24-أكتوبر-2022
lonely young woman sitting on green grid window

شكّلت الجائحة وما رافقها من تغيرات إرهاقًا نفسيًا وخيمًا على الكثير من البشر (Getty)

حلّت الجائحة وانقطعنا فجأة عن طقوسنا والتزاماتنا الاجتماعية المختلفة، تلك التي كانت جزءًا من وظائفنا اليومية أو تلك التي كانت مما نقضي به وقتا، وبين المكتب ومقاعد الدراسة، والزيارات والحفلات، غاب فجأة الجانب الاجتماعي من حياتنا.

مضت ثلاثة أعوام تقريبًا، وكان أن عدنا إلى حياتنا الطبيعة، ولكن من "الذي" عاد بالضبط؟ فهل بقينا كما كنا؟ البعض يطرح هذا التساؤلات على نفسه وهو ربما خائفٌ من الإجابة.

كان هذا السؤال هو ما حاولت دراسةٌ صدرت الشهر الماضي الإجابة عليه، إذ تركّز هذه الدراسة تحديداً على شريحة الشباب

بكل الأحوال لا بد أن هذا السؤال مهمّ. هل غيّرت الجائحة شخصياتنا وهوياتنا الاجتماعية؟

كيف تغيّرنا؟

كان هذا السؤال هو ما حاولت دراسةٌ صدرت الشهر الماضي الإجابة عليه، إذ تركّز هذه الدراسة تحديداً على شريحة الشباب. وتتوصّل الدراسة إلى أن شعور غياب الراحة الذي لازم عودتنا إلى حياتنا الاجتماعية السابقة ليس أمراً مستغرباً لانتشاره بين الشباب، خصوصاً لما تقترن به تلك المرحلة العمرية أصلاً من قلقٍ اجتماعي.

Man with mask looking out of window

ركّزت الدراسة على خمسة أبعادٍ في شخصية الإنسان، هي: العصابية (Neuroticism)، قدرة المرء على تحمّل الضغط والعواطف السلبية، والانفتاح (Openness)، التي تُعرّف بالحلول غير الاعتيادية والإبداع، والانبساط (Extroversion)، مدى ارتياح الإنسان لمن هم حوله، وميول القبول (Agreeableness)، أو بعبارةٍ أخرى ميول الإنسان للثقة والكلام بصورةٍ مباشرة، ومطاوعة الضمير (Conscientiousness)، مدى تحلّي الإنسان بالمسؤولية والنظام.

وبحسب الدراسة التي نٌشرت في مجلة "بلوس ون"، فقد أصاب بعض جوانب شخصياتنا شيءٌ من الاضمحلال، ومن ذلك أننا أصبحنا أقل انفتاحاً وإبداعية، وكذلك قلّ ميولنا لموافقة من أمامنا، وأيضاً أقل مطاوعةً لضمائرنا، مرةً أخرى مع تزايد مستويات القلق.

وهناك أيضاً بعض النتائج المثيرة للاهتمام في هذه الدراسة، منها أن هذه التغيّرات تعادل "ما يحتاج إلى عقدٍ من التغيّر في الشخصية تحت ظروفٍ طبيعية." وتُضيف أن الأشخاص ممن هم دون عمر 30 عاماً قد بان عليهم علاماتٌ تدل على اضطرابٍ في عملية الرشد لديهم. وقد ينجم عن هذه التغيّرات انحرافٌ في مسار شخصياتنا إن كان لها أن تترسّخ.

تستند هذه الدراسة على بياناتٍ من طاولةٍ نقاشيةٍ مستمرة تحت عنوان "دراسة فهم أمريكا" (Understanding America Study) في جامعة "كارولينا الجنوبية" بدأت بجمع إجابات الاستبيانات منذ عام 2014 من ما يقارب 7000 مشارك، وقد أجاب هؤلاء المشاركون على الأسئلة قبل الجائحة وخلالها.

ولكن تشدّد البروفيسورة أنجلينا سوتن، رئيسة الفريق الذي كتب الدراسة، أن هذه التغيّرات قد تمّ رصدها في "لحظةٍ من الزمن"، وأنها قد تكون مؤقتّة، ولو أن نتائجها بالفعل تعكس تغيّراً في معدّلات الشخصيات.

وتُضيف البروفيسورة: "تميل نفس الإنسان إلى مقاومة التغيير. وقد يستلزم هذا التغيير شيئاً مثل جائحةٍ عالمية. ولكن صعبٌ أن نحدّد بدقة ما هي العوامل التي فرضتها الجائحة والتي أدّت إلى هذه التغييرات."

Shyness

ومع أن الدراسة كما قلنا سابقاً قد رصدت شيئاً من التغيّرات، إلا ان تحفّظ الفريق من الجزم بترسّخ هذه التغيّرات كان في محله كما يقول "جيرالد كلور"، بروفيسور السيكولوجيا في جامعة فيرجينيا، الذي قال أن هذا الحذر كان صائباً مع التشديد على الحاجة إلى مزيدٍ من البينات.

ويتساءل الدكتور "كلور" إن كان إعادة هيكلة الروتين اليومي للناس هو السبب وراء هذه التغيّرات وليس الضغط والإجهاد الذي رافق الجائحة.

ازدهار سوق العلاج النفسي عن بعد

وكان مما أكّد هذه التغييرات ارتفاع أسهم سوق العلاج النفسي، وتحديداً العلاج النفسي عن بعد، إذ أكّد "جون كيم"، المتحدّث الرسمي باسم منصة "توكسبيس" التي تقدّم خدمة العلاج النفسي عن بعد أن عدد المستخدمين النشطين قد قفز بنسبة 60% من آذار/مارس 2020 إلى العام الذي يليه. وقال متحدّثٌ باسم منصة "بيترهيلب" أن عدد المراهقين الذين بحثوا عن معالجٍ نفسي عبر المنصة قد تضاعف إلى ما يقارب أربعة أضعاف منذ عام 2019.

تقول أيضاً المعالجة النفسية "نيدرا غلوفر تواب"، التي تملك أكثر من مليون متابع على الإنستغرام، أنها لاحظت شيئاً من التوجّس المتزايد لدى مرضاها مع عودة الناس إلى روتينهم القديم، ومن ذلك العودة إلى المكاتب.

"لقد ترسّخت فينا عادات الانعزالية للدرجة التي أصبحنا نعتقد أننا نحبّ العزلة. ولكن هل هذه هي الحقيقة؟ أو كان ذلك مما يجب أن نقبل به خلال تلك الفترة؟"

الهدوء في الصراخ

شيءٌ آخر مثيرٌ للاهتمام هو طريقةٌ فريدة وجدها البعض للتعامل مع الضغط والإرهاق والإحباط المتراكم، وهو الصراخ مع الآخرين في مكانٍ عام، حيث تنامت هذه الظاهرة نموّاً ثابتاً خلال العام الفائت.

وتحوّلت هذه الظاهرة إلى فعالياتٍ منظّمة، وهو ما عملت عليه المعالجة النفسية "سارة هارمون" التي نظّمت أولى فعاليات الصراخ في آذار/مارس 2022 لتنفّس عن المشاعر التي قالت أنها تنفجر بداخلها.

"لم تُعطنا الجائحة أي شيء، لم تسمح لنا بأي تنفيس وما يرافق ذلك من إعادة شحن."

وقالت البروفيسورة أن انتشار هذه الفعاليات هي علامةٌ مهمةٌ على الاحتياجات غير المشبعة التي أرهقت الناس، وكيف كان لهم محاولة التعامل مع ذلك بأكثر من طريقة ومنها الغضب.