19-أكتوبر-2015

للتطفل حصة من علاقة الحلفاء (Getty)

هناك ميل عام داخل المعارضة المصرية، لرؤية السياسة الخارجية المصرية كتابع مباشر للسياسة الخارجية السعودية، وبالتالي اعتبار حكام مصر تابعين مباشرين لها. لكن هذه المقاربة خاطئة تمامًا. لو كانت مصر مشتركة في الرؤى الاستراتيجية الدولية مع دولة ما، فهي تشترك فيها مع دولة الإمارات، لكن أيضًا دون أن يعني اشتراكها هذا مجرد تبعية محضة.

 كان اقتراب مصر الشديد من السعودية والإمارات، عقب الانقلاب العسكري في تموز/يوليو 2013، هو أساس هذه الرؤية، وهي رؤية تختصر تعقد علاقات النظام المصري الخارجية إلى مجرد كونه تابعًا للدولتين. في الحقيقة، كان انتفاع نظام الثالث من يوليو من تحالفه الوثيق مع كلا البلدين أكثر كثيرًا من نفعه لهما. من جهة استفاد النظام من التمويل والمساعدات السخية من الدولتين لتجاوز عقباته الاقتصادية ولعبور مرحلة الصدمة بعد الانقلاب مباشرة، ومن جهة أخرى استفاد أيضًا من قدرة الدولتين، بثقلهما الاقتصادي والدبلوماسي، على تخفيف الضغط الدولي على مصر فيما يتعلق بتجاوزاتها في قضايا تتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية. كما كان للنظام المصري المصلحة الأكبر في اشتراك الدول الثلاث في رسم خارطة المعركة الجديدة، هي المعركة ضد الإسلام السياسي، لكونه الوحيد بينهم الذي كان يواجه خصمًا إسلاميًا قويًا ومهددًا لسلطته بشكل حقيقي.

كان انتفاع نظام الثالث من يوليو من تحالفه الوثيق مع السعودية والإمارات أكثر كثيرًا من نفعه لهما

لكن في الوقت الذي استمرت فيه كلًا من مصر والإمارات، في اتخاذ المعركة ضد الإسلام السياسي، عاملًا رئيسيًا في تحديد أصدقائهما من أعدائهما، تراجعت السعودية بفعل عوامل داخلية و خارجية متزايدة، عوامل داخلية أهمها وفاة الملك عبدالله ومجئ ملك جديد، وعوامل خارجية كتعقد الموقف في سورية واستيلاء الحوثيين على اليمن، إلى موقفها التاريخي، كعدو بالأساس للمحور السوري الإيراني، وكدولة متحفظة بشدة على الإسلام السياسي الحركي، لكن دون أن تجعل المعركة معه معركة وجود، خصوصًا بعد ما فقد هذا الإسلام السياسي جناحه الأقوى في مصر، ولم يعد منافسًا لها في السيطرة الرمزية على أحلام العرب السنة الطائفيين.

اقرأ/ي أيضًا:تكاليف الحنين إلى إمبراطورية كاترينا

على العكس من السعودية، لا تمتلك مصر هذه المرونة في تغيير موقفها من الإسلام السياسي. المعركة ضد الإسلام السياسي، وفي القلب منه الإخوان المسلمين، هي جل شرعية النظام المصري الداخلية، والعامل المشترك الذي يربط تحالفاته ويجعله قادرًا على تجاوز خلافاته الداخلية. لذلك صحيح أنه قد يكون للسعودية بالفعل تأثيرًا معتبرًا في القرار المصري، لكنه التأثير النابع من موقعها كأحد أكبر داعميه الاقتصاديين وكأحد أعضاء المحور المعادي للإسلام السياسي، وهو تأثير يجد حدوده حين يُطلب من النظام المصري، شيئًا يتعارض مع صلب تكوينه.

انطلاقًا من هذه الرؤية، فموقف مصر المتناقض من التحالفات الدولية، مرة مع السعودية في اليمن، ومرة مع روسيا وإيران في سورية، يمكن تفسيره بتعيين أي الموقفين يمثل موقفًا خطابيًا تكتيكيًا، وأيهما يمكن اعتباره الموقف الأصيل للسياسة الخارجية المصرية.

 في رأيي يمثل موقف مصر من التدخل السعودي في اليمن، موقفًا خطابيًا مفتقدًا لأي حماسة حقيقية للحرب ضد صالح والحوثيين، بل ويضمر رغبة في حل الأزمة سياسيًا مع الحوثيين وصالح. على العكس من ذلك  تمامًا،  يظهر الموقف المصري من التدخل الروسي في سورية، كموقف أكثر أصالة. ترحب مصر بجهود روسيا وإيران، في دعم بشار لهزيمة المعارضة المسلحة أولًا ثم هزيمة داعش ثانيًا، وهي ترى أن سقوط بشار، سيمثل دفعة قوية للتيار الجهادي، الذي سيكون له نصيب الأسد في حال سقوط الأسد على يد المعارضة، ما سينعكس عليها بالسلب، وهي التي تخوض حربًا عنيفة ضد الجهاديين في سيناء منذ سنين، دون قدرة على حسمها تمامًا. كما أنها أيضًا غير متحمسة للوصول لحل سياسي ما بين طرفي النظام وداعميه وطرف المعارضة، لكون الإسلام السياسي سيكون قطبًا رئيسيًا في هذا الحل، ما يعني دفعة معنوية للتيارالإسلامي في المنطقة، وهو أيضًا أمر لا تريده في ظل معركتها مع الإخوان.

 لكل ذلك يبدو أن موقف النظام المصري المؤيد للتدخل الروسي في سورية، لهزيمة المعارضة عسكريًا، هو الخيار الأكثر تناسبًا مع رؤيتها لأولويات سياستها الخارجية، لكونه الخيار الوحيد الذي لا يربح فيه عدوها المطلق أي الإسلام السياسي.

بالتأكيد يمكن أن يحمل المستقبل شيئًا مختلفًا، لكن إلى الآن تبدو السياسة الخارجية المصرية، متماسكة منطقيًا مع معنى النظام الذي تعبر عنه. النظام الذي تنحصر شرعيته الداخلية بشكل تام، في مجرد كونه يحارب الإخوان المسلمين، فتقوم السياسة الخارجية بترجمة ذلك إلى جعل المعركة مع الإسلام السياسي، هي أيضًا صلب تحالفاته الدولية.

صحيح أنه بالتوازي مع ابتعاد النظام المصري التدريجي عن السعودية، يمكنه أن يرسل إشارات عن عدم رغبته في عداواتها، مثل تصريح السيسي المدافع عن تنظيم السعودية للحج، لكن تظل تلك الإشارات في الحقيقة، انتهازية تمامًا، بل وربما يعبر تزايد هذه النوعية من التصريحات عن المأزق الذي يجد فيه النظام المصري نفسه، حين تقرر دولة من أكبر داعميه، أن تغير بوصلتها من المعركة ضد الإسلام السياسي، إلى معركة أخرى لا يرى أنها تعنيه قليلًا أو كثيرًا مثلما هي المعركة ضد "التدخل الإيراني في المنطقة" .

اقرأ/ي أيضًا:الأسد في نيويورك!