07-يناير-2025
سوريا

سوريون يحتفلون في العاصمة دمشق بسقوط الأسد (رويترز)

لا شيء يشغل أذهان السوريين اليوم أكثر من التساؤلات حول مؤتمر الحوار الوطني الذي أُعلن عنه بعد سقوط النظام السابق. الإدارة السورية الجديدة أعلنت أن المؤتمر يحتاج إلى وقت أطول لترتيبه، ما استدعى تأجيل موعده إلى منتصف كانون الثاني/يناير الحالي، وما زالت الشكوك قائمة بشأن عقده، على خلفية تعقيدات المشهد الحالي في سوريا.

ولعل السؤال الأكثر تداولًا بين عموم السوريين هو: "من سيحضر المؤتمر؟" وهو سؤال منطقي وبديهي لكل من يهمه مستقبل سوريا. يبدو أن الإدارة الجديدة استعجلت الإعلان عنه تحت ضغط شعبي وسياسي ودولي. ومن خلال تصريحات مسؤولي الإدارة الجديدة، لم تُعلن بعد الآليات التي ستتبعها لتنظيم المؤتمر، ولا شكله أو طبيعة المشاركين فيه.

المجازفة بإعلان موعد  مؤتمر مهم في تاريخ السوريين بهذه الطريقة، ربما يدفع للتأجيل المتكرر وربما الخيبة في حال عقده على عجل

في سوريا، قبل سقوط النظام، كانت الأجهزة الأمنية للنظام تبث التفرقة بين مكونات السوريين، سواء من حيث الأعراق أو الأديان. حتى بات التوجس من الآخر متأصلًا في كل مكون. ليس بالضرورة أن يكون الآخر من قومية أو ديانة مختلفة، فمثلًا: ما الذي كان يعرفه ابن الشام عن ابن دير الزور؟ أو ابن الحسكة عن ابن السويداء أو اللاذقية أو حماة؟ أكاد أجزم أن السوريين لم يتعرفوا على بعضهم البعض خلال خمسين عامًا من حكم عائلة الأسد، بعد سنوات قليلة من استقلال سوريا.

المجازفة بالإعلان عن موعد مؤتمر مهم في تاريخ السوريين بهذه الطريقة قد تدفع إلى تأجيله المتكرر أو ربما إلى الخيبة في حال عُقد على عجل. التنسيق والإعداد لهذا الحدث أهم بكثير من مجرد تنظيمه. كما أن شفافية آليات التحضير هي الأساس، وهذا يمكن تحقيقه عبر عقد مؤتمر صحفي مخصص لهذا الموضوع يتم خلاله الإعلان عن لجنة تحضيرية وطنية تنخرط فيها الأجسام السورية الرئيسية، بعيدًا عن انحصارها في جهة واحدة أو لون واحد.

نحتاج أولًا إلى أن تكون جميع الأراضي السورية تحت سيطرة واحدة، وليست تحت سيطرة جهات متعددة. فمن الذي سيتحاور في هذا المؤتمر المعلن عنه اليوم؟ هل هم الفصائل العسكرية؟ أم الأجسام السياسية؟ أم خليط بينهما؟ القول إن المشاركة يجب أن تكون فردية فقط هو قول مجانب للصواب. يجب أن تكون قنوات الاتصال مفتوحة وشفافة بين جميع الأطراف، وعلى الإدارة الجديدة ضمان ذلك بشكل كامل.

ما جرى حتى الآن لا يشير إلى أن المؤتمر سيُعقد قريبًا، إذ لا يكاد يمر يوم دون أن تصدر تصريحات من أجسام أو مكونات سورية تنفي علمها بأي تحضيرات جارية للمؤتمر. هذا الوضع من شأنه أن يزعزع الثقة بمؤتمر يُفترض أن يرسم ملامح العهد السوري الجديد ويؤسس لعقد اجتماعي جديد بين السوريين.

سوريا اليوم ليست جاهزة لهذا المؤتمر، وفيما لو عقُد لن يتجاوز كونه بوابة للتعارف بين السوريين

 

سوريا اليوم ليست جاهزة لعقد هذا المؤتمر، وإن تم عقده الآن فلن يتجاوز كونه بوابة للتعارف بين السوريين. يمكن تجنب هذا المصير من خلال عقد ورشات علنية تأسيسية تستمر لأشهر وربما أكثر، بالإضافة إلى تفعيل دور الصالونات السياسية التي اشتهرت بها دمشق قبل وصول البعث إلى السلطة.

ما تحتاجه سوريا اليوم هو فرض الأمن والسيطرة على كامل الجغرافيا السورية، وتأمين قوت الناس، بالتزامن مع إطلاق ورشات عمل سياسي ووطني، لا أن يتقدم طرف على حساب الآخر. يجب أن يكون المؤتمر تتويجًا لهذه الجهود، جامعًا لكل السوريين دون إقصاء لأحد.

خلاصة القول: إن السوريين بحاجة للتعارف، بحاجة لمعرفة أن مئات الآلاف لا يزالون يقطنون في مخيمات ريفي حلب وإدلب، بعد أن دُمرت قراهم وأصبحت بيوتهم أثرًا بعد عين. ما يعنيهم من الحوار الوطني هو أن يعودوا إلى بيوتهم دون أن يكونوا عرضة لابتزاز البازارات السياسية.

المؤتمر الوطني السوري الجامع ضرورة ملحة، ويجب أن يكون نتاج ورشات عمل مكثفة بين سوريي الداخل والخارج، وبين الأجسام السياسية والعسكرية، على أن يتم وفق خطة واضحة المعالم والمواعيد، وليس كردة فعل عشوائية أو استجابة للضغوط.