27-سبتمبر-2017

غسان سلامة وفائز السراج في طرابلس (محمد تركية/ أ.ف.ب)

بالكاد مرّت 100 يوم منذ تعيينه على رأس البعثة الأممية في ليبيا، حتّى أعلن غسان سلامة خارطة طريق لحلّ الأزمة الليبية، وذلك في اجتماع دولي رفيع المستوى على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتقوم هذه الخارطة التي أعلنها غسان سلامة على ثلاث مراحل، أولها تعديل اتفاق الصخيرات وما يحمله من إعادة تشكيل للمؤسسات المنبثقة عنه، وثانيًا عقد مؤتمر وطني للمصالحة لتحديد واختيار أعضاء هذه المؤسسات، وثالثًا إصدار مجلس النواب تشريعًا للاستفتاء حول الدستور، بالتعاون مع لجنة صياغته، لتنتظم انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون عام واحد.

أعلن مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، عن خارطة طريق حظيت بتأييد دولي بل لقيت أيضًا تجاوبًا في الداخل الليبي

وحظيت هذه الخارطة بتأييد القوى الدولية، بل لقيت تجاوبًا في الداخل الليبي، على الأقل من الطرفين الأساسيين في الصراع، وهما مجلس النواب المتمركز في الشرق من جهة والمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة في الغرب من جهة أخرى. مع ذلك كله، يبقى السؤال: ماهي فرص نجاح خارطة طريق غسان سلامة في حلّ الأزمة الليبية؟

تعديل الصخيرات.. حجر الأساس

بقدر تأكيد غسان سلامة على أن اتفاق الصخيرات هو الإطار الوحيد لحلّ الأزمة الليبية، بقدر ما شدّد أيضًا على وجود اتفاق "واسع" لتعديله، إذ بات الاتفاق عائقًا بذاته لتحقيق أهدافه المنشودة، وذلك خاصة بعد رفض مجلس النواب المصادقة عليه، وعدم قبول القوات العسكرية التي يقودها خليفة حفتر الاعتراف بأحكامه، ليؤكد وضع تعديله على رأس أولويات خارطة الطريق الجديدة، على أن هذا الاتفاق الأممي وُلد ميّتًا منذ بدايته، ولم يكن الدفع بقوّة من أجل توقيعه حينها في كانون الأول/ديسمبر 2015 إلا مغامرة أثبتت فشلها.

اقرأ/ي أيضًا: الأمم المتحدة واللعب بالنار في ليبيا

لكن من سيعدّل الاتفاق؟ بمقتضى الفصل 12 منه، تتولّى لجنة الحوار المكوّنة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، التوافق على صيغة التعديل الذي لا يصبح نافذًا إلا بعد مصادقة مجلس النواب الذي كان قد رفض أصلًا المصادقة على الاتفاق برمّته. وفي النهاية، لم يطل الانتظار حتى اجتمع يوم أمس الثلاثاء في تونس، بعد أسبوع من إعلان خارطة الطريق، أعضاء لجنة الحوار ممثلين للهيكلين الرئيسيين، لينطلق ماراثون النقاشات حول التعديلات، وقد أعلن غسان سلامة عن أمله في مصادقة مجلس النواب عليها قبل نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر القادم.

وأعلن عضو لجنة الحوار عن مجلس النواب، الهادي الصغير، أن التعديلات ستشمل المجلس الرئاسي، بحيث يصبح متكونًا من رئيس ونائبين، وأن الحكومة منفصلة عن المجلس الرئاسي، مع عودة المنتخبين يوم السابع من تموز/يوليو 2012 للمؤتمر الوطني العام. ومن المنتظر قطعًا كذلك أن يلحق التعديل المادة الثامنة وهي المادة الأشهر من نار على علم في اتفاق الصخيرات، حيث مثلت السبب الرئيسي لرفض مجلس النواب المصادقة على اتفاق الصخيرات طيلة قرابة عامين، وتقضي هذه المادة بنقل كافة صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنية العليا لمجلس الوزراء ومنحه سلطة التعيينات بخصوص هذه المناصب، وهو ما يرفضه خليفة حفتر من منطلق عدم جواز المساس بالقوات المسلّحة التي يقودها شرق البلاد.

ومن المنتظر أن تكون الكلمة العليا في تعديل الاتفاق لمجلس النواب على حساب المجلس الأعلى للدولة، ذلك أن أي التعديلات لن تصبح نافذة إلا بالمصادقة عليها من المجلس النيابي. وإضافة لذلك، تظلّ الخشية من اعتماد آليات متعددة ومعقدة في تسيير البلاد بما يعطّل اتخاذ القرار، وهو ما يبدو ما تم التفطن له مبدئيًا من حيث تقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسي، والاتجاه نحو تشكيل حكومة منفصلة عنه، وهو ما يعني اعتماد نظام سياسي وقتي مزدوج في السلطة التنفيذية، يتكون من رئيس للمجلس الرئاسي، ورئيس للحكومة، وذلك إضافة لرئيسين يمثلان السلطة التشريعية هما رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الرئاسي.

ومن المتوقع كذلك، لو تمت المصادقة على هذا المنحى، ألا يكون رئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة من نفس الطرف السياسي في إطار ضمانات الشراكة في القرار، ليظلّ السؤال حول الصلاحيات الموزّعة بينهما خلال الفترة الانتقالية، خاصة مع رهان إدارة ملف الجماعات المسلّحة والسعي لجمع أسلحتها تحت إمرة هيكل عسكري موحّد.

وهو ملفّ يُلاحظ أن غسان سلامة لم يتناوله بصفة دقيقة، حيث طالب اختصارًا بإجراء حوار مع الجماعات المسلحة وتوحيد جهود الجيش الوطني دون تحديد للآليات أو سلم زمني، وهو ما يكشف عن أولوية السياسي على العسكري في أجنتده، وأمله أن يقع ابتلاع ملف الجماعات المسلحة وتوحيد الجيش عبر العملية السياسية المنشودة خاصة بعد تنظيم المؤتمر الوطني.

المؤتمر الوطني والاختبار الصعب

من هم أعضاء المؤسسات التنفيذية المؤقتة بعد تعديل الاتفاق الأممي؟ ينصّ الاتفاق الأممي على تنظيم مؤتمر وطني شامل من جلسة واحدة لتحديد الأعضاء، ويجمع المؤتمر أعضاء مجلسي النواب والأعلى للدولة و"غيرهم الكثير ممن تمثيلهم ضعيف أو غير ممثلين على الإطلاق في هاتين الهيئتين" وفق ما حدّد غسان سلامة. ويمثّل هذا المؤتمر بذلك آلية للتوافق بدل لجنة الحوار، وكذلك بدل تنظيم انتخابات كما اقترح سابقًا فائز السراج.

يعكس خيار تنظيم مؤتمر وطني من جلسة واحدة لتحديد أعضاء المؤسسات التنفيذية، ضبابية في رؤية خارطة طريق غسان سلامة

ويعكس خيار تنظيم مؤتمر وطني من جلسة واحدة، لاختيار أعضاء الهياكل التنفيذية، رغبة في تقصير المدى الزمني للمرحلة الانتقالية، وإعطاء الأولوية للمسار الدستوري، حيث يتولى مجلس النواب فور إرساء الهياكل التنفيذية الجديدة اصدار قانون للاستفتاء على الدستور الليبي، ومن ثمّ تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

اقرأ/ي أيضًا: خارطة طريق فائز السراج.. طموح للحل في أرض الألغام

بيد أن مسلك عقد مؤتمر وطني ليس يسيرًا، حيث يطرح عديد الأسئلة، مثل: من هم الأطراف ذوي التمثيل الضعيف وغير الممثلين في الهيئتين التشريعيتين؟ ومن سيختارهم؟ وكيف سيتم التوافق في المؤتمر، عبر الاجماع أو عبر الانتخاب؟ وهو ما قد يجعل مسألة عدد الحضور وانتماءاتهم ومدى تمثيلهم للتوازنات السياسية والعسكرية والاجتماعية مسألة حاسمة. أسئلة عديدة لازالت إجابتها ضبابية، خاصة وأن خارطة الطريق تفترض مؤتمر من جلسة واحدة بما يعني أن المعركة الحقيقية ستكون في مرحلة التحضيرات، وهي مدّة قد تطول، ليطول معها شغور المناصب التنفيذية وفق الاتفاق المعدّل حينها.

ولعلّه يتصاعد الرّهان كذلك بتوكيل المؤتمر الوطني مهمة ثانية وهي تقديم المقترحات حول الدستور، وهو ما يجعل المؤتمر، عمليا، لجنة عليا لصياغة الدستور.

"الشيطان يكمن في التفاصيل"

الضمانات هي كلمة السرّ في أي توافق سياسي، ذلك أن انعدام الثقة بين أطراف الصراع الليبي هو الحاجز الذي حال طيلة السنوات الماضية في إيجاد أرضية سياسية مشتركة يجتمع حولها مختلف الأطراف. ولذلك يجب أن تعتبر الأمم المتحدة قبل الأطراف الليبية، بضرورة التوافق على الآليات المطروحة وقابليتها للتطبيق على الأرض، لعدم تكرار إخفاق النسخة الأولى من اتفاق الصخيرات.

ويقتضي ضمان هذا التوافق توفير الضمانات الكفيلة لكل الأطراف، وكذا تقديم مبادرات حسن نيّة، والحرص على أسباب نجاح أي خطوة، ذلك أن "الشيطان يكمن في التفاصيل" كما قيل، إذ لا خلاف حول المحاور الكبرى بين أطراف النزاع، وإنما في التفاصيل.

لابد من طرح ضمانات حقيقية وتقديم مبادرات حسن نية، تكفل المضي قدمًا في التوافق السياسي بين أطراف الأزمة الليبية

ويمثّل حاليًا انطلاق جلسات لجنة الحوار لتعديل الدستور بعد أسبوع واحد من طرح غسان سلامة لخارطته، مؤشرًا أوليًا إيجابيًا في تنفيذ الخارطة، إلا أن الرهان يظل في التزام الأطراف الليبية في المشاركة الجديّة لإيجاد حل للأزمة والتسريع لانهاء المرحلة الانتقالية. ويفترض أن تضغط الأمم المتحدة والقوى المؤيدة لخارطة الطريق على القوى الإقليمية الداعمة لهذا الطرف أو ذاك، لتأكيد انخراطها في العملية السياسية، إذ يصعب تحقيق اختراق في مشهد الصراع الداخلي الليبي دون تحقيق اجماع دولي وإقليمي حول ضرورة إنهاء الأزمة التي يبدو أنه لا خاسر فيها سوى الشعب الليبي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من أجل الخروج من "الانتقالي" في ليبيا

أبرز 10 نقاط مثيرة للجدل في الدستور الليبي الجديد