إنه ليس سؤالًا تفرضه الرغبة في خلق هالة من الفضول لدى القرّاء، بقدر ما هو سؤال يفرضه الواقع نفسه، بعد أن صار معظم منفذي عمليات هذا التنظيم الذي تربّع على عرش الإرهاب في العالم، حتى أنه تجرّأ على ضرب مسجد الرسول نفسه، من شاربي الخمر وآكلي لحم الخنزير وذوي السوابق العدلية في قضايا تتعلّق بسوء العلاقة مع الأهل والجيران.
في ثمانينيات القرن العشرين، حين كان ما يُسمّى بالجهاد الأفغاني، الحركة التي تفرّعت عنها معظم الحركات الجهادية فيما بعد، في أوج استقطابه للشباب المسلمين من شتى بقاع الدنيا، كما يحصل اليوم مع داعش، كان الشاب المستقطب نموذجًا حيًّا للشاب الملتزم دينيًا بالمفهوم المتعارف عليه يومها للالتزام، رغم أن وسائط الاتصال لم تكن متاحة بما هي عليه اليوم، إلا أن الكتب والأشرطة والصور التي ترصد صلاة وصيام وقيام واحتفاء الجهاديين في أفغانستان بالمناسبات الدينية، كانت تصل إلى القارات الخمس وتلعب دورًا كبيرًا في تلميع صورتهم وتغذية صفوفهم بمزيدٍ من المتحمّسين، فما الذي جعل الدواعش يختلفون عن أولئك في هذا الباب؟
لماذا يطلعنا تنظيم داعش على مشاهد قتله لمن يعتبرهم خارجين عن الدين، ولا يطلعنا على مشاهد من يدخلون فيه؟
لماذا لا يسرّب التنظيم تسجيلاتٍ ترصد صلاة القوم؟ خاصة تلك التي تكرّس روح الجماعة المسلمة مثل صلاة التراويح في رمضان؟ وصلاة عيدي الأضحى والفطر؟ أو صلاة الجنازة على قتلاهم؟ أو تسجيلات لعمليات الإفطار والسحور؟ أو خطب الجمعة التي يخطب فيها رموز التنظيم، باستثناء خطبة البغدادي في الموصل؟ أو أعراس الزواج والختان؟
اقرأ/ي أيضًا: "هالك" إيران و"بلدوزر" داعش
لماذا تندر تسجيلات لداعشي يقرأ القرآن أو يسمعه؟ لنفرض أن التنظيم يرى في المقرئين المعروفين، مثل عبد الباسط عبد الصمد وخليل الحصري والسديسي، أتباعًا للأنظمة التي يكفّرها، فلماذا لا يملك مقرئين خاصّين به؟ لماذا يطلعنا على مشاهد قتله لمن يعتبرهم خارجين عن الدين، ولا يطلعنا على مشاهد من يدخلون فيه؟
أبادر إلى القول إن هذه الأسئلة لا تندرج في باب تبيان تقصير القوم من حيث الطقوس الدينية، لتشويه صورتهم وتسويدها في الأعين والأذهان، ذلك أنها لن تساهم في تلميعهم ومنحهم شرعية حتى إن توفرت، ولكن للتأكيد على كونهم تنظيمًا غريبًا بكل المعايير الدينية والأخلاقية والإنسانية والقانونية والأمنية، بما يشكّل مسخًا إنسانيًا جديرًا بأن تتحالف جميع المنظومات المعرفية لدراسة السياقات التي أفرزته، لعله يكون مقدمة لمسوخ أكثر بشاعة تهدّد حياة الكوكب فعليًا.
اقرأ/ي أيضًا: وسائل الإعلام.. مركز صناعة الوحوش
لقد كثرت القراءات التي تقول إن التنظيم هو ثمرة لذكاء مخابراتي معين، لهذه الجهة أو تلك، سعيًا إلى تحقيق أهداف استراتيجية معينة، والأمر ليس مستبعدًا، لكن السؤال الذي علينا ألا نغفله، ولو من باب الاحتمال: ماذا لو كان غير ذلك؟ أو بدأ كذلك ثم تمرد على البرنامج المسطر له؟ بما أصبح يهدّد العالم كله؟
ألم يعد خوف الإنسان من الموت المفاجئ، في واشنطن وباريس وهلسنكي وطوكيو وجاكارتا والرباط والقاهرة وأنقرة وموسكو وروما ونيروبي، بالحدّة نفسها التي يشعر بها الإنسان في العراق والشام؟ بما يجعل الأسرة الإنسانية أمام أحد المصيرين: إما أن توحدها داعش وإما أن تفككها.
اقرأ/ي أيضًا: