25-نوفمبر-2016

هل استنفذ عادل كرم عفويته على الشاشة (يوتيوب)

تنقسم المحطات التلفزيونية اللبنانية بكل شيء، فلكل محطة جمهورها، وحزبها، وخيارها السياسي. جميعها تتبع لشخصيات سياسية، ومن لا زعيم سياسي خلفه، يتخذ دور الباحث عن المصلحة، فتارة تكون خلف هذا الحلف، وتارة ضده، والحساب البنكي يزداد أرقامًا، أما الجمهور فهو الحلقة الأضعف.

كثيرة هي البرامج التي تقدمها تلك القنوات بحثاً منها عن جمهور بعد أن هجرها الجيل الشاب إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فتوسعت دائرة القنوات وبدأت تستنجد بتجارب إعلامية شبابية ولو لم تكن من "موزاييك" المجتمع الذي تستهدفه. فقط لأنها قادرة على دمج القناة والترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعي فتربح المشاهد "أونلاين" بعدما خسرته كمشاهد ثابت على الشاشة.

تنقسم المحطات اللبنانية سياسيًا وطائفيًا وتجد صعوبة في الوصول إلى كل شرائح المجتمع اللبناني

وأبرز مثال على ذلك انتقال برنامج "شي أن أن" من قناة الجديد، ليتحول إلى "بي بي شي" على قناة الـLBCI، التي بدلت في السنوات الماضية لهجتها الكسروانية- المسيحية الصرفة، وذهبت نحو الفكر المدني.

على قناة الـ MTV المعروفة ببرامجها الأرستقراطية من "إتيكات الطعام"، إلى "الرقص مع النجوم"، يبرز نجم الممثل عادل كرم في برنامج "هيدا حكي". فعادل، ابن الأشرفية، لديه الكثير من هامش "الشعبية". هو أقرب إلى الناس من غيره في المحطة. ربما لأنه كسر حاجزه الإعلامي الديموغرافي فعمل لسنوات مع قناة "المستقبل" التي ليست من بيئته فزادت من جمهوره ورصيده وأعطته خبرة بكيفية استقطاب ذلك الجمهور أينما حل. لكن كل هذا لم يجعل منه نجمًا ساطعًا على الدوام. فهو لم يعد يحمل سوى عفوية مصطنعة. وأقرب إلى الاستنجاد بالإيحاءات الجنسية والسخرية المليئة بالعنصرية، لإضحاك الجمهور.

اقرأ/ي أيضًا: "نقشت".. حفلة تسليع للمرأة اللبنانية

وبعد مواسم متكررة من برنامج "هيدا حكي"، الذي يقدمه كرم، أدرك فريق العمل أن البرنامج يحتاج إلى دم جديد، خصوصًا أن الأخير تلقى نقدًا لاذعًا، بسبب سقوطه في زلات لسان واهية، وتراجع نسب المشاهدين، الذين وجدوا في برنامج "شي أن أن" بديلًا يشبههم. واستنفذ كرم كل ما لديه وشادي الناشف من فكاهة ونقد، حاول التغيير مرارًا بتركيبة البرنامج، لكنه دومًا وقع في فخ التكرار و"ثقالة الدم"، إلى أن اقترح أحدهم أن تنضم فتاة سطع نجمها بالنقد العفوي على مواقع التواصل الاجتماعي تدعى "أديل" إلى فريق تقديم العمل.

ظهرت "أديل" على الجمهور بشخصية إبنة "القرية" التي قررت النزول إلى المدينة لاستكمال دراستها. لهجتها القروية مضحكة (أميون الكورة). كل ما تواجهه من مواقف في "المدينة" يجعلها تستغرب، تروي تلك المواقف لكرم (بتلعثم كونها جديدة على التقديم) على الهواء، والجمهور يضحك على لهجتها، وعلى جرأتها بطرح أفكارها للعامة، على شفافيتها المفرطة، وتواضع أفكارها ولا يفكر بنقدها رغم ضعفها كمقدمة، ذلك فقط لأنها عفوية، إلا أن هذا لم يمنع أيضًا افتقارها إلى الموهبة إلى حد ما، أو تقليدها أسلوب كرم، وكأنها تحت مظلته.

استنفذ عادل كرم عفويته ولم تعد تسعفه البذاءة فاستعان بأديل في فريق برنامجه

"أديل" بتعليقاتها في البرنامج تشبه واقعنا في مجتمع يتطور بكل لحظة، يسبقنا كثيرًا بوقت قليل جدًا، ندخل مطعماً دخلناه قبل أيام، نجد فيه أصناف جديدة لم نعهدها، لا يمكننا أن نسأل عن مكوناتها فنظهر جهلاء. ربما ليست محترفة في عالم التقديم ولكن "أديل" المبتدئة هي الفتاة التي تجاهر بواقعنا، تضحكنا على كذبة نعيشها، على تطور بالشكل وسخافة بالمضمون.

تقول على الشاشة ما لا نستطيع قوله، سوى قبل أن ننام، حيث نعترف لشقيقنا أو لشقيقتنا أننا وفي سهرتنا التي أمضيناها مع مجموعة "أرستقراطية" لم نعلم ماذا يعني طبق "تشيكن كينوا"، نحن الذين نأكل في المنزل "البرغل ع دجاج"، لكننا اضطررنا لنتناوله وندفع ثمنه مبلغًا باهظًا كي لا نظهر متخلفين عمن حولنا، هؤلاء أيضًا من بينهم أشخاص يخافون، مثلنا، الظهور متخلفين أمامنا، والمطعم هو جلادنا ونحن جميعنا ضحايا ولا يمكن أن نصرخ ونقول معاناتنا.

تضحكنا "أديل" بكثير من المواقف الواقعية. قمة الضحك أن تتخيل نفسك في الموقف دون أن تكون فيه فعليًا، وتضحك براحة مطلقة دون خجل، تخبرنا بلهجة قروية كل ما في قلبها، تنتقد مهرجاً جعل منه الـFans نجمًا، تضحك على كلمة "فانز" أيضًا، وتردها للمعنى الواقعي للكلمة فتصبح ربما "المضروبين ع قلبون".

"ايش ولو، من بيت شقاع لبيت رقاع، شنكليش، اشعنبتعمل، خوسيسة، يا مصيبتي اللوقة، لحاصلو.."، كل هذه الكلمات التي نعرفها ونرفض استخدامها في حياتنا العامة "لأننا تطورنا كثيرًا عليها"، تفاخر بها "أديل" على الشاشة دون خوف، تقترب فيها من قلوبنا، دون أي كلمة بذيئة، (عكس إيحاءات كرم وإيغاله في الجنس). يتابع الجمهور فقرتها ليرى عفويتها وكاريزمتها لا ملابسها الـSexy أو جسدها المثير كما عهدنا في السنوات الأخيرة. هي بكل بساطة تشبهنا، تشبه كل عفويتنا، وتضحكنا فقط لأنها منّا، ولأننا ابتعدنا كثيرًا عما يضحكنا بحق، لمصلحة ما يرسم على وجهنا ضحكة صفراء في مجتمع قائم على التظاهر بما هو ليس حقيقي.

ويبدو أن البرنامج كي لا يموت يستعين بنبض الناس، لا بـ"سيناريوهات" البلاتو السطحية والمسخفة، لا بل المستعينة بالجنس والبذاءة لاستقطاب الجمهور، فهل فعليًا يحاول كرم أن لا يخسر جمهوره، بمساعدة "أديل"؟، وهل فعلًا سيستعيد عادل كرم، بعضًا من قدرته على إنتاج جديد؟، الأيام قادمة، لكن هل كل هذا يخفف من "سخافة" البرنامج الفائضة و"ثقل ظل" كرم نفسه؟.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كوميديا جاد غصن "تبع الأخبار": نكتة المراسل السمجة

سقوط الـ"otv" اللبنانية: إذلال مواطن في مقلب تافه