30-سبتمبر-2016

حقل تمار للغاز الطبيعي (Getty)

يتذكر كبار السن كتاب شيمون بيريز الذي كان عنوانه "الشرق الأوسط الجديد"، والذي تنبأ باتحاد التفوق التكنولوجي الإسرائيلي مع أموال النفط العربية لجلب السلام والازدهار للجميع، كانت تلك بداية المقال التحليلي الذي نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، والذي يناقش مستقبل الطاقة في المنطقة.

من كان ليتنبأ منذ 25 عامًا أن إسرائيل سوف تبيع الوقود الحفري إلى دولةٍ عربية فقيرة في الطاقة (الأردن) في حاجة ماسة إليه

ويتابع المقال قائلًا إنه من الصحيح أن الفكرة لم تر النور قط، لكن ذلك لم يكن بسبب سوء أسسها الاقتصادية، وإنما لأن السياسة لم تسمح بذلك.

يبلغ حجم العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والبلديين العربيين اللذين لهما علاقاتٍ دبلوماسية رسمية معها حوالي صفر. وجدت صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية رأس المال والشركاء الذين تحتاجهم منذ وقتٍ طويل، في وادي السيليكون. في الوقت الحالي فإن شركة IDE Technologies الإسرائيلية، والتي تصنع بعض أكثر معدات تحلية المياه تقدمًا في العالم، معروضة للبيع لأن الدول العربية – وهي أكبر سوقٍ لتلك المعدات- ترفض التعامل معها.

لكن الأسبوع الجاري شهد تطورًا مضحكًا فيما يتعلق بنبوءة الشرق الأوسط: وافقت الأردن على شراء غازٍ طبيعي بقيمة حوالي 10 مليارات دولار من إسرائيل على مدار 15 عامًا. من كان ليتنبأ منذ 25 عامًا، عندما صدر كتاب بيريز، أن إسرائيل سوف تبيع الوقود الحفري إلى دولةٍ عربية فقيرة في الطاقة في حاجةٍ ماسة إليه، على حد تعبير المقال.

لدى الأردن الكثير من الجيران الذين يملكون موارد طاقة هائلة، على رأسهم السعودية والعراق ومصر، لكن أسبابًا سياسية من نوعٍ أو آخر تجعل استيراد الغاز منهم غير عملي، وبالتالي لجأت إلى إسرائيل. تعد هذه في الواقع الاتفاقية الثانية مع الأردن، التزمت الأردن من قبل باستيراد الغاز من إسرائيل لشركات الكيماويات الواقعة على البحر الميت بها.

وضعت المملكة مستقبل الطاقة بها في أيدي إسرائيل. من المحتمل أيضًا أن تشتري السلطة الفلسطينية الغاز الإسرائيلي، كما أن هناك حديثًا بشأن صفقة مع مصر، و، بالطبع، مع تركيا. هل هذه هي بداية شرق أوسط جديد بدون شرائح الحاسب أو ألواح الطاقة الشمسية؟ يجيب المقال: لا تعول على ذلك.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا ترامب هو مرشح الأحلام لداعش؟

خطوط أنابيب السلام؟  

دافع نتنياهو في عدة مناسبات عن سياسة الطاقة الخاصة به المثيرة للجدل، والتي تعطي الألوية لتطوير موارد الطاقة الإسرائيلية على مكافحة الاحتكار والمخاوف الأخرى، على أرضية الأمن القومي: لا تحتاج إسرائيل فقط إلى ضمان عدم تأثر إمداداتها بالحرب أو الإرهاب وإنما أيضًا إلى أن تجعل نفسها صديقًا لجيرانها بأن تكون مورد الطاقة الخاص بهم.

ذلك صحيح على نحوٍ ما، يتابع المقال. الأردن في حالةٍ اقتصادية عصيبة وتكافح التطرف الإسلامي، كما ظهر في إطلاق النار على كاتبٍ متهم بالهرطقة أمام محكمة عمّان الأسبوع الماضي. تخفيض فواتير الطاقة الباهظة باستبدالها بالغاز الإسرائيلي الرخيص سوف يحذف عنصرًا مهمًا من القائمة الطويلة لمشكلات المملكة.

الفكرة المركزية التي يقوم عليها تفكير بيريز ونتنياهو هي أنه يمكن للاقتصاد التغلب على السياسة. وهما ليسا وحيدين، يشجع الدبلوماسيون الأمريكيون اتفاقيات الطاقة بين إسرائيل وجيرانها على أمل أن تخدم "خطوط أنابيب السلام" كأساسٍ لعلاقاتٍ سياسيةٍ أقوى.

للأسف، يمضي المقال، فإن تاريخ اتفاقيات الطاقة يزخر بحالاتٍ حدث فيها العكس تمامًا، مثل روسيا وأوكرانيا، أو الصين وفيتنام. بالطبع في الشرق الأوسط، حيث لا يوجد تقريبًا تجارة إقليمية أو تعاون اقتصادي، فإن السياسة هي من تشغل مقعد القيادة، خاصةً عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.

شراء الغاز من إسرائيل هو خطٌ أحمر بالنسبة إلى الكثير من الأردنيين، وقد حاولت المعارضة، بقيادة الإخوان المسلمين، منع حدوثه. على الأغلب لم تكن مصادفة أن يتم الإعلان عنه عقب انتهاء الانتخابات البرلمانية في الأردن مباشرةً. لتهدئة المعارضين، تتضمن الاتفاقية ورقة توت مصممة لتغطية رائحة مصدر الغاز عبر قيام وسيطٍ إسرائيلي غير ربحي بتوصيله، لكن قدوم الغاز عبر خط أنابيب لن يترك مجالًا كبيرًا للخيال. لا يعني ذلك أن معارضي الاتفاقية لديهم أي حلٍ أفضل، النقطة هي أن كل شيء مقبول سوى إسرائيل، بما في ذلك نظريًا العيش في البرد والظلام.

يشجع الدبلوماسيون الأمريكيون اتفاقيات الطاقة بين إسرائيل وجيرانها على أمل أن تخدم "خطوط أنابيب السلام" كأساسٍ لعلاقاتٍ سياسيةٍ أقوى

في نهاية المقال يرى الكاتب أن الغاز الإسرائيلي سوف يجلب لإسرائيل زبائن، لكنه لن يجلب لها شركاء مبتسمين يتطلعون مع الإسرائيليين إلى الأفق البعيد نحو مستقبلٍ أفضل معًا. قد تبدو الاتفاقيات طويلة الأمد وخطوط الأنابيب التي تتكلف مليارات الدولارات آمنة على الورق، لكنه مازال نفس الشرق الأوسط المتقلب القديم.

اقرأ/ي أيضًا: بعد السيسي..مفتي مصر لن يدخل جنوب إفريقيا؟

إسرائيل تستورد الغاز بسعرٍ أقل من تكلفة إنتاجه

من جهةٍ أخرى أوردت ذات الصحيفة أن إسرائيل تخطط لإستيراد الغاز الطبيعي بسعرٍ أقل من ذلك الذي تنتجه من احتياطياتها البحرية، حيث وقعت شركة الكهرباء الإسرائيلية المملوكة للدولة الشهر الماضي اتفاقيةً مع BP، شركة الطاقة البريطانية العملاقة، لاستيراد الغاز الطبيعي المسال في ثلاث ناقلات نفط كبيرة للاستهلاك في إسرائيل.

وقالت الصحيفة إن الغرض من الغاز المستورد هو دعم الإمدادات من حقل تمار النفطي للاستهلاك المنتظم، ومساعدة شركة الكهرباء على التكيف مع زيادة الطلب خلال فترات الذورة. سوف يتخطى غاز شركة BP خط الأنابيب الذي يربط حقل تمار بميناء أشدود.

يعد تمار مصدر إسرائيل الداخلي الرئيسي للغاز الطبيعي. لم يدخل حقل ليڤياثان الأكبر حجمًا مرحلة الإنتاج بعد، حيث تسببت نزاعات قانونية بشأن بنود التشغيل التي وعد بها مطوري حقلي تمار وليڤياثان في تأخر بدء الإنتاج. المطوران الرئيسيان هما شركة نوبل إنرجي ومجموعة ديليك الإسرائيلية.

يتم شراء الغاز من شركة BP بسعر 4.9 دولار للوحدة الحرارية، حيث يتضمن ذلك ثمن الشحن والتغييز (تحويل الغاز المسال إلى حالته الغازية مجددًا). لكن شركة الكهرباء الإسرائيلية تدفع 5.7 دولار للوحدة الحرارية مقابل الغاز المنتج من حقل تمار. يُعتقد أن الغاز الذي توفره شركة BP قادم من دولة ترينداد وتوباجو بالبحر الكاريبي، وبالتالي فإن شركة الكهرباء تشتري غازًا من نصف الكرة الغربي بسعرٍ أقل من الذي تدفعه مقابل الغاز الآتي من على مسافة 90 كيلومترًا من حيفا.

في الواقع فإن أسعار الغاز الطبيعي المسال في منطقة المتوسط قد انخفضت أكثر منذ توقيع العقد مع BP، لتصل إلى ما بين 4.7 و4.8 دولار للوحدة الحرارية، لكن شركة الكهرباء الإسرائيلية مرتبطة بعقدٍ مع مطوري حقل تمار يقضي بأن تقوم بدفع ثمن الغاز الذي تعاقدت عليه حتى إن لم تكن في حاجةٍ إليه.

وتابعت الصحيفة أنه فيما يتعلق بصفقة BP فإنه يُعتقد أن شركة الكهرباء الإسرائيلية قد اختارت الشركة البريطانية لبنود الإمداد المرنة نسبيًا التي عرضتها الشركة. يرتبط التفاوت في السعر بين غاز BP والإمدادات القادمة من حقل تمار ببنود العقد الذي وقعته شركة الكهرباء، والذي يتضمن ربطًا يزيد تلقائيًا سعر الغاز بما يزيد عن معدل التضخم الأمريكي بمعدل 1%. بحلول عام 2021 قد يرفع هذا سعر الغاز إلى 6.5 دولار للوحدة الحرارية. يسمح عقد شركة الكهرباء مع حقل تمار بإعادة التفاوض على السعر عام 2021.

في الماضي، وعلى خلفية الجدل بشأن الإطار الحكومي لاستخراج الغاز، قالت شركة الكهرباء الإسرائيلية إنها "ليست طرفًا في الإطار" وأن "أولوية الشركة هي لضمان الإمداد المستمر من الغاز بسعرٍ مناسب وليس إفشال أو إنجاح إطار إنتاج الغاز".

اقرأ/ي أيضًا:

أشرف مروان..كيف تجاهلت إسرائيل جاسوسها الأثمن؟

إسرائيل وعضوية الاتحاد الأفريقي: احتمالات وتداعيات