16-أغسطس-2016

أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينين في لبنان(أنور عمرو/أ.ف.ب)

المخيمات الفلسطينية في لبنان، قلاع أمنية لا يمكن الدخول أو الخروج منها دون التعرض للتدقيق والتفتيش، وترصدها أعين الأجهزة الأمنية على مدار الساعة لمتابعة أي حركة مشبوهة، إلا أن هذه المخيمات بدأت تشهد في الآونة الأخيرة زيادة ملحوظة في معدلات الاتجار في المخدرات، ومعها أعداد المتعاطين في صفوف الشباب، داخل هذه المخيمات.

تشهد المخيمات الفلسطينية في لبنان زيادة ملحوظة في معدلات الاتجار في المخدرات، ومعها أعداد المتعاطين في صفوف الشباب

قد يعتقد البعض أن الأمر طبيعيًا في ظل ارتفاع معدلات الاتجار بالمخدرات على كافة الأراضي اللبنانية، غير أن النجاح في إيصال هذه المادة المخدرة إلى داخل المخيمات والمخاطرة بعبور العديد من الحواجز الأمنية هو ما يثير الاستغراب والتساؤل على حد سواء.

اقرأ/ي أيضًا: مجددًا في لبنان.. التحريض على المخيمات الفلسطينية

الأمر المؤكد هنا هو أن الربح المادي ليس هدفًا لتجار المخدرات، لأن تكاليف وخطر إدخال المواد المخدرة على أنواعها إلى المخيمات أكبر من العائدات المادية لهؤلاء المروجين، خاصة أن أسعار المبيع داخل المخيم لا تختلف عن خارجه، ومن المعروف أن الشاب المدمن هو من يسعى في العادة للوصول إلى هذه الأوكار وليس العكس. لذا المنطق يشير إلى ضرورة ابتعاد تجار المخدرات عن المناطق الأمنية خوفًا من انكشاف أمرهم.

العديد من أهالي المخيمات أكدوا لـ"الترا صوت" "تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات والترويج في صفوف الفئات العمرية الصغيرة"، كما يؤكد الحاج أبو حسين نايفة، الذي صرح أن "هناك أشخاصًا معروفين شكلًا واسمًا يعملون على بيع المخدرات وبصورة علنية في بعض الأحيان، دون أن يتحرك أحد لملاحقتهم سواء من اللجان الشعبية داخل المخيم أو الأجهزة الأمنية اللبنانية التي لديها لوائح بأسماء الكثيرين ممن يشتبه بترويجهم للمخدرات، إلا أننا نراهم يدخلون ويخرجون من المخيم بحرية تامة".

الشاب أحمد جلب بدوره اعتبر أن "الحصول على المخدرات بات أسهل من الحصول على ربطة خبز، والغريب أن أسعارها في المخيم أرخص أحيانًا من خارجه"، ويضيف ممازحًا: "قد يكون السبب هو تسهيل حصول العاطلين عن العمل على هذه المادة المخدرة".

اقرأ/ي أيضًا: اللاجئون الفلسطينيون والأونروا.. إلى الشارع دُر

وفي ظل تفشي آفة المخدرات في المخيمات بصورة متسارعة، يجب البحث عن الطرف المستفيد من تسهيل إيصال المخدرات للاجئين الفلسطينيين، لأنه من المعروف تاريخيًا أن المخدرات تعتبر سلاحًا فعالًا تستخدمها الأطراف المختلفة أثناء الحروب، بهدف السيطرة على الأفراد وتحويلهم إلى أدوات طيّعة تنفذ أهداف وأجندات هذا الطرف أو ذاك دون أي تلكؤ أو تردد، وقد تصل أحيانًا إلى القتل.

تاريخيًا كانت المخدرات تعتبر سلاحًا فعالًا تستخدمها أطراف أثناء الحروب، بهدف السيطرة على أفراد معينين وقد يفسر هذا انتشارها في المخيمات

وسبق أن كشفت جمعية الأطباء الألمانية، عن نتائج أبحاث حول مجال الطب إبان حكم النازية وأنشطة الأطباء الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث أظهرت الأبحاث إجبار الجنود الألمان على تعاطي المخدرات، التي تمنح النشاط وتزيد القدرة على التحمل، عبر إعطائهم دواءً مخدرًا يسمى "الميثامفيتامين" ويعرف باسم "سبيد"، والذي كان يعتبر "سلاح هتلر السري". ووفقًا للدراسات المتعلقة، لم يكن سلاح المخدرات حكرًا على النازية، حيث شهدت الكثير من مناطق العالم تزايدًا في استخدام المقاتلين والمرتزقة للمخدرات ليتحول المحارب العادي إلى آلة قتل لا تعرف رحمة ولا شفقة.

وإذا ما صحت هذه النظرية، فإن مثل هذه الجهات تستهدف بالعادة التجمعات البشرية الفقيرة نظرًا للكثافة السكانية وارتفاع نسبة الجهل لدى السكان، ما يسهّل عملية تجنيد المرتزقة عبر قناة الإدمان على المخدرات. لتفرض عدة أسئلة نفسها، ما الرابط بين إغراق المجتمع الفلسطيني بالمخدرات وعودة موجة التحريض على المخيمات من بوابة التهديد الأمني؟ وهل المطلوب أن تصبح المخيمات في لبنان بؤرًا للفساد والجريمة المنظمة تسهيلًا لاقتلاعها متى تحين الفرصة المناسبة؟ أم أن الطريقة الأمثل لإنهاء ملف المخيمات يكون عبر تفتيتها من الداخل؟ أسئلة كثيرة قد لا يكون لها إجابات، غير أنه من الواضح أن هناك أطرافًا خفية تعمل بشكل حثيث على تدمير المخيمات وما تحمله من رمزية للقضية الفلسطينية.

اقرأ/ي أيضًا:

للعنصرية أيضًا بيئتها الحاضنة في لبنان

أسعار المخدرات في لبنان