03-فبراير-2019

فضيحة التلاعب بالانتخابات الأمريكية كانت نموذجًا لما يمكن أن تمثله السوشيال ميديا (Getty)

تزايدت في السنوات الأخيرة أخبار توقف صحف كبرى عن إصدار نسختها الورقية لصعوبات تواجهها، أو في محاولة لمواكبة التحول للصحافة الرقمية.

 أصبحت المساحة الأوسع في مجال الصحافة والأخبار، تحت سيطرة مؤسسات الشركات التكنولوجية، خاصة شركات الإنترنت الكبرى في وادي السيليكون

هذه التطورات التي تبدو من سرعتها وكأنها طارئة على الصحافة، تطرح تساؤلات حول طريقة عمل الصحافة التلقيدية، في عصر انتشار الأخبار الكاذبة، وشبكات التجسس الرقمي ولعب أجهزة المخابرات من وراء ستار، في توجيه الرأي العام عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تؤثر السوشيال ميديا على الحقائق

إذًا، يحيل ذلك في مجمله إلى الصراع بين المؤسسة الرقمية والتقليدية في الصحافة والنشر والإعلام، والتساؤل عن تفاصيله جدلياته وما تشير إليه الدراسات الحديثة وتوصيات الخبراء.

الصحافة اليوم.. استثمار شركات وادي السيليكون

هل هناك استيلاء متزايد وسريع من قِبل مواقع التواصل الاجتماعي على الدّوْر الذي كانت تقوم به الصحافة التقليدية؟ الإجابة المرصودة هي: نعم.

وفق تقرير لمرصد كلية كولومبيا للصحافة، فثمة تطور كبير ومتسارع لدور شركات تكنولوجية كبرى مثل جوجل وفيسبوك في التحكم فيما يتعرض له الجمهور على كافة المستويات، بما في ذلك الأخبار.

غرف الأخبار
ثمة استيلاء متزايد وسريع من قِبل شركات التكنولوجيا على الدّوْر الذي كانت تقوم به الصحافة التقليدية

ويشير التقرير إلى أن الوظيفة الإخبارية الصحفية لم تعد النشاط الأساسي لبعض دور النشر الصحفية، وأن هذا الاتجاه قد يستمر مع تخلي شركات النشر الصحفية عن الوظائف التقليدية للناشرين.

وفي غضون 20 عامًا شهدت الصحافة ثلاثة تغيرات كبرى في طريقة إدارتها وفي التوزيع، تمثلت في:

  1. التحول إلى الرقمية، أو إعطاء النسخة الرقمية أولوية عن المطبوعة.
  2. صعود مواقع التواصل الاجتماعي.
  3. هيمنة الهواتف الذكية، وما يستتبع ذلك من مفهوم المواطن الصحفي وصحافة المحمول.

وهكذا أصبحت المساحة الأوسع في مجال الصحافة والأخبار، تحت سيطرة مؤسسات الشركات التكنولوجية، خاصة شركات الإنترنت الكبرى في وادي السيليكون.

ووجدت الدراسة التي أجراها المرصد مجموعة من النتائج المتعلقة بهذا السياق، يلمسها الناس العاديون قبل الباحثين في معاملهم، وتتمثل في أن منصات التكنولوجيا تحولت إلى دور نشر في فترة زمنية قصيرة، ومن المحتمل أن تتوقف المزيد من المؤسسات الصحفية التقليدية عن النشر والتوزيع كنشاط أساسي، وبالتالي التوقف عن تحقيق دخل يحميها ويضمن استمرارها.

بيزنس المحتوى الإخباري الموجّه

تتحكم المنصات الرقمية في الصحافة من حيث دفعها أو دعمها لأشكال معينة من المحتوى الإخباري، أو إملائات تفرضها على الناشر من أجل تحصيل جمهور أكبر.

وتلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورًا سيئ السمعة في توجيه المحتوى الإخباري، أيًا كانت مصداقيته، في إطار عام من "بيزنس" اللعب في بيانات المستخدمين.

وألقت فضيحة التلاعب في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ثقلها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأجبرتها إلى إجراء تعديلات تحملها مسؤولية أكبر في قرارات النشر، وتتبع الحسابات المزيفة والذباب الإلكتروني.

بشكل أو بآخر، تأثر المحتوى الصحفي نفسه بعد تغيّر وسيطه إلى المنصات الرقمية التي تستهدف الربح بشكل أساسي، وبصورة تنطلق من استغلال بيانات المستخدمين وتفضيلاتهم.

على هذا، يُدفع أحيانًا المحتوى الإخباري للتزييف من أجل التجييش والحشد لأغراض سياسية ودعائية، أو يُصبح المحتوى الصحفي الجاد ذو القيمة العالية، مجبرًا على مجاراة لعبة خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي، للوصول إلى الجمهور. 

التكامل بين شركات التكنولوجيا والصحافة

في الولايات المتحدة الأمريكية، تعهدت شركات كبرى مثل فيسبوك بضخ 100 مليون دولار، لدعم الصحافة على مستوى البلاد في السنوات الثلاث المقبلة. كما تعهدت جوجل قبل عام تقريبًا، بدفع مبلغ 300 مليون دولار لتعزيز دور الصحافة.

يرى صحفيون أن ما فعلته شركتي فيسبوك وجوجل، ليس إلا محاولات للحفاظ على ماء الوجه، بعد أن تسببتا "بغطرسة" في القضاء على دور نشر الصحف.

السوشيال ميديا
تلتهم السوشال ميديا صناعة الإعلام ونشر الأخبار

وتجدير الإشارة هنا إلى مئات الملايين التي أعلنت شركات التكنولوجيا دفعها لتعزيز الصحافة، لم توقف أيًا من توسعات هذه الشركات للسيطرة على المحتوى الرقمي كله، وهو ما يجعل الأمر أشبه بحلقة مفرغة.

لكن من جهة أخرى، ثمة من يرى أنه من قبيل الأمر الواقع الاشتباك بين شركات التكنولوجيا والصحافة، وأنه اشتباك قد يتحول لتشابك وتكامل ببعض المقترحات والتوصيات.

في تقرير صدر عن معهد رويترز بعد إعلان شركة فيسبوك عزمها تمويل الصحافة، أوصى الأكاديمي تيموثي جارتون آش بتكامل أكبر بين الصحافة والشركات التكنولوجية التي تسيطر على المحتوى الرقمي.

ثمة من يرى أنه من قبيل الأمر الواقع الاشتباك بين شركات التكنولوجيا والصحافة، وأنه اشتباك قد يتحول لتكامل ببعض المقترحات

وأوصى جاردون آش، فيسبوك، على اتخاذ شكل المحرر الصحفي المدقق في الخبر، على غرار مشروع "Verificado" في المكسيك، والذي تم تمويله مباشرة من كل من مشروع "Facebook Journalism" ومبادرة أخبار Google الرقمية في العديد من البلدان الأخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

السوشال ميديا بعد الرأسمالية.. كيف يمكن إنشاء فيسبوك اشتراكي؟

كيف سيكون تأثير الذكاء الاصطناعي على الصحافة بعد 10 سنوات؟