18-فبراير-2019

العلاقة بين السوشيال ميديا والاكتئاب أكثر تعقيدًا مما يبدو (Getty)

هناك فكرة منتشرة على نطاق واسع مفادها أن لمواقع التواصل الاجتماعي علاقة مباشرة بما قد يصاب به الشخص من اكتئاب. لكن هل هذا حقيقي؟

بددت دراسة الاعتقاد السائد بأن ثمة علاقة مباشرة بين السوشال ميديا وأعراض الاكتئاب التي قد يصاب بها مستخدم مواقع التواصل الاجتماعي

وجد باحثون في دراسة أجروها على مدى طويل، ما ينفي هذا الاعتقاد الشائع. فالدراسة التي أجروها بددت الاعتقاد بوجود علاقة مباشرة بين الإصابة بالاكتئاب وبين الإقبال على استخدام السوشيال ميديا. وأرجعت الكثير من المشكلات النفسية التي يعاني منها الشباب، إلى جذور نفسية عميقة داخل الشباب أنفسهم.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تؤثر السوشيال ميديا على الحقائق؟

وفي دراسة نشرها موقع "ميديكال نيوز توداي"، كتب الطبيب المتخصص تايلور هيفر، من جامعة بروك في سانت كاتربن بكندا، أنه "باستخدام عينات على مدى طويل، تمكنا من اختبار هذه الافتراضية تجريبيًا".

عقدة قصة السوشيال ميديا والاكتئاب

ركزت الدراسة على مجموعتين منفصلتين من المشاركين، أحدها كان يتكون من 594 مراهقًا في الصف السادس أو السابع أو الثامن بمنطقة أونتاريو بكندا، في حين شمل الجزء الآخر 1132 طالبًا جامعيًا.

وقام الفريق باستطلاع المجموعة الأصغر سنًا مرة واحدة سنويًا لمدة عامين، ثم قاموا بمسح الطلاب الكبار سنويًا لمدة ست سنوات ، بدءًا من السنة الأولى في الجامعة. وركزت الأسئلة على مقدار الوقت الذي قضوه على وسائل التواصل الاجتماعي في أيام الأسبوع، بالإضافة إلى عطلات نهاية الأسبوع ، مقارنة بمقدار الوقت الذي يقضونه في أنشطة أخرى مثل مشاهدة التلفزيون وممارسة التمارين الرياضية والقيام بالواجبات المنزلية. 

السوشيال ميديا والاكتئاب
السوشيال ميديا قد تزيد من أعراض الاكتئاب بضغوط المقارنات

وركز الباحثون على أعراض الاكتئاب لدى كل عينة، وقاسوا هذه الأعراض بتحديد مجموعة من العوامل النفسية متعلقة بشكل مباشر بالمرض، مثل الشعور بالحزن الدائم بشكل يمنع من الممارسات والأنشطة اليومية، واضطرابات الشهية  والشعور بالتعب الجسدي المستمر، واضطرابات النوم، والأفكار الانتحارية، والشعور باللا جدوى من الحياة.

وبهذه العملية البحثية، وجد الباحثون أنه ليس ثمة علاقة مباشرة بين أعراض الاكتئاب لدى المشاركين في البحث وبين استخدامهم للسوشيال ميديا.

وفي المقابل هناك أبحاث أخرى وصلت إلى نتائح أكثر جدلية، وهي أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تحمي من الأمراض العقلية، لأنها تدعم و تمكن من وجود التفاعل الاجتماعي الذي قد يوصل إلى الدعم، وتسمح للمستخدمين بأن يعكسوا جوانب من هويتهم ويعبروا عن المشاعر التي قد تكون ذات صلة بتجربتهم المعيشية.

لكنها من ناحية أخرى، تؤكد أن كثير من التفاعلات الإنسانية على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تكون عُرضة للتنمر وسوء الفهم والتوقعات غير الحقيقية. وترى أن مواقع التواصل الاجتماعي، قد تكون بيئة تواصل معقدة للغاية.

وفي هذا الشأن يقول الطبيب النفسي محمد أبوزيد لـ"ألترا صوت"، إن "القصة أكثر تعقيدًا مما تبدو، فهناك فئات عمرية، خاصة المراهقين وبدايات الشباب، لديهم حياة موازية على شبكات التواصل الاجتماعي".

ويوضح أبوزيد: "يجد المراهق أو الشاب منهم نفسه أكثر قدرة على تكوين صداقات من خلال هذه المنصات، بينما هو في الواقع أكثر انعزالية. بينما مثلًا في حالة الأطفال، فإن تكوين الصداقات بالنسبة لهم على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر سهولة، وهو أمر كارثي ويجب أن يُفرض عليه شيء من الرقابة".

من أين يأتي الإكتئاب إذن؟

تقول الدراسات إن نسبة انتشار الاكتئاب كمرض في العالم، وصلت إلى 7.3% وأن الاكتئاب يؤثر على طبيعة إدارة العلاقات الاجتماعية لدى الأفراد، وقد يكون الاكتئاب والقلق متورطيْن في تحديد حجم وبنية الشبكة الاجتماعية للفرد، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو خارجها.

في هذا السياق يؤكد محمد أبوزيد على الحقيقة القائلة بأن كل شيء يرجع إلى طبيعة استخدام الفرد، وحقيقة هشاشته النفسية في مواجهة المحتوى المركب للسوشيال ميديا.

ويضيف أبوزيد: "هناك نوعان من الاكتئاب: الاكتئاب الجيني المرتبط بالتاريخ الجيني لدى الفرد، والاكتئاب المرتبط بالأسباب الخارجية. وما يعنينا هنا هو النوع الثاني، وهو نوع يتم خلقه داخل الفرد على مدى فترات طويلة، خاصة حين يتم تجاهله تمامًا، والالتهاء عن التعامل مع أعراضه، ما يحوله إلى وحش كامن داخل الفرد، يخرج فجأة عندما يتم استفزازه، سواءً أكان هذا الاستفزاز من خلال الأخبار السيئة على السوشيال ميديا أو الصور أو غيرها".

السوشيال ميديا الاكتئاب
تحكم استخدامات السوشيال ميديا نوع تأثيرها على الشخص

إن عدم الرضا عن الذات والشعور المستمر بسوء تقدير الذات، وكراهية الجسد، هي تفاعلات سلبية قد يعززها التواصل السلبي عبر الإنترنت، خاصة وأن اللغة السلبية أمر مُعدٍ بين المستخدمين.

وأفادت إحدى الدراسات التي أقيمت على فيسبوك أنه "يمكن نقل الحالات العاطفية إلى الآخرين عن طريق العدوى العاطفية، ما يدفع الناس لتجربة نفس العواطف دون وعي".

ومما سبق يتبين أن الاختلافات في تراكيب الشخصيات لها دور في كيفية التأثر بالسوشيال ميديا وتأثيرها على الصحة النفسية، فعلى سبيل المثال: قد يختار بعض الشباب استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كأداة للمقارنة، وهذا استخدام سلبي. في المقابل، قد يستخدمها آخرون ببساطة للبقاء على تواصل مع أصدقائهم، وهو ما يعد الجانب الإيجابي من استخدامات السوشيال ميديا.

غير أن هناك من يعتقد بأن نتائج مثل هذه الدراسات، يخدم تكريس وجود السوشيال ميديا في حياة الناس، وبشكل ما يخدم الأهداف الربحية للشركات القائمة على هذه المنصات والمواقع.

إن عدم الرضا عن الذات والشعور المستمر بسوء تقدير الذات، وكراهية الجسد، هي تفاعلات سلبية قد يعززها التواصل السلبي عبر الإنترنت

وفي كل حال، قد يكون البحث بـ"نعم" أو "لا" في هذا المضمار، مُسطحًا للتعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي واستخداماتها، وتأثيرها في حياة الناس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 الموضة على السوشيال ميديا.. كيف يفسد الذوق العام بصورة؟!

وسائل التواصل الاجتماعي.. هل توصل إلى الشك بالذات؟