الاستمتاع الجنسي، لا يعني استباحة جسد كل منهما للآخر وقتما يشاء دون أي اعتبار لرغبة الطرف الآخر، خاصة وأن العلاقة الجنسية تستلزم تقاربًا وتحاببًا ومقدمّات للجماع بهدف ممارسة طبيعية تحقق الإشباع الجنسي للطرفين. فالإكراه على المعاشرة الجنسية يظلّ جرمًا لدى هذا التيار يجب ردع الزوج بموجبه، وقد عرفت المحاكم الغربية عديد القضايا التي تم فيها إدانة الزوج الذي يغتصب زوجته.

في المقابل، تستثني تشريعات عربية ومنها القانون الأردني مثلاً الزوجة من نطاق جريمة الاغتصاب، فيما سكتت تشريعات أخرى دون منع صريح ولا تبني معلن، فيما كانت للبنان الجرأة في السنوات الأخيرة بتعديل في القانون الجزائي نصّ صراحة على تجريم للعنف بمناسبة جماع الزوج لزوجته، وذلك تحت ضغط الجمعيات النسوية.

وعمومًَا بالكاد تتجاسر الزوجات اللاتي يتعرضن للإكراه في العلاقات الجنسية مع أزواجهن، الحديث حتى لدوائرهن الخاصة عن هذا الصنيع، خاصة وأن الزوجة، في وطننا العربي، تعتقد غالبًا أن الزوج يمارس حقّه وإن كان بالإكراه وأحيانًا باستعمال العنف. غير أن مثل هذا التصرّف الشاذّ الخارج عن الممارسة الجنسية الطبيعية، يضرب التوافق الزوجي ويمسّ الرابطة الزوجية بسلب معاني المودّة والرحمة منها. ولعلّه إن استمرّ، يمكن للزوجة أن تطالب بالطلاق، بل ولها الحق في طلب تتبع الزوج إذا استخدم العنف معها، خاصة وأن التشريعات المعاصرة بما فيها في بلادنا العربية باتت تولي عناية لردع العنف الأسري ومنه العنف الجنسي. ويظلّ في الأثناء النقاش مفتوحًا حول مدى القبول بجريمة الاغتصاب بين الزوجين عربيًا خاصة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

العنف الأسري في لبنان..بين تسلّط الذكر وتساهل القانون

العنف الأسري في المغرب.. ضد الرجال أيضًا