13-يناير-2017

دونالد ترامب (سبنسربلات-Getty)

في مجلة الفورين بوليسي كتب كل من دان دل لوتشي وبول ماكليري مقالًا مطولًا يناقشان فيه ما بدا أنه مقارنة بين الخيارات التي كانت متاحة لباراك أوباما والوعود التي أطلقها ترامب لمواجهة تنظيم الدولة في العراق وسوريا، وما تنوي العقلية الأمريكية العسكرية فعله على المدى الطويل والقصير في مساحات مواجهاتها مع التنظيم في الموصل والرقة. فقد تفوه ترامب بعدة تصريحات حول داعش كان أضخمها ما قاله حول "سحق" داعش ومسحه من الوجود.

من كل وعود ترامب المتعددة قد يكون وعده بسحق تنظيم الدولة من الوجود هو أكبر هذه الوعود

اقرأ/ي أيضًا: الموصل..تقدم القوات الحكومية وغياب موعد التحرير

وعد الرئيس المنتخب دونالد ترامب مرارًا، خلال أحاديث صحفية، أن يحقق نصرًا سريعًا على ما يعرف بـ"تنظيم الدولة الإسلامية" ولطالما سخر من ضعف مجهودات إدارة أوباما تجاه إرهاب التنظيم العالمي.

من كل وعود ترامب المتعددة وفي ظل خطاب حملته الغامض ووعوده الكبيرة، التي راوحت بين مضاعفة النمو الاقتصادي وإنعاش صناعة الفحم وجعل المكسيك تدفع من أجل جدار عازل بينها وبين أمريكا، قد يكون وعده بسحق تنظيم الدولة من الوجود هو أكبر هذه الوعود.

ضباط حاليين وسابقين من الجيش يقولون إن ترامب يمكن أن يحول وعوده إلى أمر واقع فقط في حال ما إذا بعث بقوة ساحقة من القوات البرية الأمريكية إلى سوريا وهو خيار محفوف بالمخاطر السياسية، التي يمكن أن تُغرق الولايات المتحدة في حرب جديدة مفتوحة في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن ترامب راهن على فكرة تقليل التزامات الولايات المتحدة الخارجية، وعلى الرغم من أن الفكرة لاقت دهشة داخل أورقة الإدارة الأمريكية إلا أن مايكل فلين، مستشار الأمن الوطني في حكومة ترامب، تعامل مع الفكرة علنًا. وقد اقترح فلين عملًا عسكريًا أوسع لمواجهة ما اعتبره تهديدًا "وجوديًا"، مقارنًا التنظيم بخصوم أميركا في الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. وفي تصريح له في الدير شبيجل الألمانية قال فلين إن "الحقيقة المحزنة هي أنه يجب علينا أن يكون لدينا قوات على الأرض لأننا لن ننجح ضد هذا العدو بالضربات الجوية وحدها".

ترأس مايكل فلين منصب رئيس وكالة استخبارات الدفاع في عام 2014، قبل أن ينضم إلى فريق ترامب، صاغ فلين الخطة التي دعا فيها لإرسال القوات الأمريكية إلى مدينة الرقة السورية، المعقل الإقليمي الأخير "للدولة الإسلامية".

تفاصيل تلك الخطة لا تزال غير واضحة. ولكن في مقابلة مع مجلة دير شبيجل 2015، اقترح الجنرال المتقاعد "احتلالًا متعدد الجنسيات لسوريا من قبل الولايات المتحدة وروسيا، وقوى أخرى، كتلك التي تشبه قوة حفظ السلام الدولية التي نشرت ليوغوسلافيا السابقة في التسعينيات.

يقول فلين:  "يمكننا تعلم بعض الدروس من البلقانيين، من الناحية الاستراتيجية، أتصور أن نفكك أزمة الشرق الأوسط إلى قطاعات على أن تتخذ كل قوة قطاعًا ما لتكون مسؤولة عنه، يمكن للولايات المتحدة بالتنسيق مع الدول الأخرى أن تتولى المسؤلية عن قطاع، وأن تتولى روسيا مسؤوليتها عن قطاع آخر، والأوروبيون كذلك ويمكن للعرب أن يكونوا مشاركين في هذا النوع من العمليات العسكرية وأن يكون لهم قطاع أيضًا مسؤلوون عن إدارته".

ومنذ "الفوز الحزين" لترامب في تشرين الثاني/نوفمبر، لم يشر فلين إذا كان يحبذ تصعيدًا كبيرًا في الوجود العسكري الأمريكي في العراق وسوريا. وليس من الواضح إذا كان فلين سيكون قادرًا على إقناع الرئيس المقبل على خوض هذه المغامرة الجريئة.

ترامب نفسه أشار في عدة مناسبات لنقاط متناقضة حول الموضوع ففي تموز/يوليو قال إنه قد يرسل عددًا قليلًا جدًا من القوات، بينما كان قد قال في آذار/مارس إنه سيعمل بنصيحة ضباط الجيش لتحديد عدد معين من قوات الجيش التي سيتم إرسالها وأنها ستكون بين 20 ألفًا إلى 30 ألفًا، لكنه قد تراجع في وقت لاحق عن هذه الأرقام.

اقرأ/ي أيضًا: هل ينجح داعش في استنزاف قوات التحالف في الموصل؟

إذا اختار ترامب إرسال القوات إلى سوريا فإنه على الأرجح سيجد دعمًا من أكبر منتقديه في معكسر الجمهوريين، ففي أواخر عام 2015، كان السيناتور الأمريكي جون ماكين وليندسي غراهام، اللذان لم يكفا عن شق صف التأييد في صفوف ترامب في بعض القضايا، حثا على إرسال قوة برية قوامها ألف مقاتل لتكون قوة تساهم في تحويل دفة الأمور ضد "تنظيم الدولة".

يميل قادة الولايات المتحدة ودبلوماسييها إلى الحذر من نشر أي فرق برية في معارك على الأرض، لأن ذلك يتطلب قواعد دائمة في المنطقة مع تمدد للشرطة في البلدات والمدن العربية، وأثبت احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق لمدة ثماني سنوات أن ذلك نتيجته كارثية، منها أنه غذى صعود تنظيم إرهابي مثل تنظيم الدولة، ومن بعدها تعهد القادة العسكريين والدبلوماسين بتجنب هذا النوع من الحرب نهائيًا.

يميل قادة الولايات المتحدة ودبلوماسيوها إلى الحذر من نشر أي فرق برية في معارك على الأرض، لأن ذلك يتطلب قواعد دائمة في المنطقة

تراجعت القوات المسلحة في تنظيم الدولة بشكل كبير من الأراضي التي احتلها عام 2014 دون قوة عسكرية كبيرة ولكن بعد الكثير من الضغط، حيث ألقت القوات الأمريكية 24 ألف قنبلة في العراق وسوريا، في حين عزز وجود القوات الأمريكية القوات العراقية والمقاتلين الأكراد، اللذين غالبًا ما يفتقدون للقوة والتدريب، واستطاعت أن تتحرك بقوة أسرع.

ومع ذلك وعلى الرغم من بطء تحرك الحملة فإن داعش فقدت الأراضي التي احتلتها منذ عامين، ويدعي القادة العسكريون الأمريكيون أنهم قتلوا ما لا يقل عن 50 ألف مقاتل من مقاتلي التنظيم، ويحارب التنظيم لدرء هجوم كبير من قبل قوات الجيش العراقي في الموصل، التي شددت بشكل مطرد الخناق على مقاتلي "الدولة الإسلامية" هناك منذ تشرين الأول/أكتوبر.

لطالما مشى الرئيس أوباما على خيط مشدود من الحزم، مؤكدًا طوال الوقت أن الولايات المتحدة لن ترسل قوات إلى العراق أو سوريا، ولكن الحقيقة أنه مع الوقت توسعت القوات الأمريكية من وجودها في العراق، وأرسلت مستشارين عسكريين وقوات مدفعية لتعزيز القوات العراقية والكردية المقاتلة على خطوط النار.

الأسبوع الماضي، اعترفت قوات الدفاع الأمريكية بوجود 450 مستشارًا عسكريًا أمريكيًا في الموصل لتوجيه القوات العراقية، كما وافق أوباما في تشرين الأول/أكتوبر الماضي على نشر 300 جنديًا في سوريا، بالإضافة إلى 6000 جنديًا موجودين الآن في العراق كمستشارين. هذا النهج التدريجي الحذر أغضب النقاد.

قال ستيف بوتشي، ضابط العمليات الخاصة بالولايات المتحدة "إننا لو كنا اتبعنا نهجًا أسرع أول بأول لكنا الآن قد حصلنا على نتيجة مرضية في خلال 8 أشهر تقريبًا وليس في سنتين كما هو الحال الآن".

فور دخول ترامب البيت الأبيض يوم 20 كانون الثاني/يناير سوف يواجه نفس التحدي الذي واجهته إدارة أوباما وهو وجود شريك له يقاتل معه على الأرض وتأمين السيطرة على الأراضي دون تنفير السكان السنة المحليين.

تقول جنيفر كافاريلا من معهد دراسات الحرب إن "العقبة الرئيسية منذ بداية الحملة العسكرية الأمريكية هي تحديد القوات البرية الكافية التي يمكن محاربة [الدولة الإسلامية] بها دون القوات الأمريكية على الأرض"، ولكن نظرًا لضيق الوقت والموارد اللازمة لبناء قوة برية جديرة بالثقة التي تمكن استعادة السيطرة على المدينة فإنه من غير الواضح ما إذا كان ممكنًا هزيمة التنظيم باستخدام استراتيجية المشاركة فقط".

ترامب، الحذر من الشركاء، لا يثق في القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، ويرى أن عدد المقاتلين الموجود غير كفيل بهزيمة داعش

ترامب الحذر من الشركاء، لا يثق في القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، ويرى أن عدد المقاتلين الموجود غير كفيل بطرد التنظيم خارج المنطقة، وقال بيتر منصور، نائب الجنرال ديفيد بترايوس وهو الآن أستاذ تاريخ في جامعة أوهايو إنه "من المستبعد أن يُعرض ترامب صداقته الجديدة مع فلاديمير بوتين للخطر بدعمه للمتمردين الذين لا يثق بهم في الشمال"، ويضيف، "ستتُرك المدينة للقوات الروسية والإيرانية وسيتم محاصرتها وتجويعها كما في القرون الوسطى"، ويقصد الموصل.

لكن هناك قضية أخرى في الموصل على أي حال، فهناك قوات شيعية تقاتل من أجل تحرير المدينة السنية، تمامًا كما حدث في الفلوجة والرمادي، قامت الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد بفعل القليل لتخفيف مخاوف السنة الساخطين، وهي القضية ذاتها التي ساعدت في دفع بعض السنة في أحضان القاعدة و"الدولة الإسلامية" في المقام الأول. يقول مايكل، نايتس زميل معهد نايتس لدراسات الشرق الأدنى: "السؤال ليس ما إذا كنت قادرًا على هزيمة تنظيم الدولة بل السؤال ما إذا كان تنظيم الدولة قادرًا على العودة من جديد خلال ثلاث سنوات".

اقرأ/ي أيضًا: 

داعش يطيل معركة الموصل..استراتيجية نقل العمليات

 درس الفلوجة في معركة الموصل..الطائفية سيدة الحشد