12-أبريل-2016

(Getty)

لم يبلغ من عمره منذ المصادقة عليه ما بلغته مدّة اعداده، ولم يتمّ بعد تفعيل مقتضياته خاصّة في الباب المتعلّق بالسلطة القضائية وتحديدا انشاء المحكمة الدستورية، حتى بدأ الحديث وتتالت الدعوات في تونس لتعديل دستور البلاد الذي تمّ ختمه في 27 يناير/كانون الثاني 2014. حيث لمّح رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، في آخر حوار إذاعي له، لإمكانية تعديل الدستور في جانبه المتعلّق بالنظام السياسي. لتتزايد التخوفات من مدى جدية المضي في تعديل دستور، يراه مراقبون الضمانة الأساسية للانتقال الديمقراطي في بلد انطلقت منه شرارة الثورة العربية قبل زهاء خمس سنوات.

تخشى المعارضة التونسية إمكانية تعديل الدستور مخافة الانزلاق نحو الاستبداد مجدّدًا بتجميع السلطة التنفيذية بيد رجل واحد خاصة 

فهل يوجد عطب ما في الدستور التونسي الذي تجاوزت مدّة اعداد ثلاث سنوات حتى يجيء الحديث عن تعديله؟ يعيب الدّاعون لتعديل الدستور النظام السياسي المُعتمد، وهو نظام شبه برلماني، تشتيته للصلاحيات في إطار السلطة التنفيذية حيث يمنح رئيس الحكومة، المنتخب من البرلمان، صلاحيات تنفيذية واسعة، كما يمنح بالتوازي رئيس الجمهورية، المُنتخب بصفة مباشرة، اختصاص ضبط السياسات العامة في الدفاع الوطني والأمن القومي والعلاقات الخارجية. حيث يشدّد الرافضون بأن وجود سلطة تنفيذية برأسين يعيق نجاعة عملها.

اقرأ/ي أيضًا: وثائق بنما تطال المغرب أيضًا

وتلميح السبسي لإمكانية تعديل الدستور سبقتها دعوة صريحة من لطفي زيتون المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة في نفس الاتجاه. كما أعلنت مؤخرًا سلمى اللومي وزيرة السياحة والقيادية في نداء تونس تأييدها لتعديل الدستور.

أثناء فترة إعداد الدستور، دافعت حركة النهضة بقوّة من أجل تبنّي نظام برلماني وهو ما رفضته المعارضة ليتمّ اعتماد نظام تتعدّد تسمياته بين نظام "شبه برلماني "، أو "برلماني-رئاسي " وهو شبيه بالنظام السياسي في البرتغال. وقد عملت المعارضة حينها على منح رئيس الجمهورية المزيد من الصلاحيات لتتوازن أكبر ما يمكن مع الصلاحيات الممنوحة لرئيس الحكومة. في المقابل، تجيء دعوة لطفي زيتون لاعتماد نظام رئاسي في تعارض بما كانت تدافع عنه حركته قبل سنتين.

وفي حديثه الإذاعي مؤخرًا، تحدّث السبسي عن الفروقات بين النظام الرئاسي، الذي يؤيده، والنظام الرئاسوي الذي قال بأنه النظام المعتمد زمن نظام بن علي. وقال بأن الشعب التونسي يؤيد النظام الرئاسي، مشدّدا على عدم ضرورة ربط النظام الرئاسي بالحكم الاستبدادي.

وتخشى المعارضة إمكانية تعديل الدستور مخافة الانزلاق نحو الاستبداد مجدّدًا بتجميع السلطة التنفيذية بيد رجل واحد خاصة وأن البلاد لازالت تخطو خطواتها الأولى في تركيز مؤسساتها الديمقراطية.

حيث يرفض طيف واسع تعديل الدستور بالتأكيد على إنه لم تمرّ إلا سنة واحدة ونيف على تفعيل أحكامه فيما يتعلق بالنظام السياسي الجديد، وهو ما يستلزم التأقلم معها دون الانتكاسة بالعودة للوراء، خاصة ما يستلزمه التعديل الدستوري من توافق وطني واسع، يبدو غائبا في الوقت الحاضر. كما لم يتمّ بعد إجراء الانتخابات البلدية المقرّر تنظيمها في مارس /آذار 2017 خاصة مع تكريس الدستور لمبدأ اللامركزية بمنح الجماعات المحليّة صلاحيات هامّة مقارنة بصلاحياتها في الدستور السابق.

اقرأ/ي أيضًا: خلاف المرجعيات بين النجف وقم..العراق لمن؟

وعلى المستوى القانوني، يمكن تقديم مبادرة لتعديل الدستور من رئيس الجمهورية أو من ثلث أعضاء البرلمان غير أنه يُستلزم وجوبا تمرير أي تعديل دستوري على المحكمة الدستورية، لإبداء رأيها في علاقة موضوع التعديل بما يمنع الدستور تعديله، ولم ينصّ الدستور على عدم جواز تعديل أحكام النظام السياسي. غير إنه لم يتمّ بعد إنشاء المحكمة الدستورية نتيجة التأخر في إرساء المجلس الأعلى للقضاء. وتجاوزا لذلك يمكن إقرار التعديل بأغلبية الثلثين، وهي أغلبية متوفّرة بيُسر لدى الائتلاف الحكومي لو تأكد التوجه نحو تعديل الدستور.

من جانب آخر، تداولت مصادر على وجود مبادرة تشريعية من حزب نداء تونس لتعديل الدستور وهو ما نفاه رئيس كتلة الحزب بالبرلمان. بالتوازي، أكدت مصادر من نفس الحزب على نيّتها تقديم مشروع قانون لتنقيح القانون الأساسي المتعلّق بضبط صلاحيات رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، والذي تمّت صياغته السنة الفارطة. ويتجّه التعديل نحو منح رئيس الجمهورية حق التعيين في مجال الأمن القومي ما يشمل القيادات العليا في الأمن الوطني وهي خطط مدنية.

ولا يُستبعد بالتوازي ألا يُتبع تصريح رئيس الجمهورية مؤخرا بأن "البلاد تحتاج لأن تخرج من نظام الشبه - شبه"، بمبادرة لتعديل الدستور من جانبه قد ترى النّور بمجرّد إرساء المحكمة الدستورية بعد أشهر قليلة. وإن تمّ ذلك، قد تظهر معركة جديدة ومفصلية بين رئيس الجمهورية من جهة والمعارضة من جهة أخرى، وهي التي دائما ما تشكّك في جديّة الرئيس في المضي قٌدما في تدعيم مسار الانتقال الديمقراطي، محذّرة من قابلية انتكاسته.

اقرأ/ي أيضًا:

أوباما يضرب أسس كامب ديفيد

ماذا بعد هزيمة داعش