30-يوليو-2017

ترامب متحدثًا في جامعة سوفولك (Getty)

كيف وصل ترامب لرئاسة الولايات المتحدة؟ وهل يستطيع استكمال فترته الرئاسية في البيت الأبيض؟ برز الكثير من نوع هذه الأسئلة منذ فوز ترامب بمنصب رئيس الولايات المتحدة. لكن ما تساءلت عنه صحيفة الغارديان في هذا المقال كان أكثر عمقًا، فقد تحدثت عن أهم ما يسند ترامب وأبرز ما يعيقه وعبر  الرابط التالي تجدون المقال من مصدره، بينما نضع هنا ترجمته:

بدأ ترامب المرحلة التالية في رئاسته، بعد مرور ستة أشهر على توليه المنصب، بوابل من الأخبار المجنونة. بدءًا من التسريبات المتعلقة بمصير جيف سيشنز، حليفه السابق ووزير العدل الأمريكي، الذي أفادت بعض المصادر بأن ترامب يخطط لعزله من منصبه، ومرورًا بالخطاب الذي ألقاه ترامب أمام أعضاء مخيم الكشافة الأمريكية، والذي روى فيه قصة المطور العقاري الذي فقد قدرًا من الثروة، ثم أخذ يتسكع في إحدى حفلات نيويورك مع أكثر الأشخاص إثارة. ولاحقًا، غرَّد ترامب معلنًا منع المتحولين جنسيًا من الانضمام إلى صفوف الجيش.

شهد الأسبوع الماضي تحقيقًا مغلقًا مع جاريد كوشنر، زوج إيفانكا ترامب، حول الاتصالات الروسية مع حملة ترامب الانتخابية

واختُتمت هذه الموجة من الجنون باتصال مدير إعلام البيت الأبيض الجديد، أنتوني سكاراموتش، بريان ليزا، مراسلة صحيفة ذا نيويوركر، لشتم كل فرد في البيت الأبيض تقريبًا. إذ قارن نفسه بستيفن بانون مستشار الرئيس الخاص، قائلًا: "أنا لست ستيف بانون، أنا لا أحاول تلميع صورتي، ولا أحاول صناعة مجدي الشخصي اعتمادًا على قوة الرئيس".

لم تكتفِ إدارة ترامب بذلك، بل انتهى الأسبوع بطرد شخص آخر: رينس بريبوس، رئيس طاقم موظفي البيت الأبيض.

ولم تكن الأمور أكثر هدوءًا تحت قبة الكونغرس، إذ شهد الأسبوع الماضي تحقيقًا مغلقًا مع جاريد كوشنر، زوج إيفانكا ترامب، حول الاتصالات الروسية مع حملة ترامب الانتخابية. تلا ذلك، عجز الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ عن إلغاء قانون الرعاية الصحية (أوباما كير)، بعدما صوت جون ماكين بالموافقة على مناقشة القانون، ثم بالرفض.

اقرأ/ي أيضًا: السيسي يهنئ ترامب.. وعود وكيمياء متبادلة

كل هذه الأحداث، بالإضافة إلى عشرات غيرها -مما لا يتسع المجال لذكره- تعكس صورة من الفوضى التامة في الحكومة الأمريكية، فترامب لم يستخف بإجراءات وقواعد السلوك الرئاسي فقط، بل بالمعايير الأساسية للسلوك الإنساني المقبول.

وبذلك أجبر الصحفيين ومؤسساتهم على تغيير المعايير الأساسية للغة الصحفية المقبولة. نحن نستخدم الآن أوصافًا مثل "مختل" و"غبي" في التقارير التي نكتبها، لأن بعض أفعال ترامب وإدارته هي محض أفعال مختلة وغبية. ونتناقش أيضًا حول إن كان من الأدق الإشارة إلى إدارة ترامب، أم إلى نظام ترامب، بما يحمله الوصف الأخير من دلالات مخزية. حتى أن صحيفة النيويورك تايمز العريقة لم يكن أمامها سوى طباعة العبارة البذيئة التي تفوه بها مدير إعلام البيت الأبيض، لأن هذا هو ما قاله بالفعل.

أما من الخارج، فيتساءل الناس عن الإجراءات والتوازنات التي أبقت الديمقراطية الأمريكية فاعلة لأكثر من 230 عامًا؟ ما زالت هذه الإجراءات قائمة، وفعالة إلى حد ما. على سبيل المثال، تمكنت المحاكم من تقييد السلطة الرئاسية بوقفها لحظر دخول المسافرين من سبع دول مسلمة مثلما أراد ترامب.

وعلى الرغم من الجنون أو الاختلال -أو سمه ما شئت- الصادر عن البيت الأبيض، فإنه يلفت الانتباه إلى المشكلة الحقيقية في السياسة الأمريكية – لم يعد الجمهوريون يمثلون حزبًا سياسيًا، بل أصبحوا فصيلًا سياسيًا، وهو أمر خطير للغاية.

أدرك مؤسسو الولايات المتحدة مبكرًا خطر الفصائل السياسية؛ فقد عَرَّف جيمس ماديسون مفهوم الفصيل السياسي من خلال مقاله المُفَنِد للنظرية السياسية الذي نُشر عام 1787 -في صحيفة New York Packet- والذي يحمل عنوان "الأوراق الفيدرالية رقم 10"، قائلًا إن الفصيل هو: "عدد من المواطنين، سواء كانوا يعبرون عن أقلية أو أكثرية، والذين يتوحدون ويتحركون بحماسة أو لأجل مصلحة مشتركة بطريقة تتعارض مع حقوق بعض المواطنين الآخرين، أو تتعارض مع المنافع الكلية والمستدامة للمجتمع بأسره".

دفع التحزب الجمهوري مُمثليه المنتخبين لتنحية العادات الدستورية الراسخة، تمامًا مثلما دمر ترامب معايير السلوك الرئاسي

أدرك جيمس ماديسون أن أخطر ما يمكن أن يحدث لمجتمع ما هو إصابة إحدى الفئات المجتمعية وممثليها السياسيين بداء اعتبار وجهة نظرهم هي الوحيدة التي تعبر عن مجمل الأمة، وهو ما يؤدي بدوره إلى تعاظم الاعتقاد الداخلي لديهم أنهم يمثلون الأمة وحدهم، وأن آراء هؤلاء الذين يعارضونهم غير جديرة بالالتفات إليها.

ودفع التحزب الجمهوري مُمثليه المنتخبين في الكونغرس لتنحية العادات الدستورية الراسخة جانبًا، تمامًا مثلما دمر ترامب المعايير المتعارف عليها للسلوك الرئاسي. فقد شوهوا النموذج الذي وضعه ماديسون وتوماس جيفرسون من خلال رفضهم التعاون مع الديمقراطيين بشكل بناء. في واقع الأمر، يزدري الجمهوريون فكرة التعددية الاجتماعية، وحاولوا مرارًا وتكرارًا سحق هذه الفكرة على مر العقود.

إن النموذج الذي وضعه الآباء المؤسسون يوازن بين وجهات النظر المحورية المتنافسة، والتي قد تتنامى في مجتمع يتمتع أفراده بحرية اعتقاد الأديان المختلفة، والنقاش حول مختلف الأفكار. وهو النموذج المُصمم لمجتمع مفعم بالآراء المتنافسة التي يقتنع بها سكان الريف والحضر، فبدون احترام هذه القواعد، لا يمكن للنظام أن يعمل.

نتيجة لذلك، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية خلال ربع القرن الماضي، صعبة الحكم على المستوى القومي. وللأسف، على الرغم من إدراك ماديسون لمغبة تحول "الأقلية أو الأغلبية" إلى فصيل في القرن الثامن عشر، إلا أنه لم يكن بوسعه الحديث عن حل فعال لهذه المشكلة في القرن الواحد والعشرين.

اقرأ/ي أيضًا: بعد أوباما.. ترامب "بشرة خير" لبعض ساسة العراق!

فقد أصبحت الأقلية في البلاد الآن –الفصيل الجمهوري– هي الأغلبية في كل من الكونغرس والحكومة. فضلًا عن البيت الأبيض، على الرغم من أن آخر رئيسين جمهوريين للولايات المتحدة، تسلما مقاليد السلطة في البيت الأبيض دون الفوز بأغلبية الأصوات الانتخابية.

قد يكون معدل القبول العام لترامب هو الأدنى تاريخيًا، إلا أن الدعم الذي يحظى به من الفصيل الجمهوري لايزال مرتفعًا بشكل ملحوظ. ربما يرجع ذلك إلى وفائه بالوعود التي قطعها على نفسه؛ فقد عين نيل جورسوتش، أحد قضاة اليمين المتطرف، على رأس المحكمة العليا، وهو المنصب الذي لم يسمح الفصيل الجمهوري للرئيس أوباما بملئه وفق إرادته، مثلما انخفضت معدلات الهجرة من المكسيك بشكل كبير.

ومن خلال موجة عارمة من الأوامر التنفيذية، انقلب ترامب على عديد القوانين البيئية التي أُرسيت في عهد أوباما، وأعاد تشغيل مشروع خط أنابيب داكوتا. علاوة على ذلك، يدفع ترامب الليبراليين يوميًا إلى أقصى درجات الجنون بتغريداته السياسية الخاطئة. غير أن القاعدة الشعبية للفصيل الجمهوري، والتي تناهز 36% من عدد السكان، سوف تظل على ولائها الكامل لترامب.

انقلب ترامب على عديد القوانين البيئية التي أُرسيت في عهد أوباما، وأعاد تشغيل مشروع خط أنابيب داكوتا

خلاصة الأمر، تقتصر الضوابط الدستورية العليا المتعلقة بالسلوك الرئاسي على المادة الأولى، الفقرة الثالثة الخاصة بسحب الثقة، أو اللجوء إلى التعديل الخامس والعشرين، والمرتبط بنقل السلطة. لو كان الحزب الجمهوري حزبًا سياسيًا بحق مثلما كان عليه الوضع خلال فترة فضيحة ووترغيت، لوضع ترامب وفريقه الرئاسي ذلك في اعتبارهم.

ولربما أفضى ذلك إلى تخفيف حدة سلوك إدارة ترامب، إذا كانوا بصدد مواجهة تهديدات فعلية قد تطيح به دستوريًا من سدة الرئاسة. لكن ليس ثمة حزب سياسي، بل فصيل سياسي جمهوري، والرئيس ما هو إلا واحد منهم.

يستمر ترامب في منصبه بجموحه وعدم توازنه. بينما يتابع غالبية الأمريكيين، ومعظم سكان الكوكب أفعاله ويقولون، لا يمكن أن يستمر هذا الوضع. لكن، قد يستمر هذا الوضع لبعض الوقت، على الأقل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

داعشية جديدة يقودها ترامب

ترامب الواضح... ترامب الجميل