هل تُسكت مكالمة ترامب وبوتين أصوات المدافع في أوكرانيا؟
19 مايو 2025
يُجري الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الإثنين، مكالمةً تعلّق عليها أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون آمالًا كبيرة في أن تدفع بوتين إلى الموافقة غير المشروطة على وقف إطلاق النار، في الصراع الأعنف الذي تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية وأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.
كما يسعى ترامب، مدفوعًا برغبته في أن يُذكر كصانع سلام، إلى وضع حدّ للحرب الروسية الأوكرانية. ولهذا دعا مرارًا وتكرارًا إلى إنهاء ما يصفه بـ"حمّام الدم" في أوكرانيا، نافيًا أن تكون للولايات المتحدة مصلحة في هذا الصراع، الذي تصوّره بعض الأوساط على أنه حرب بالوكالة بين واشنطن وموسكو.
يشار إلى أنه، وبضغطٍ من إدارة ترامب، اجتمع مندوبو روسيا وأوكرانيا يوم الجمعة الماضي في إسطنبول، وذلك لأول مرة منذ آذار/مارس 2022. غير أن الاجتماع لم ينجح في التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، واكتفى الجانبان بإبرام صفقة تبادل أسرى تشمل إطلاق سراح 1000 أسير من الجانبين، والاتفاق على مواصلة المحادثات، دون تحديد زمان أو مكان لانعقادها.
الحرب في أوكرانيا تمثّل لبوتين مرحلة مفصلية في العلاقات الروسية الغربية منذ سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991
المكالمة المرتقبة
كتب ترامب على منصته الخاصة "تروث سوشيال" قائلًا إنّ مكالمته مع بوتين "ستتناول وقف حمّام الدم الذي يقتل، في المتوسط، أكثر من 5000 جندي روسي وأوكراني أسبوعيًا، كما يقضي على الفرص التجارية الواعدة في المنطقة".
وأضاف ترامب: "نأمل أن يكون يومًا مثمرًا، وأن يتم وقف إطلاق النار، وأن تنتهي هذه الحرب العنيفة للغاية، التي ما كان ينبغي أن تحدث أبدًا"، وفق تعبيره.
وكان ترامب قد استبق هذه التصريحات بتصريحٍ قال فيه إنه من غير المرجح إحراز تقدم في مسار السلام قبل أن يجتمع هو وبوتين.
وكشف البيت الأبيض أنّ ترامب سيتحدث بعد مكالمته مع بوتين إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بهدف بحث سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا.
بدوره، قال المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، في مقابلة مع شبكة "إيه بي سي"، إن المذبحة الجارية في أوكرانيا "يجب أن تنتهي"، مؤكدًا على ضرورة التوصل إلى "وقفٍ لإطلاق النار وسلامٍ نهائي".
وتوقّع ويتكوف أن تكون مكالمة ترامب وبوتين إيجابية وناجحة، مشيرًا إلى أنّ ترامب تمكّن فعلًا من "تجسير الفجوة بين أوكرانيا وروسيا"، وفق تعبيره.
لكنّ روسيا شنّت، يوم أمس الأحد، أكبر هجوم بالطائرات المسيّرة على أوكرانيا منذ بدء الحرب في شباط/فبراير 2022، وذلك قبل يومٍ واحد فقط من مكالمة بوتين مع ترامب. وكاد الأمر يتطور، بحسب المخابرات الأوكرانية، إلى إطلاق موسكو صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات.
وتعتقد وكالة "بلومبيرغ" أنّ روسيا أرادت من خلال ذلك إرسال رسالة مفادها أنها "واثقة بقدراتها العسكرية، وبقدرتها على تحقيق اختراقات كبيرة في الدفاعات الأوكرانية خلال الأشهر القليلة القادمة، وبالتالي تحقيق السيطرة المطلقة على المناطق التي أعلنت أنها باتت تحت السيادة الروسية (مناطق في الشرق الأوكراني)".
لكن، في المقابل، يرى الأوروبيون أنّه لم يعد بإمكان روسيا المواصلة طويلًا في هذه الحرب، وما تقوم به حاليًا ليس سوى محاولة لكسب أهداف عجزت عن تحقيقها بالقوة العسكرية.
وهذا ما يحاول قادة الناتو، بحسب بلومبيرغ، توضيحه لترامب، مؤكدين أن مزيدًا من الضغط كفيلٌ بجعل بوتين يرضخ لإرادة السلام، لكن يبدو أنّ لترامب وجهة نظر أخرى.
وتشترط روسيا لإنهاء الحرب أن تتخلى كييف عن طموحها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وأن تتنازل عن بعض أراضيها لصالح موسكو، وتقلّص جيشها وتنسحب بالكامل من المناطق الأربع التي تسيطر عليها روسيا نسبيًا في شمال البلاد (لوغانسك، ودونيتسك، وزاباروجيا، وخيرسون)، وهي شروط ترفضها أوكرانيا، معتبرةً إياها إعلان استسلامٍ مطلق.
زعماء أوروبا يعبّؤون لممارسة أكبر ضغط ممكن على روسيا
دعوات أوروبية وأوكرانية للضغط
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد اتصاله بنظيره الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، إنّه "يجب على الرئيس بوتين أن يُظهر رغبته في السلام، بقبول وقف إطلاق النار غير المشروط لمدة 30 يومًا، الذي اقترحه الرئيس ترامب ودعمته أوكرانيا وأوروبا".
فيما قالت متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي إنّ الزعماء الأوروبيين "بحثوا فرض عقوبات في حال لم تشارك روسيا بجدية في محادثات السلام ووقف إطلاق النار".
من جهته، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بعد مكالمة أجراها مع نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، إنّ هناك حاجةً ملحّة إلى "فرض عقوبات على روسيا، والضغط المستمر عليها حتى تصبح مستعدة لوقف الحرب".
يُشار إلى أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى أن الحرب الحالية تمثّل مرحلة فاصلة في العلاقات الروسية الغربية، بعد ما يعتبره إذلالًا تعرّضت له موسكو عقب سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، وما تبعه من توسعٍ غربي نحو المجال الحيوي لروسيا، إلى أن وصل الأمر إلى أوكرانيا المحاذية لها.