14-يونيو-2019

تدخل الأزمة الأمريكية الإيرانية في طور أكثر تعقيدًا (Getty)

في تطور مفاجئ على تداعيات الأزمة الأمريكية – الإيرانية التي تضرب منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز أهم ممر لناقلات النفط في العالم، أعلن الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية المتمركز في البحرين صباح الخميس تعرض ناقلتي نفط لحادث في خليج عمان، ما يمكن أن يؤدي لتأجيج التوترات السياسية في المنطقة، بعد أقل من شهر على تعرض أربعة سفن تجارية لعمليات تخريب قرب إمارة الفجيرة، وتبني جماعة أنصار الله الحوثي اليمنية استهداف محطتَي ضخ لخط أنابيب نفطية لشركة أرامكو السعودية بطائرات مسيّرة مفخخة.

منذ انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية لم تتعرض ناقلات النفط في الخليج العربي لأي هجوم يذكر بحسب تقرير نشره موقع الجزيرة الإلكتروني، باستثناء ثلاثة حوادث خطف نفذها قراصنة صوماليون ما بين آذار/مارس 2010 وكانون الأول/ديسمبر 2011

بينما حمّلت واشنطن طهران مسؤولية الهجوم الذي استهدف ناقلتي النفط في الخليج العربي، في حين قالت شركة كوكوكا كاريدجس إن هجومًا استهدفها يشتبه بأنه نفذ بطوربيد. لكن مصدرًا مطلعًا نفي لوكالة رويترز أن يكون الهجوم نفذ باستخدام طوربيدات، ورفضت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة الاتهامات الأمريكية الموجهة لطهران، نافيًة أن يكون لها أي دور في الهجوم "بشكل قاطع" على حد قولها.

ناقلتان عملاقتان للنفط تتعرضان للهجوم في الخليج العربي

قالت شركة فرونتلاين النرويجية المالكة لناقلة النفط فرنت ألتير إن النيران اشتعلت بالناقلة قرب خليج عمان، بينما أعلنت شركة بي إس إم للسفن في سنغافورة أن طاقم ناقلة النفط وكوكوكا كاريدجس البالغ عددهم 21 فردًا تم إنقاذهم بعد تركهم للسفينة نتيجة تعرضها لحادث أمني، ونقلت وكالة رويترز عن وسيط شحن بحري قوله إن انفجارًا وقع "يشتبه بأنه ناجم عن هجوم خارجي" ربما تضمن استخدام لغم مغناطيسي على الناقلة كوكوكا.

 أقرأ/ي أيضًا: بعد تعزيز واشنطن ترسانتها العسكرية.. هل ينتظر الشرق الأوسط حربًا شاملة؟

وذكرت صحيفة تريد ويندز المعنية بالشحن أن طوربيدًا أصاب ناقلة نفط مملوكة لشركة فرونتلاين النرويجية قبالة سواحل إمارة الفجيرة بالإمارات، فيما قالت وكالة أنباء فارس الإيرانية إن طهران أغاثت 44 بحارًا من أفراد طاقم الناقلتين بعد تركهم لهما.

ونشرت وكالة يونيوز الإخبارية عبر حسابها الرسمي على منصة تويتر مقطعًا مصورًا قالت إنه يتضمن مشاهد حصرية لاشتعال إحدى ناقلتي النفط في بحر عمان عقب استهدافها بالطوربيد، وذكرت وكالة الأناضول التركية أن عقود النفط الآجلة صعدت بأكثر من 4.2 بالمائة أو 2.5 دولارًا صباح اليوم بعد ورود معلومات عن استهداف ناقلتي نفط عملاقتين في بحر عمان.

وكانت واشنطن قد اتخذت سلسلة إجراءات تصعيدية اتجاه طهران خلال الشهرين الماضيين بعد إلغائها الاتفاق النووي الإيراني بقرار أحادي منفصل عن موقف الاتحاد الأوروبي، وإعادة فرضها حزمة عقوبات اقتصادية على إيران، وتعزيز ترسانتها العسكرية في الشرق الأوسط بإرسالها حاملة الطائرات أبراهام لينكولن إلى المنطقة، ونهاية الشهر الفائت وجهت واشنطن أصابع الاتهام لطهران بالوقوف وراء الهجمات التي تعرضت لها أربع ناقلات نفط في ميناء الفجيرة الإماراتي.

قنوات اتصال إقليمية ودولية بين طهران وواشنطن

تشكل الحادثة التي تعرضت لها ناقلتا النفط العملاقتان صباح الخميس تطورًا مهمًا على صعيد الأزمة الإيرانية – الأمريكية، والمحاولات التي بدأتها مجموعة من الدول تمهيدًا لجلوس الطرفين على طاولة المفاوضات، وهو ما عكسه وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في تغريدة عبر حسابه الرسمي على تويتر قال فيها إن الهجمات التي استهدفت ناقلتي النفط المرتبتطين باليابان جاءت بالتزامن مع انعقاد اجتماع بين الزعيم الإيراني الأعلى أية الله علي خامنئي ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، مضيفًا أن "وصف مريب أقل بكثير من أن يصف ما حدث هذا الصباح".

وكان رئيس الوزراء الياباني قد وصل طهران ظهر يوم الأربعاء في زيارة وصفت بـ"التاريخية" كونها جاءت في إطار التحركات الإقليمية والدولية لوضع حد للتوتر المتصاعد بين طهران وواشنطن، بعد تأكيد آبي على أن سقف التوترات في المنطقة مرتفع، وأنه سيسعى بكل جهده لوضع حد لها، معربًا عن خشيته من أن تؤدي هذه التوترات إلى وقوع مواجهة عسكرية.

ويعتبر رئيس الوزراء الياباني ثاني مسؤول يزور طهران منذ اندلاع الأزمة مع واشنطن، فقد شهد الأسبوع الفائت زيارة لوزير الخارجية الألماني هايكو ماس التقى خلالها نظيره الإيراني جواد ظريف، والرئيس الإيراني حسن روحاني، وحذر ماس خلال زيارته من أن الوضع في المنطقة قابل جدًا للانفجار وخطير للغاية، مشيرًا إلى أن أي تصعيد خطير للتوتر القائم يمكن أن يؤدي لتصعيد عسكري، فيما جدد روحاني تأكيد طهران مقاومة الحرب الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على بلاده.

ويوم الأحد الفائت، كشف وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن الدوحة بالاشتراك مع دول أخرى تجري محادثات منفصلة مع واشنطن وطهران لإنهاء التصعيد الذي تشهده المنطقة، لافتًا إلى أن ما تحاول الدوحة فعله "هو تقريب وجهات النظر وفتح حوار بين الجانبين لأن التصعيد لن يفيد أحدا في المنطقة".

وأشار آل ثاني بحسب ما نقل موقع ميدل إيست آي البريطاني إلى أن طهران على استعداد لمناقشة نقاط النزاع الثلاث مع واشنطن الممثلة بشروط الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه واشنطن، ومشاريع تطوير الصواريخ الباليستية التي تعمل عليها، بالإضافة لقضايا الأمن الإقليمي في المنطقة، لكن قبل الجلوس على طاولة المفاوضات يجب على واشنطن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

واشنطن تبعث رسائل لطهران عبر بغداد

الحديث عن الحراك الدبلوماسي الذي تقوده الدول الإقليمية والغربية بدأ يظهر بشكل أوضح في الصحافة الغربية، بعدما كشف موقع BBC البريطاني قبل شهر عن وجود قنوات خلفية تعمل لاحتواء الأزمة الإيرانية – الأمريكية، وما يمكن أن ينجم عنها من مخاطر اشتعال حرب في المنطقة.

وقد نقل الموقع البريطاني عن مصدر عراقي لم يكشف عن هويته أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو حمّل المسؤولين العراقيين خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد رسالة لطهران يدعوها فيها للجلوس على طاولة المفاوضات، وأضاف المسؤول العراقي أن بغداد تلعب دورًا مهمًا في محاولة تهدئة التوتر في المنطقة، والوصول إلى نوع من التفاهم.

واعترضت بغداد على البيان الختامي للقمة العربية الطارئة التي عقدت في مكة مؤخرًا، وقال الرئيس العراقي في كلمته إن إيران دولة جارة ويجب الحفاظ على أمنها، مشيرًا إلى أن العراق سيبذل قصارى جهده لفتح باب الحوار البناء ونبذ العنف.

كما انتقد وزير الخارجية القطري الشيخ آل ثاني القمة عينها مشيرًا إلى أن البيان الختامي للقمة لم يتم إعداده على مستوى الخبراء أو الوزراء قبل إصداره، وأضاف أن رؤية مجلس التعاون الخليجي لم تكن واحدًة اتجاه إيران كما ادعى البيان الختامي لقمة مكة.

وكانت السعودية قد استضافت نهاية الشهر الفائت في مكة المكرمة قمتين عربيتين طارئتين، الأولى على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، والثانية على مستوى الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، لبحث التطورات الإقليمية التي تشهدها المنطقة على خلفية التوتر الأخير بين واشنطن وطهران، واتهم البيانان الختاميان للقمتين إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية.

كيف يمكن قراء ة تداعيات الهجوم الأخير؟

يمثل الهجومان اللذان استهدفا صباح الخميس ناقلتي النفط العملاقتين تطورًا مهمًا على صعيد الحراك الدبلوماسي الذي تقوده الدول لاحتواء الأزمة الآخذة بالتصاعد أكثر من السابق في المنطقة، بالأخص بعدما نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مسؤول أمريكي أن المراحل الأولى من التحقيق تشير لاستخدام الألغام البحرية والطوربيدات في الهجوم الذي استهدف ناقلتي النفط قبالة الخليج العربي.

وفي تعليقه على أسباب وتداعيات الهجوم قال أستاذ السياسة الشرق أوسطية والعلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية فواز جرجس لوكالة بلومبيرغ، إن واشنطن ستوجه أصابع الاتهام لطهران حتى لو لم يكن هناك أدلة واضحة على وقوفها وراء الهجوم، واصفًا ما حصل بأنه "فأل سيئ" قد يؤدي إلى تصعيد عسكري محسوب بين الطرفين.

واعتبرت بلومبيرغ أنه في حال كانت طهران هي الجهة التي هاجمت الناقلتين إما بشكل مباشر أو عبر وكلائها في المنطقة، فإنها في كلا الحالتين تريد إرسال رسالة تفيد بأن عبور ناقلات النفط عبر مضيق هرمز، أهم طريق بحري لنقل النفط عالميًا ليس آمنًا دون موافقتها، مشيرًة إلى أن العقوبات الأمريكية التي أثرت سلبًا على الاقتصاد الإيراني في حال استمرت لن تمر بهدوء، بل ستدفع طهران لتحميل دول أخرى كلفة عرقلة صادراتها النفطية، وهو ما يحتم على واشنطن وحلفائها مواجهة ارتفاع أسعار النفط الخام، وعدم وصول الإمدادات للدول المستوردة للنفط.

وأشارت الوكالة في التقرير عينه إلى أنه من الممكن أن تكون دول أخرى تقف وراء الهجوم تريد إخراج التوتر المتصاعد بين طهران وواشنطن عن مسار العقوبات الاقتصادية والتصريحات المتبادلة بينهما، مضيفًة أن من يقف وراء الهجوم الذي حصل صباح الخميس ليس صديقًا لإيران إنما يريد إحداث تغيير في النظام الإيراني.

أقرأ/ي أيضًا: بعد تعزيز ترسانتها العسكرية.. ترامب يتبنى خطاب التهدئة اتجاه إيران

ومنذ انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية لم تتعرض ناقلات النفط في الخليج العربي لأي هجوم يذكر بحسب تقرير نشره موقع الجزيرة الإلكتروني، باستثناء ثلاثة حوادث خطف نفذها قراصنة صوماليون ما بين آذار/مارس 2010 وكانون الأول/ديسمبر 2011، وأشارت وكالة بلومبيرغ إلى أنه في حال استمر تعرض ناقلات النفط لهجمات مماثلة فإن ذلك سيدفع بالبحرية الأمريكية لمرافقتها في الخليج العربي، وهو ما سيؤدي لرفع تكلفة الحملة التي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران منذ انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني في أيار/مايو 2018.

تشكل الحادثة التي تعرضت لها ناقلتا النفط العملاقتان صباح الخميس تطورًا مهمًا على صعيد الأزمة الإيرانية – الأمريكية، والمحاولات التي بدأتها مجموعة من الدول تمهيدًا لجلوس الطرفين على طاولة المفاوضات

وكان رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي لملاك ناقلات النفط المستقلين (إنترتانكو) باولو داميكو قد أعرب عن قلقه الشديد بشأن سلامة أطقم الناقلات المستقلة في مضيق هرمز عقب تعرض ناقلتي النفط للهجوم، وأضاف قائلًا: "نحتاج إلى أن نتذكر أن نحو 30 بالمائة من النفط الخام (المنقول بحرًا) في العالم يمر بالمضايق. إذا أصبحت المناطق البحرية غير آمنة، فإن الإمدادات للعام الغربي بأكمله قد تتعرض للتهديد".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حين أصبحت هواوي رأس الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة

"قرن الأمجاد الصينية".. صراع بكين وواشنطن للسيطرة على الجيل الخامس