05-يناير-2019

يتوقع اقتصاديون احتمالية حدوث انهيار اقتصادي في 2019 (أسوشيتد برس)

مع موجة تراجعات الأسهم الأخيرة في وول ستريت وعدد من البورصات العالمية، وانحدار أسهم شركات التكنولوجيا، بدأ بعض المراقبين يتكهنون بأن هناك أزمة مالية قادمة لا محالة، وعلى الأرجح ستضرب الاقتصاد العالمي في هذه السنة، كما يقولون.

بدأ بعض المراقبين بالتكهن بأن هناك أزمة اقتصادية عالمية قادمة لا محالة، وأن انهيارات البورصة حول العالم ليست إلا مقدمات لها

ويشير هؤلاء إلى أن الاقتصاد الأمريكي، الذي هو مركز الاقتصاد العالمي، يسير على طريق الانهيار بشكل مشابه وغريب لما حدث في أزمتي 1929 و2008.

اقرأ/ي أيضًا: إلى أين ستنتهي "حرب الجمارك" بين ترامب والصين؟

فقاعة الديون

في عام 2008، تضخمت فقاعة قطاع الإسكان ومشتقاتها في البورصات، بدون أن يكون لها سند حقيقي في الاقتصاد الواقعي المبني على العمالة. وعندما انخفضت أسعار الرهون العقارية عالية المخاطر، ومع فائض في الائتمان والديون؛ انفجرت فقاعة العقار في وجه الجميع، وانتقلت عدوى الانهيارات في الأسواق المالية بشكل عام فيما يشبه قطع الدومينو.

وبعد عقد من انخفاض أسعار الفائدة، عادت الأسهم والعقارات والديون إلى الارتفاع بشكل كبير مجددًا، كما سجلت ديون الأسر في الآونة الأخيرة ارتفاعًا قياسيًا آخر بلغ 13.5 تريليون دولار، بزيادة 837 مليار دولار عن الذروة السابقة التي سبقت الركود العظيم. حتى افترض المستثمر الملياردير، بول تيودور جونز، أننا نعيش حاليًا في "فقاعة ديون عالمية".

تراكم الديون المفرط ليس السبب الوحيد للأزمات المالية، ولكنه شرط مسبق مُواتٍ لذلك، خاصة إذا ما تراكم بمعية الائتمان. فالديون المفرطة تخلق الشروط المسبقة للأزمة، ولا تظهر الأزمة إلا بعد انهيار أسعار الأصول المالية، حيث يصبح الدين المتراكم غير قابل للسداد، فإذا كان الدين المفرط هو وقود قابل للاشتعال، فإن انهيار الأسعار هي الشعلة التي تطلق الحريق.

وول ستريت
افتتحت وول ستريت العام الجديد بسلسلة من الخسائر

وهذا ما حدث في 2008، حينما اجتاحت الديون العقارية الأسواق العالمية، الفرق فقط أن الديون هذه المرة ليست رهونات عقارية، وإنما ديون الشركات والأعمال غير المالية، التي هي الموقع المحتمل للأزمة القادمة.

وفي هذا الصدد، يقول الكاتب جاك راسموس إن "التوسع الحالي للاقتصاد الأمريكي ومعه الاقتصاد العالمي معرض لعدم الاستقرار المالي في أي لحظة، بسبب الهشاشة التي تعتريه من الداخل، حيث يقوم على نمو أجزاء محصورة في الاقتصاد تخدم مصالح 10 في المائة فقط من المجتمع، فيما يهمل القوى الأساسية للاقتصاد الذين هم العمال".

لا تتوقف فقاعة الديون فقط على الولايات المتحدة الأمريكية، بل أيضا طالت الاقتصاد الصيني، حيث خصصت الصين جبالًا من المال لبناء مطارات ومصانع ومدن كاملة، مستهلكة  كميات هائلة من الإسمنت في ظرف عقد تفوق ما استهلكته الولايات المتحدة طوال القرن العشرين. والآن تلك المدن هي خاوية عروشها تنتظر من يشتريها ويسكنها، حتى باتت تُعرف باسم مدن "الأشباح".

إذا ما انفجرت "قنبلة الدين" في الصين، فمن المحتمل أن يُغطّى الاقتصاد العالمي برمادها. ومع قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترامب بإطلاق حرب تجارية قد يتهدد بالفعل اقتصاد الصين الضخم بخطر الانهيار.

اضطراب سياسي عالمي

بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية، قد تتسبب أيضًا الاضطرابات السياسية في الأزمات المالية، وهذا الجانب هو الآخر لا ينقص الوضع العالمي الحالي.

في الساحة الأمريكية يتزايد القلق مع تحقيقات مولر، ويزداد الانقسام بين الجمهوريين والديموقراطيين تشظيًا، وسواء استمر دونالد ترامب في السلطة، أو ما إذا كان الديمقراطيون سيأخذون مجلس النواب ويشرعوا في الحديث عن إجراءات الإقالة؛ ستكون النتيجة في كلتا الحالتين أكثر إثارة للقلق سياسيًا، وبالتالي زعزعة الاستقرار الاقتصادي.

ومن جانب آخر، منذ أن تردد الحديث عن التأثير الروسي على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، عادت العلاقة بين واشنطن وموسكو إلى ما كانت عليه من التوتر السياسي، كما تعقدت الأوضاع السياسية أكثر في منطقة الشرق الأوسط ذات المستقبل الغامض.

فيما تستمر المشاكل في الاتحاد الأوروبي، منذ أن صوتت بريطانيا لمغادرة الاتحاد في الاستفتاء عام 2016، واشتدت النزعات المعادية للمهاجرين في العديد من دول أوروبا، وبات السياسيون اليمينيون المتطرفون  يحرزون تقدمًا في برلمانات البلدان الأوروبية عامًا بعد الآخر، وفي نيتهم ترك الاتحاد الأوروبي بالكامل، والقضاء على كتلة اليورو.

البورصة
يرى خبراء اقتصاديون أنه من الممكون حدوث كساد، لكن دون انهيارٍ اقتصادي مشابه لما حدث في 2008

كل ذلك يحيل إلى عالم جامح بالاضطرابات والتغيرات السياسية، مع مستقبل شبه غامض، ما يرتد على الاقتصادات الوطنية، ويجعلها أكثر عرضة للضربات الطارئة في أي وقت، بحسب الظروف السياسية والاقتصادية في محيطها الإقليمي والعالمي.

هل يحدث الانهيار فعلًا؟

بالنسبة للخبير الاقتصادي بيل كونيرلي من مجلة فوربس الأمريكية، فإنه لا يَتوقع أن يحدث انهيارًا اقتصاديًا في 2019 مشابهًا لما كان في 2008، بالرغم من احتمال حدوث كساد، معللًا ذلك، بأن "البنوك الأمريكية الآن تمتلك المزيد من رأس المال مقارنة بالأصول، كما أنها خضعت لاختبارات الإجهاد لتحديد كيف سيكونون في حالة ركود حاد، ما يجعلها مستعدة للبقاء حتى في الظروف السيئة". غير أنه استدرك بقوله: "لكن الاقتصاد عمومًا دائمًا محفوف بالخطر"، ما يعبر تمامًا عن حقيقة اقتصادية متعلقة بطابع السوق وشكل الإنتاج من جهة، لكن في جانب منها أمست العبارة الفضفاضة مكونًا أصيلًا في التبرير البنكي أيضًا.

 يرى خبراء  الأسواق المقربون من البنوك إنه قد يحدث كساد اقتصادي انطلاقًا من الولايات المتحدة، لكن دون انهيارٍ اقتصادي مشابه لما حدث في 2008

وبين هذا وذاك، تبقى 2019 سنة غامضة بالنسبة لكل الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين على حد سواء، بالنظر إلى ما يحدث في الساحة العالمية اقتصاديًا وسياسيًا وتكنولوجيًا من تغيرات جذرية، الوقت وحده هو الذي سيحدد ما إذا كنا نتجه نحو انفجار فقاعة اقتصادية عالمية أم إلى نكسات صغيرة تسبق عالم جديد تمامًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الاقتصاد العالمي يتعافى من جديد.. لكن ليس لفترة طويلة!

القفز عن الديمقراطية بالاستثنائية الاقتصادية.. كيف يغذي رجال البنوك الشعبوية؟