07-مارس-2019

تشير تقارير إلى شقاق محتمل بين ابن سلمان والعاهل السعودي (Getty)

في صباح يوم 23 شباط/فبراير الماضي، كان ولي العهد السعودي في مقدمة مودعي والده الملك سلمان بن عبدالعزيز، قبل سفره إلى شرم الشيخ لحضور القمة العربية الأوروبية. كان نجل الملك عائدًا للتو من زيارة آسيوية تنقل فيها بين باكستان والهند والصين، ولكنه أصر على توديع والده في المطار.

مع تقارير من صحف غربية وتسريبات من داخل القصر، تبقى العائلة المالكة في السعودية في انتظار القادم، دون أن تكون ردة فعلها معروفة إزاء الشقاق المحتمل بين ابن سلمان ووالده

ساعات قليلة مرت علي سفر الملك إلى شرم الشيخ، قبل أن يتفاجأ الجميع بصدور أوامر ملكية من الرياض باسم الملك وبتوقيع ولي العهد محمد بن سلمان، حسب ما يوضح تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، يحمل مؤشرات من مصادر قريبة من العائلة المالكة في السعودية تحدثت حول ما أسمته ستيفاني كيرشغاسنر، كاتبة التقرير، دلالات متزايدة حول أزمات تلوح في الأفق بين الملك سلمان ابن عبدالعزيز ونجله ولي العهد.

اقرأ/ي أيضًا: دفاعًا عن حقوق المرأة أم تطلعات ابن سلمان؟!

شقاق محتمل

العديد من القضايا كانت محل خلاف بين الملك من جهة وولي العهد من جهة أخرى خلال الأسابيع الأخيرة، كما أشارت مصادر الغارديان. على رأس تلك القضايا أزمة الحرب في اليمن، حيث ألمحت المصادر إلى أن تلك الخلافات بدأت في التصاعد بعد اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وبعد أن أشارت تقارير خاصة بوكالة الاستخبارات الأمريكية إلي إصدار الأمير محمد بن سلمان أمرًا بقتل خاشقجي.

ربما كان كل شيء يسير على ما يرام، وكانت الأزمات بين الطرفين طي الكتمان، لكن  تلك الخلافات بدأت في الظهور للعلن مع سفر الملك السعودي إلي قمة شرم الشيخ، حيث إن رحلة القاهرة شهدت التحول الرئيسي في الأزمة. فعقب سفر الملك، قرر مستشاروه حسب الصحيفة البريطانية، استبدال طاقم الحرس الخاص به، بآخرين غير موالين لولي العهد محمد بن سلمان، بالإضافة إلى رفض مرافقة الطاقم المصري الملك سلمان خلال زيارته.

لم تتوقف التطورات عند تغيير طاقم الحراسة، حيث أصدر ولي العهد أيضًا، عددًا من الأوامر الملكية باسم الملك وبتوقيعه دون الحاجة الملحة والعاجلة، وهي كلها خلافات تشير إلى احتمالية وجود شقاق بين الملك وولي عهده، وفقًا للغارديان.

نائب الملك يظهر

شملت الأوامر الملكية التي صدرت من ولي العهد باسم الملك، خلال زيارة والده لمصر في 23 شباط/فبراير الماضي، تغيير منصب هام في السياسيات الخارجية السعودية، وعلى ما يبدو فإن ولي العهد حاول أن يؤكد لأصدقائه في الولايات المتحدة أنه المتحكم في شؤون المملكة، مكررًا سردية الرجل المنفتح القادم للحكم والذي يحترم المرأة. حيث تضمنت القرارات صرف راتب شهر مكافأة للعسكريين المشاركين في الصفوف الأمامية للأعمال العسكرية في الحد الجنوبي للمملكة، وتعيين سفير السعودية في أمريكا، الأمير خالد بن سلمان نائبًا لوزير الدفاع بمرتبة وزير، بالإضافة إلى تعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود سفيرة المملكة في الولايات المتحدة الأمريكية بمرتبة وزير.

وكما يوضح نيل كيليام ، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شاتام هاوس، فإن رغبة ابن سلمان في إعلان تعيين المناصب خلال فترة غياب والده، تشير إلى سعيه إلى المضي قدمًا في التغيير والاستعداد لتأكيد سلطته. مع ذلك، فإن كيليام يرجح أن يستمر الملك في منصبه من دون أن يحاول ولي العهد الضغط عليه، مبررَا ذلك بأن ابن سلمان لا يزال يعتمد على دعم الملك كنقطة شرعية.

ووفقًا لمصادر الغارديان فإنه لم يتم إعلام الملك بهذه الأوامر، إذ عرف عنها من خلال التلفزيون، وهو ما أثار غضبه من جهة تعيين شقيقه خالد لمنصب أكبر من إمكانياته، كما أشارت المصادر إلى أن لقب نائب الملك لم يستخدم بمثل هذه الطريقة لعقود. ونقلت الغارديان عن المتحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن، أن إصدار الملك عند سفره للخارج أمرًا ملكيًا، ينتقل بشكل دوري، لنائبه لإدارة شؤون البلاد. فيما رفض المتحدث أن يكون هناك تلميحات حول القرارات التي صدرت من المملكة في غياب الملك، معتبرًا أن هذا التحليل ليس له أساس من الصحة. مع ذلك، وفي نفس الوقت، فقد رفض التعليق حول التغييرات التي طرأت على الفريق الأمني للملك خلال زيارة مصر، ورفض الحراسة المصرية التي كان من المفترض أن تصاحب الملك. ووفقًا لمصادر الغارديان فإن الملك نصح بعدم مناقشة الأمر مع أي من القادة الآخرين أو نجله حتى عودته للرياض.

تتزايد الأزمات، ويختفي ولي العهد من طاقم مستقبلي الملك بعد عودته للمملكة، إذ لم يظهر في المطار كما هو معتاد، مما يشير لمزيد من الاضطرابات بين الطرفين. في هذا السياق، نقلت الغارديان عن بروس ريدل، مدير مشروع بروكينجز للمخابرات، وصاحب خبرة طويلة في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، أن هناك علامات خفية تشير إلى أن شيئًا ما غير معتاد في القصر الملكي، مؤكدًا على أن المعنى السياسي لاستقبال ولي العهد للملك عقب عودته من الرحلات الخارجية، مرتبط بالاحترام واستمرارية الحكومة، ويرى ريدل أنه من المتوقع أن يمثل الأمر حالة ترقب للعائلة المالكة، فيما أشار نيل كيليام إلى احتمالية وجود أسباب أخرى وراء غياب الأمير عن استقباله والده، دون أن يرتبط ذلك بالضرورة بأمر سياسي.

 وفي نفس الوقت يرى بعض المعارضين أن الحديث عن توتر بين الملك ونجله محاولة لصرف النظر عن حقيقة إدارة الدولة من جانب ولي العهد فقط، وأنه لا يوجد توتر بين الطرفين.

الأمير المضطرب

منذ صعوده إلى السلطة، بقي ابن سلمان مصدر اضطراب وقلق مستمر في المنطقة، فيما انتقلت الأزمات لوالده وللأسرة الحاكمة، بداية من حرب اليمن وصولًا لمقتل جمال خاشقجي في تشرين الأول/أكتوبر، والذي يعد أكثر الأزمات تأثيرًا في العلاقة بين الملك والأمير. وهو ما دفع الملك إلى التدخل في بعض أمور الدولة على عكس ما كان يحدث من قبل.

اقرأ/ي أيضًا: توماس فريدمان.. تنظيف دكتاتورية ابن سلمان القذرة بالجملة

لا تقف أزمات ابن سلمان وخلافاته مع العاهل السعودي عند حدود السياسة، ولكنها تصل في بعض المرات إلى حدود الدين والعلاقة مع المجتمع المحلي والتقليدي، كما اختلفا أيضًا حول مسائل متعلقة بالسياسة الخارجية بما في ذلك التعامل مع أسرى الحرب في اليمن، وتعامل الرياض مع الاحتجاجات في كل من السودان والجزائر. إذ كان للملك رأي في أن يكون هناك تغطية أكثر حرية للاحتجاجات في الصحافة السعودية، لكن الأمير كان متشددًا في تأييده لقمع الاحتجاجات وضرورة ذلك.

منذ صعوده إلى السلطة، بقي ابن سلمان مصدر اضطراب وقلق مستمر في المنطقة، فيما انتقلت الأزمات لوالده وللأسرة الحاكمة، بداية من حرب اليمن وصولُا لمقتل جمال خاشقجي 

وبين تقارير من صحف غربية وتسريبات من داخل القصر، تبقى العائلة المالكة في السعودية في انتظار القادم، دون أن تكون ردة فعلها معروفة إزاء التطورات الكثيرة وغير المعهودة في المملكة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد بن سلمان.. صعود سريع لأمير طائش يهدد البلاد والمنطقة!