24-يناير-2017

السيسي يفتتح تفريعة قناة السويس الجديدة (فيسبوك)

يقول بعض الكتاب في إسرائيل إن الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها إسرائيل هي التنازل عن سيناء بإعادتها لمصر عقب حرب 1967، وإلى الآن ما زالت الأصوات الإسرائيلية المنادية بضرورة سعي إسرائيل بكل السبل لاسترداد سيناء مرة أخرى حاضرة في المشهد.

هذا الذي يدعو إليه هؤلاء الاستعماريون الأقزام لا ينفصل عن السياسات الصهيونية في أرض العرب منذ القدم، ويتلاقى مع سياسات المحافظين الجدد في الولايات المتحدة في تفكيك دول المنطقة وفق مشروع الشرق الأوسط الجديد.

وصل التشكيك الإسرائيلي في تبعية سيناء لمصر بعد هزيمة يونيو درجة أن أحد وزراء خارجية أمريكا صرح: "متى كانت سيناء مصرية؟"

إن الأطماع الصهيونية في سيناء، كما يقول الدكتور جمال حمدان في كتابه "شخصية مصر"، هي أطماع قديمة ترجع إلى عهد هرتزل مؤسس إسرائيل منذ أوائل القرن الماضي، إذ وصلت بعثة صهيونية لدراسة إمكانات التطوير اليهودي بها واقترحت نقل مياه النيل إلى شمال سيناء، خاصة منطقة العريش، للاستزراع والتوطين.

لقد عادت إسرائيل بعد حرب 1967 تشكّك في مصرية سيناء، مدعية أن هذا الانتماء يعود فقط إلى عام 1906 وقد اصطدمت تركيا وإنجلترا حول تبعية سيناء، وقد وصلت حملات التشكيك الإسرائيلي في تبعية سيناء لمصر بعد هزيمة الخامس من حزيران/يونيو لدرجة أن أحد وزارء خارجية الولايات المتحدة صرّح قائلًا: "متى كانت سيناء مصرية؟".

اقرأ/ي أيضًا: أُسَر المقتولين بيد الدولة في مصر.. عنوان للمعاناة

تصدّى الجغرافي الكبير جمال حمدان لهذه المزاعم في كتابه السابق مدافعًا بشدة عن مصرية سيناء قائلًا: "إن ادعاء العدو فيه من السفه أكثر من السخف ومن الخطأ بقدر ما به من خطيئة، فسيناء جغرافيًا وتاريخيًا جزء لا يتجزأ من صميم التراب الوطني. قد تكون أرض رعاة ولكنها قط لم تكن أرضًا بلا صاحب منذ فجر التاريخ، والتاريخ هو تاريخ مصر الفرعونية بل من العصور الحجرية وسيناء مصرية كما أن أسوان والبراري والواحات والعوينات مصرية، كما أن أسيوط وطنطا مصرية، بل كما أن القاهرة مصرية، أو قل منف وطيبة".

ويستطرد حمدان فيقول: "منذ بدأ تاريخ مصر المكتوب والنقوش الهيروغليفية تثبت الوجود والانتماء المصري لكل حجر في سيناء، بل إن تراب سيناء قد امتزج بالدم المصري المُدافِع، وربما أكثر من أي بقعة أخرى مماثلة من التراب الوطني فحيث كان ماء النيل هو الذي يروي الوادي كان الدم المصري هو الذي يروي رمال سيناء".

 ويرى حمدان أن الرد العملي على ادعاءات العدو الإسرائيلي التي يحاول من خلالها إنكار ملكية مصر لسيناء تاريخيًا يكمن في كلمة واحدة هي "التعمير"، سواء كان هذا التعمير بشريًا أو عمرانيًا، لأن "الفراغ العمراني هو وحده الذي يشجّع الجشع ويدعو الأطماع الحاقدة إلى ملء الفراغ".

ويرى أن العلاج يكون بنقل الكثافة السكانية من وادي النيل إلى صحراء سيناء ويرفع صوته قائلًا "إن التعمير هو التمصير"، ففي حربي 1956 و1967 انتظمت مدن القناة وسيناء في دورة متعاظمة من التخريب والتدمير، وفي كل مرة تتعرّض المنطقتان لابتزاز الموارد الاقتصادية أثناء الاحتلال وسياسة حرق الأرض أثناء الانسحاب. فالمناجم والمعادن والثروات الطبيعية، لا سيما البترول، وموارد المياه المحدودة يبدّدها الاحتلال ويستنزفها بوحشية وجشع.

يقول بعض الكتاب في إسرائيل إن الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها إسرائيل هي التنازل عن سيناء بإعادتها لمصر عقب حرب 1967

فعندما يُرغم العدو على الانسحاب فإنه يُدمّر كل ما يستطيع تدميره مما لا يمكنه سرقته، وقد قُدِّر حجم ما سرقه العدو الإسرائيلي من إنتاج حقول البترول في سيناء وحدها، في مدة 6 سنوات، ما قيمته 2 مليار جنيهًا مصريًا في ذاك الزمان.

ونتساءل جانبًا بعد أن نقرأ ما كتبه جمال حمدان بأسلوبه الوطني المتوهج: كيف يتسنّى لنا نقل هذه الروح الوطنية إلى بقية أفراد الشعب ليعلم ما اقترفته إسرائيل من جرائم لا يمكن غفرانها بحال من الأحوال، ليس فقط بسبب التدمير والسرقة، ولكن عدم احترام حرية الأسرى والإبقاء على حياتهم، بل بالفتك بعشرات الآلاف من الجنود دون مراعاة لأي معايير دولية.

إذ كيف يتفق ما ارتكبته إسرائيل مع دعاوي السلم التي تناور بها الجانبين المصري والعربي لتصفية ما تبقّى من القضية الفلسطينية، وفرض التطبيع فرضًا دون أي انسحاب من الأراضي المحتلة في 1967؟ وكيف يمكن أن تزيّف الإرادة العربية لتستجيب لمحاولات فرض الوجود والاعتراف بالأمر الواقع؟

لعل ذلك ما يحفزّنا إلى ما أسماه حمدان ضرورة التعمير البشري والعمراني لسيناء فيقول إن التعمير له إمكانات طيبة للاستصلاح والتوسع الزراعي في سيناء بطول الضفة الشرقية للقناة وعلى امتداد الساحل الشمالي ثم في رقع مبعثرة على طول أودية شبه الجزيرة مطرًا وجوفيًا لم تُستثمر بعد استثمارًا كافيًا (لاحظ أن هذا الكلام منذ أكثر من 40 عامًا)، أما تمديد مياة النيل إلى شبه الجزيرة فليس بدعًا إذا كان النيل يصبّ قديمًا في غرب سيناء وإسرائيل اليوم تسرق مياه أعالي الأردن لتنقلها مئات الكيلومترات إلى النقب.

اقرأ/ي أيضًا: وثائقي "العساكر".. هل يستحق كل هذا الضجيج؟

أما من ناحية العمران فيقول حمدان إنه لم يعد هناك معنى ولا مبرر لأن تظل قناة السويس أحادية الضفة بل ينبغي أن تزدوج تمامًا بالعمران الكثيف على كلتا الضفتين، ويشدد حمدان على ضرورة أن تمتزج مشاريع التعمير بمشاريع الدفاع فتكون كل وحدة بشرية وحدة إنتاج ودفاع معًا.

ثم يتكلم حمدان عن ضرورة ارتباط الوادي بسيناء عن طريق سلسلة من الأنفاق تحت قناة السويس تحمل شرايين المواصلات البرية والحديدية مثلما تنتقل المياه، إذ إن مثل هذه الأنفاق تمثل مجازيًا وعمليًا تحقيق الاستمرارية والوحدة الأرضية بين الوادي وسيناء. ويختم حمدان حديثه الذهبي عن سيناء قائلًا "لتكن إعادة تعمير سيناء قطعة رائدة من التخطيط القومي والإقليمي العمراني والاستراتيجي تضع التحدي الحضاري على مستوى التحدى العسكري".

قُدّر حجم ما سرقه العدو الإسرائيلي من إنتاج حقول البترول في سيناء في مدة 6 سنوات، ما قيمته 2 مليار جنيهًا مصريًا في ذاك الزمان

هكذا يتكلم جمال حمدان بوعي الرائد وثقة الوطني الذي لا يتزعزع إيمانه بوطنه وانتصاره في النهاية على المشاريع الاستعمارية التي تُحاك لنا وللمنطقة، والتي تقوم فيها إسرائيل بدور رأس الحربة. ولنا أن نتساءل عما قامت به الحكومات المصرية المتعاقبة في العهود المتأخرة بالنسبة لسيناء بعيدًا عن مجرد الخطط الأمنية والانشغال بها وحدها مغفلة التحديات الاستراتيجية القائمة في كل الأوقات؟

ولنا أن نتساءل أيضًا عما يمكن أن يبرّر إهمال الدولة المصرية لسيناء لعقود من الزمن، ثم تخرج لتعتبرها وكرًا للإرهابيين والمتشددين الإسلاميين، وكأن الأمر لم يكن بيدها منذ البداية؟ وكيف يمكن استيعاب خبر تصفية قوات الأمن المصرية لعدد من الشباب السيناويين وإلصاق تهم الإرهاب بهم، لتداري على إخفاقها وفشلها المستمر في عملياتها لـ"محاربة الإرهاب في سيناء"؟ وبأي منطق نتحدث عن تعمير سيناء في وقت يطالب جهابذة "التحليل الاستراتيجي" من العسكريين المتقاعدين بتهجير أهالي سيناء من أرضهم؟

هل يستقيم أن تكلّم أطفالك عن تضحيات المصريين ودمائهم التي تشرّبتها هذه الأرض، ثم تجد خطابًا تحريضيًا ضد أهالي سيناء يحظى بدعم رسمي متمثل في إجراءات متعسفة تتم بحق السيناويين؟ هل قرأ الرئيس عبد الفتاح السيسي "شخصية مصر" ولو مرة واحدة في حياته؟ هل هناك أي خطة متكاملة لدى سيادته لتعمير شبه جزيرة سيناء؟

هل سيأتي يوم تسمح فيه الدولة للصحفيين بتغطية أخبار "الجهود الجبارة المبذولة" من قوات الجيش والشرطة لمحاربة الإرهاب في سيناء؟ الوضع الراهن يجيب عن هذا السؤال.

اقرأ/ي أيضًا:
العسكر والإرهاب.. ثنائية هدر الإنسان المصري
مصر.. عواصف تيران وصنافير تضرب السيسي