13-فبراير-2018

من أجواء المعرض

رفع "معرض القاهرة الدولي للكتاب" في دورته الأخيرة شعار "القوة الناعمة.. كيف؟"، وكان ضيف الشرف في المعرض أحد الكتاب الراحلين وهو عبد الرحمن الشرقاوي، بينما كانت دولة الجزائر ضيفة شرف المعرض.

هل كان المال الثقافي السعودي والإماراتي مؤثرًا في معرض القاهرة للكتاب؟ كيف كانت تجليات هذا التأثير؟

في هذا التقرير المصغر عن المعرض سوف نطرح مجموعة من الأسئلة ونحاول الإجابة عنها من زياراتنا، ومن من خلال رؤية تحليلية للمعرض ككل هذا العام.

اقرأ/ي أيضًا: معرض الكويت للكتاب.. سيف الرقابة ورقبة الإبداع

من هذه الأسئلة: هل استطاع المعرض أن يعيد القوة الناعمة إلى مصر على الأقل في جانبها الثقافي؟ وما هي القوة الناعمة الثقافية؟ هل كان تنظيم المعرض على المستوى المطلوب؟ هل كان المال الثقافي الخليجي السعودي والإماراتي مؤثرًا؟ كيف كانت تجليات هذا التأثير؟

القوة الناعمة.. نعومة التأثر والتأثير

أول من أسّس لمفهوم القوة الناعمة كان جوزيف صموئيل ناي، أحد أساتذة العلوم السياسية المخضرمين في الولايات المتحدة، وهو عميد سابق لمدرسة جون كينيدي الحكومية في جامعة هارفارد. يعرف جوزيف ناي في كتابه "القوة الناعمة" على أنها: "القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية، وهي تنشأ من ثقافة بلد ما، ومثله سياساتها، فعندما تبدو سياساتها مشروعة لدى العالم وفي عيون الآخرين تتسع القوة الناعمة".  ثم أعطى أمثلة على ذلك بقوله: "فكروا مثلًا في تأثير الحريات الأربع التي تبناها الرئيس فرانكلين روزفلت في أوروبا في نهاية الحرب العالمية الثانية، والطلبة الصينيين وهم يرمزون في احتجاجاتهم في ساحة تيانانمين".

كان جوزيف ناي يؤسّس لفكرة أن أمريكا هي أصل الحريات، وعلى الرغم من أن هذا الخطاب اليوم فقد الكثير من وزنه بعد وصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، إلا أن الولايات المتحدة لا زالت تحتل شريط الأخبار فيما يتعلق بجوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء، وفي أعداد الطلبة الأجانب الذين يدرسون في جامعاتها، وهنا نضع أيدينا على جوهر القوة الناعمة الثقافية، حيث يذكر جوزيف ناي قول وزير الخارجية الأسبق كولن باول، أحد أساتذة تلفيق أدلة الحرب على العراق: "لا أستطيع أن أفكر في رصيد لبلدنا أثمن من صداقة قادة عالم المستقبل الذين تلقوا تعليمهم هنا".

ملصق المعرض

أورد الكتاب إحدى الإحصائيات التعليمية التي تشير إلى أن الذين درسوا في الولايات المتحدة يعودون بأرصدة من حسن النوايا تجاه الولايات المتحدة. وعلى الرغم من عدم دقة هذا الاعتقاد، لكن يمكن الأخذ به خاصة أن الكتاب يتحدث عن أن البعثات الدراسية من الاتحاد السوفييتي إلى الولايات المتحدة، التي وصفها جوزيف ناي بأنها كانت حصان طروادة الذي قاد الثقافة الأمريكية إلى الاتحاد السوفييتي وساهم كثيرًا في تآكله لاحقًا.

السؤال الذي يطرح ذاته الآن: هل لا يزال معرض القاهرة وحده قادرًا على استعادة القوة الناعمة المصرية التي فقدت الكثير من وزنها على مدى عدة سنوات بعد الثورة؟ الجواب لا بالطبع. فقد كان المعرض باهتًا للغاية فيما يتعلق بتوظيف الحدث في استعادة القوة الناعمة، وكانت أخطاء التنظيم كارثية ومزعجة للمهتمين من المراقبين، إلى جانب الوضع السياسي الذي أفقد مصر الكثير من وزنها الثقافي، فقد جسد "معرض القاهرة الدولي للكتاب" هذا العام هذه الأوضاع، فعلى سبيل المثال، كان ضيف شرف المعرض الكاتب الراحل عبد الرحمن الشرقاوي، وللمفارقة فإن أحد أهم مسرحيات الشرقاوي "الحسين ثائرًا" هي من المسرحيات الممنوعة من العرض والتمثيل في مصر بفتوى من الأزهر نفسه، هذا إلى جانب أن المعرض تجاهل تمامًا طباعة أعمال عبد الرحمن الشرقاوي، من مسرحيات وكتب وغيرها .

أما بالنسبة للتنظيم، فقد كانت مخيمات عرض الكتب سيئة للغاية، وتؤثر بشكل كبير على جودة الكتب المعروضة التي عانت المطر والأتربة وعدم استقرار طقس القاهرة في تلك الفترة على مدى أربعة عشر يومًا. فضلًا عن غياب آليات مساعدة وتأمين ذوي الاحتياجيات الخاصة من الزوار، وغياب أي ناقلات سريعة للزوار بين جنبات المعرض شاسع المساحة.

المال الثقافي السعودي والإماراتي في مواجهة الكتاب المصري

تناقلت وسائل الأعلام المصري الرسمية وغير الرسمية المصرية أن أكثر الأجنحة الثقافية اجتذابًا للزوار في المعرض كان الجناح السعودي، وقد أعزت وسائل الإعلام إلى تميز المعروض في الجناح، والحقيقة أن واقع الزيارات التي قمنا بها إلى الجناح ترينا أن سبب الإقبال على الجناح السعودي هو توزيع المصاحف المجانية التي أقبل عليها الناس، كما أنه الجهة الوحيدة في المعرض التي توزع المصاحف باللغات الأجنبية إلى جانب لغة برايل، بالإضافة إلى توزيع ماء زمزم، أما بالنسبة للمنتج الثقافي المُنتظر، فقد كان المعروض كتبًا دينية مثل صحيح البخاري وغيرها من الكُتب ذات الطبعات الفخمة التي تتحدث عن تاريخ المملكة في غياب لكتب فكرية أو ثقافية متنوعة.

أما بالنسبة للنشاط الإماراتي فقد كان في مجمله طبعات فاخرة تتحدث عن المعالم السياحية للإمارات، وشعراء إماراتيين، وكتب عن قصة مؤسسي الإمارات، وألبومات صور للإمارات المختلفة.

لكن كيف كان المنتج الثقافي المصري؟ لا يزال المنتج الثقافي المصري هو الأكثر حظًا بين كل المنتجات الثقافية في المعرض، ليس فقط لجودته التي تخرج في أصعب الظروف المحيطة، بل أيضًا لرخص ثمنه، فقد تميزت مطبوعات "المركز القومي للترجمة" بتنوعها ورخص ثمنها، بالإضافة إلى الخصومات الكبيرة التي توفرها طوال العام للطلبة، ولطلبة الدراسات العليا التي تصل إلى 50%، وتبدأ أسعارها من 20 جنيهًا (ما يعادل دولارًا واحدًا).

لا يزال المنتج الثقافي المصري هو الأكثر حظًا بين كل المنتجات الثقافية في المعرض لرخص ثمنه

كذلك تميزت مطبوعات "الهيئة العامة للكتاب" التي تبدأ بأقل من دولار، بجودتها فهي تقع في متناول يد القارئ المصري الذي لا يتمتع جيبه بمبلغ ضخم مخصص لشراء الكتب، في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، ويحاول البحث عن الكتاب المتميز في ظل أصعب ظرف ممكن.

اقرأ/ي أيضًا: معرض فلسطين للكتاب.. كل شيء جيد، إلا الكتاب!

في النهاية يمكن القول، إن مشاهد طلبة الأزهر، ومشتري الكتب من غير المصريين، كانت متواجدة في هذا الحدث بطبيعة الحال، وفرحة اقتناء الكتب كانت موجودة، في ظل شبه غياب حقيقي لأي تنسيق ومال ثقافي حقيقي يعطي هكذا حدث حقه في الترويج للمنتج الثقافي المصري، أو للقوة الناعمة الثقافية المصرية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة سناء عون

مكتبة محمد الرفرافي