ألترا صوت – فريق التحرير

شهد الملف السوري خلال الأيام الماضية تطورات عسكرية مهمة في منطقة الشرق الأوسط، بعدما قررت موسكو منح النظام السوري منظومة الدفاع الجوي إس -300، بينما تشهد محافظة إدلب هدوءًا حذرًا رغم اتفاق نزع السلاح في المنطقة، ما يضع الأطراف الفاعلة في الشأن السوري أمام دراسة خياراتها مرًة أخرى من جديد، الأمر الذي يترتب عليه تداعيات عسكرية مرتبطة بمصلحة كل طرف منفردًا عن الآخر.

تعود بداية صفقة إس -300 لعام 2010، عندما وقع النظام السوري مع موسكو اتفاقية شراء 4 منظومات من هذا السلاح، لكن النظام السوري استلم منها أجزاء معينة فقط

مفتاح القصة.. إسقاط الطائرة أم اتفاق إدلب

ارتبطت القضية السورية قبل أكثر من أسبوع بحدثين مهمين على صعيد الخارطة العسكرية، كان أولهما بحسب التسلسل الزمني، توقيع اتفاق إنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب بعمق 15 إلى 20 كم بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، تبع ذلك بساعات قليلة إسقاط الدفاعات الجوية للنظام السوري طائرة الاستطلاع الروسية إيل -20 كان داخلها 15 جنديًا روسيًا، يقومون بمهام استطلاعية فوق محافظة إدلب وفق ما ذكرت وزارة الدفاع الروسية.

واتهمت روسيا على إثرها رسميًا تل أبيب بالوقوف وراء سقوط طائرة الاستطلاع الروسية، بسبب اختفاء مقاتلاتها التي كانت تنفذ غارة جوية على مواقع عسكرية في مدينة اللاذقية خلف طائرة إيل -20، وقامت بالتشويش على رادارات دفاع النظام السوري الذي أخطأت قواته باستهداف الطائرة الروسية بدلًا من المقاتلات الإسرائيلية.

وأضافت موسكو أن الجيش الإسرائيلي قام بتضليلها عندما أخبرها عبر الخط الساخن أنه سينفذ غارات جوية على مواقع في دير الزور شرق سوريا، لكن الغارة الجوية استهدفت مدينة اللاذقية غرب سوريا، والتي توجد فيها قاعدة حميميم الجوية التي تتخذها القوات الروسية مركزًا أساسيًا لها منذ أيلول/ سبتمبر 2015، وهو ما اعتبرته صفعًة لها، وقامت بتحميل تل أبيب المسؤولية الكاملة، بالإضافة لنفيها ما تداولته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن امتناع بوتين الرد على اتصالات رئيس النظام السوري بشار الأسد.

كان لإسقاط الطائرة إيل -20 أثر كبير على تبدل خارطة الأطراف المتصارعة في سوريا، خصوصًا للنظام السوري، فضلًا عن حليفيه إيران وروسيا، بعد أن أعلنت موسكو منحها له منظومة الدفاع الجوي إس -300 لحماية الأجواء السورية من أي هجوم عسكري خارجي في البحر المتوسط، بحسب ما نقل على لسان بوتين.

اقرأ/ي أيضًا: رهان موسكو الأخير.. المال مقابل السلام في إدلب

صحيح أن حادث إسقاط النظام السوري لطائرة الاستطلاع الروسية اعتبر مفاجئًا للرأي العام الدولي، وتصدر المشهد العسكري القادم من سوريا على حساب الاتفاق الروسي – التركي، لكن المشهد العسكري سيصبح أكثر تعقيدًا بعد أن يستلم النظام السوري منظومة إس -300 الروسية، والذي يبدو أنه سيأثر سلبًا على اتفاق محافظة إدلب.

منظومة الدفاع الجوي إس -300

تعود بداية صفقة إس -300 لعام 2010، عندما وقع النظام السوري مع موسكو اتفاقية شراء 4 منظومات من هذا السلاح، لكن النظام السوري استلم منها أجزاء معينة فقط، وجرى استبدالها عام 2015 بصفقة ناقلات جند مدرعة BTR80، ويبلغ سعر المنظومة بحسب موقع روسيا اليوم في السوق العالمية 250 مليون دولار أمريكي للكتيبة الواحدة.

ودخلت منظومة إس -300 حيز الاستخدام في عام 1979 خلال فترة الاتحاد السوفييتي، وتم تطويرها في الأعوام اللاحقة وصولًا لعام 1997 حيثُ أطلق على المنظومة الحالية إس -300 بي أم أو فافوريت، يصل وزن بعض الصواريخ فيها إلى أكثر من ستة آلاف كغ، ويصل مداها من 1 إلى 400 كم، بارتفاع من 5 حتى 37 كم.

وتبلغ السرعة التقريبية للصواريخ ألفي كم في الثانية، وسرعة الهدف القصوى 10 آلاف كم في الساعة، كما يمكنها إطلاق صاروخين عاموديين خلال ثلاث ثواني، تحتاج منذ نصبها حتى لحظة إطلاق الصاروخ خمس دقائق، وتضم كل كتيبة ستة مركبات جاهزة لإطلاق الصواريخ تحتوي 24 صاروخًا، وهي تقوم بحماية أجواء أكثر من 14 دولًة من بينها إيران، الصين، كازاخستان، ومؤخرًا سوريا.  

نتائج وتداعيات نشر منظومة إس -300

لا يمكن الفصل بين اتفاق إدلب واستلام النظام السوري لمنظومة إس -300 من طرف، أو تأثيرها سلبًا على هجمات إسرائيل الصاروخية التي تستهدف مواقع عسكرية للنظام السوري أو الميليشيات الأجنبية التي تدعمها إيران من طرف آخر منفصل عن الأول، وهو ما سيؤدي لتداعيات جديدة تقلب بموازين القوى العسكرية للأطراف الفاعلة في الشأن السوري.

1- النظام السوري: قلق أقل من مجزرة في إدلب

يعتبر النظام السوري من أكثر الجهات الرابحة في صفقة منظومة إس -300 الروسية، فقد كان حتى ما قبل الاتفاق الروسي – التركي حول إدلب يجهز مقاتليه لبدء هجوم عسكري على المحافظة لاستعادتها من المعارضة السورية، متجاهلًا التهديدات الدولية من حدوث كارثة إنسانية في المنظقة، والتحذيرات الأمريكية – الأوروبية من الرد بقوة على أي استخدام للسلاح الكيميائي في الهجوم العسكري على المنطقة بناءً على تقارير أممية.

وعكست تصريحات النظام السوري في تعليقها على الاتفاق الروسي – التركي قبوله ذلك مرغمًا، الأمر الذي ظهر يوم الثلاثاء الماضي بنقله نحو 400 مقاتل من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من ريف دير الزور الشرقي إلى ريف إدلب الشرقي، بحسب ما نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان، وحتى ما قبل نقل عناصر التنظيم كانت منقطة إدلب خالية من أي تواجد لعناصر التنظيم الذي استهدفت قوات المعارضة خلاياهم النائمة في المنطقة نهاية العام الماضي، وألقت القبض على العشرات منهم، بينهم قياديون في المنطقة.

هذا على جانب الاتفاق الروسي – التركي حول إدلب، وفي الجانب المقابل، فإن مواقع قوات النظام السوري أو المواقع التي تسيطر عليها الميليشيات الإيرانية، ستصبح بمأمن على المدى القريب نوعًا ما من هجمات المقاتلات الإسرائيلية، التي نفذت خلال الأعوام الثماني الفائتة عشرات الغارات الجوية استهدفت فيها مواقع حساسة، وشخصيات مؤثرة في تطوير السلاح الكيميائي السوري في مركز البحوث العلمية في منطقة جمرايا.

وفي كلا الحالتين، قد يعني ذلك أن نظام بشار الأسد سيكون أقل قلقًا من التداعيات الدولية لمجزرة جديدة في إدلب، التي يبدو النظام من خلال نقل عناصر تنظيم الدولة لها، متجهًا إلى ذلك بالفعل، بحجة تواجدهم فيها أسوًة بمناطق سابقة، حيث تحدثت الصحف الروسية عن أن المنظومة الدفاعية في حال نشرها ستحمي مناطق الساحل السوري، إلى جانب المناطق الحدودية مع لبنان والعراق وإسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: معركة إدلب الكبرى.. تحرير الشام عتبة لـ"حمام دم" الأسد

وهو ما سيعني أيضًا أن النظام السوري قد يبدأ بخرق اتفاق إدلب في أي لحظة، وهو ما بدأ بالفعل يوم الثلاثاء باستهداف قوات النظام بالمدفعية الثقيلة لمناطق خفض التصعيد المتفق عليها، وأكده قبل يومين تصريح المسؤول في النظام السوري فيصل المقداد بأن النظام السوري سوف يستعيد السطيرة على المحافظة.

2- روسيا: فرصة لتوسع جديد

ذكرت مواقع إخبارية قبل توقيع الاتفاق الروسي – التركي حول إدلب أن 10 سفن حربية تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بدأت بتنفيذ دوريات بحرية شرقي المتوسط، وأصبحت قريبة من السواحل السورية التي تتخذ منها القوات الروسية مواقع عسكرية لها، إضافة لنشر البحرية الأمريكية صورًا على حسابها الرسمي في موقع تويتر لحاملة الطائرات هاري ترومان قالت إنها تنفذ علميات تدريبية في البحر المتوسط.

كان واضحًا أن الولايات المتحدة بالاشتراك مع ألمانيا وبريطانيا وفرنسا قد بدأت تهيئ نفسها للرد على أي هجوم عسكري يحمل صبغة كيميائية يشنه النظام السوري مدعومًا بالقوات الروسية والميليشيات الإيرانية على محافظة إدلب، إذ حتى ذلك الوقت لم يكن الاتفاق قد أبرم بعد، ولم تكن الأجواء السورية محمية بعد بهذا الشكل ضد أي هجوم غربي محتمل.

وبالتالي فإن روسيا بنشرها لمنظومة إس -300 تكون قد أنشأت منطقة حظر جوي جزئيًا فوق سواحل المتوسط من الجانب السوري، وكان ذلك واضحًا في تعليق مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، الذي وصف الصفقة بأنها "تصعيد خطير" من الجانب الروسي في سوريا.

وكذلك يبدو أنه أتى ردًا على التدريبات التي نفذتها مشاة البحرية الأمريكية مع قوات المعارضة السورية منتصف الشهر الجاري في قاعدة التنف العسكرية في البادية السورية قرب الملثلث الحدودي مع الأردن والعراق، حيثُ اتخذت موسكو من إسقاط طائرة الاستطلاع ذريعة لنشر منظومتها الدفاعية تحت حجة حماية الأجواء السورية من أي هجوم، بالإضافة إلى كونه خطوة جديدة في إطار التوسع الروسي في منطقة الشرق الأوسط عبر السواحل السورية.

3- إيران.. الرابح الأكبر؟

لا تنفصل مصالح إيران التي تسعى لأن تسيطر على طريق بغداد – دمشق السريع، عن مصالح النظام السوري الذي يسعى لاستعادة السيطرة على كافة المناطق الخارجة عن سيطرته، أو المطامح الروسية بالتوسع في الشرق الأوسط من بوابة السواحل السورية، لكنه يأتي أكثر في صفها كونها المتضرر الأكبر من الهجمات الصاروخية الإسرائيلية التي استهدفت مواقعها العسكرية في سوريا.

وكانت التوقعات بحدوث مواجهة عسكرية سريعة بين إيران وإسرائيل في شباط/ فبراير الماضي قريبة من الحصول، بعدما أسقطت الدفاعات الجوية للنظام السوري طائرة إف 16 كانت تنفذ هجمات صاروخية على مواقع للميليشيات الإيرانية، وفقدت إيران خلال الأعوام الفائتة العشرات من المقاتلين والقياديين جراء الهجمات الصاروخية التي نفذتها مقاتلات إسرائيلية، قالت إنها استهدفت شحنات توريد أسلحة لحزب الله اللبناني.

اقرأ/ي أيضًا: الغرب يوحد موقفه.. "جرس النهاية" يقرع في إدلب

ويضاف إلى ذلك أن إيران لم تكن حاضرة خلال توقيع اتفاق إدلب، إنما كانت تقوم بحشد مقاتليها إلى جانب قوات النظام على أطراف المحافظة تمهيدًا للهجوم عليها، كما أن الهجوم الذي تبناه تنظيم الدولة باستهدافه عرضًا عسكريًا للحرس الثوري الإيراني في منطقة الأحواز، وقتل وجرح على إثره نحو 67 شخصًا، قالت طهران إن بينهم مدنيين، سليعب دورًا هامًا في اتخاذه ذريعة لشن الهجوم على آخر معاقل المعارضة في الشمال السوري.

وقد تتخذ طهران من نقل النظام السوري لمقاتلي التنظيم إلى محافظة إدلب ذريعة لشن هجوم عسكري0، كون التنظيم مدرج لدى جميع الأطراف المتصارعة في سوريا على قائمة المنظمات الإرهابية، وهي بذلك تكون استطاعت من وراء نشر صواريخ إس -300 الروسية ضمان عدم تعرضهم أثناء الهجوم لأي رد غربي، وتفادت بذلك الهجمات الإسرائيلية ما يسمح لها بتمرير شحنات الأسلحة لميليشياتها الفاعلة في العراق وسوريا.

4- إسرائيل.. هل تتوقف عن قصف الأراضي السورية؟

تبدو إسرائيل من أكثر الدول الخاسرة في صفقة إس -300 كون مقاتلاتها باتت مهددة بالاستهداف من المنظومة الروسية المتطورة، لكن مراقبين يستبعدون أن يكون هذا التهديد جديًا، مع التقارير التي تقول إن النظام السوري لن يتولى مسؤولية استخدام هذا السلاح، وسيتركه لخبراء روس غير معنيين بصدام مع إسرائيل.

وتقول تقارير غربية إن جنودًا روس سيتولون مهام الإشراف على إطلاق الصواريخ ريثما يتم تدريب عناصر تابعة للنظام السوري، فيما تتحدث تقارير ثانية عن أن روسيا لن تسلم مفاتيح الإطلاق للنظام السوري نهائيًا، وهو ما يعني أن أيًا من الحسابات القديمة لن يتغير.

ورغم جميع المحاولات التي أظهرتها تل أبيب للتنصل من مسؤولية إسقاط الطائرة إيل -20، كانت موسكو حاسمة باتهامها بشكل رسمي ومباشر بالوقوف وراء إسقاط الطائرة، على الرغم من تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بينيامين نتنياهو بمواصلتهم العمليات العسكرية في سوريا.

يبقى أمام إسرائيل خيار استهداف منظومة إس -300 الروسية في حال تصدت لهجماتها الصاروخية، عبر مقاتلاتها إف 35، لكن هذا الخيار في حال اتخذ فإنه سيعقد طبيعة علاقتها بموسكو

وليس مستبعدًا أن تكون تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وأحد أبرز حلفاء الأسد، مرتبطة بمنظومة الدفاع الجوي الروسية، بعدما أعلن قبل أسبوع امتلاكهم لصواريخ دقيقة وغير دقيقة رغم الضربات الإسرائيلية، أي أن تل أبيب باتت فيما يبدو أمام خيار تنفيذ هجمات صاروخية بحرية حصرًا داخل الأراضي السورية مثلما كانت تفعل سابقًا. هذا على افتراض أن النظام السوري سيكون معنيًا بالرد الجدي، الذي سيترتب عليه تصعيد جديد، أو أن قرار الرد سيكون أصلًا من مهامه.

ويبقى أمام إسرائيل خيار استهداف منظومة إس -300 الروسية في حال تصدت لهجماتها الصاروخية، عبر مقاتلاتها إف 35، لكن هذا الخيار في حال اتخذ فإنه سيعقد من طبيعة الصراع الدائر في سوريا، ومن طبيعة علاقتها بموسكو.

5- تركيا والدول الغربية

يظهر أن تركيا غير معنية بنشر منظومة إس -300 الروسية، وبالعودة لاتفاق إدلب، كانت أنقرة من أكثر الدول التي خاضت حراكًا دبلوماسيًا للتوصل لاتفاق، كونها أكثر الدول تضررًا من الهجوم العسكري على المنطقة بسبب قربها من حدودها مع سوريا، ما جعلها تخشى من حدوث أزمة لاجئين شديدة في حال حدث الهجوم.

إلا أن نشر المنظومة الدفاعية سيجعلها تقف أمام مخاوف من أن يستخدمها النظام السوري ضدها في حال تدخلت ردًا على أي هجوم عسكري قد ينفذه على محافظة إدلب، إن كان من طرفها أو من طرف الدول الغربية التي تنظر إلى التطورات الأخيرة بقلق من ازدياد قوة النظام السوري العسكرية.

كما أن الولايات المتحدة باتت حاليًا مقيدة الحركة نوعًا ما في سوريا، بعد نشر المنظومة الدفاعية الروسية، وهو ما يجعلها تعيد حساباتها في المنطقة رغم إعلان بولتون عدم انسحاب بلاده من سوريا طالما أن هناك تواجدًا إيرانيًا فيها، حيث أن واشنطن تسعى لزيادة نفوذها في سوريا شرقًا من خلال دعمها لقوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية، وجنوبًا بعد إعلانها إرسال عشرات الجنود إلى قاعدة التنف العسكرية.  

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إدلب.. حصن المعارضة الأخير في مواجهة جحيم النظام السوري

إدلب من جديد.. هل سيكرر الأسد "جحيم" حلب؟